أزمة الوقود تتصاعد من جديد في تونس
تعج محطات الوقود في تونس بطوابير سائقي السيارات المصطفين لملء خزاناتهم خوفا من نفاد البنزين جراء نقص المخزون الإستراتيجي واضطراب توزيع المادة في السوق، في وقت يخشى فيه مراقبون من استفحال أزمة فقدان السلع الأساسية المستوردة في النصف الثاني من العام الجاري.
ووسط العاصمة تونس عمت الفوضى في الشوارع القريبة من مناطق محطات البنزين في ظل تعطل حركة السير وتصاعد أصوات منبهات السيارات وضجيجها، فيما أغلقت محطات أخرى ممراتها أمام سيارات الزبائن ووضعت لافتات كتب عليها بالفرنسية ما معناه “لم يعد هناك بنزين”.
وقرب محطة للبنزين محاذية لملعب المنزه لكرة القدم بالعاصمة يقف وليد نفاتي خارج سيارته منتظرا بضجر دوره لملء خزان سياراته من البنزين الخالي من الرصاص، موجها بصره نحو أحد العاملين في المحطة وهو يخبر زبونا أنه لا يمكن تزويده بكمية من البنزين تتجاوز 60 دينارا (الدولار يساوي نحو 3.09 دنانير تونسية).
نقص حاد
ويقول وليد إن النقص الحاد يشمل فقط البنزين الخالي من الرصاص بسبب النقص في تزويد المحطات بالبنزين، مؤكدا أن التونسيين أصبحوا يعيشون حالة من الارتباك اليومي نتيجة تواتر واستمرار فقدان أغلب المواد الأساسية، كالبنزين والخبز والسكر والقهوة.
وعلى امتداد الفترات الماضية يشتكي التونسيون من تذبذب كبير في مستوى توريد بعض السلع الأساسية المستوردة من قبل الدولة، مما جعلهم يكابدون يوميا مشقة البحث عن الخبز جراء نقص الحبوب الموردة أو القهوة أو الزيت النباتي أو الأدوية الضرورية وأخيرا البنزين.
وطالما أرجع الرئيس التونسي قيس سعيد أزمة فقدان السلع الاستهلاكية الضرورية إلى أطراف سياسية قال إنها تسعى إلى تأجيج الوضع في الداخل وضرب الدولة والتآمر عليها، وقال إن هذه الأطراف تتحكم في مسالك التوزيع لتجويع الشعب التونسي، وتوعدهم بالمحاسبة.
لكن وليد يؤكد أنه غير مقتنع بالروايات الرسمية وراء فقدان المواد الأساسية، قائلا “من الغباء تصديق أن هذه الأزمة سببها التعطيل فقط من قبل أطراف سياسية، هذه الأزمة تكررت في السابق نتيجة شح السيولة وتخبط الدولة في عجز مالي وسوء إدارة البلاد”.
ويعمل هذا الشاب الأربعيني في شركة خاصة، وهو أب لـ3 أولاد، وبحكم احتكاكه يوميا بالمتاجر والمحلات يقول إن الأوضاع المعيشية باتت لا تطاق، مشيرا إلى أن ندرة المواد الأساسية ونفاد البنزين وانقطاع الماء الصالح للشرب بسبب الجفاف جعلت حياة الناس جحيما حقيقيا.
وغير بعيد، يقف الموظف عز الدين الطرخاني في طابور طويل من السيارات محدقا بوجه عبوس خارج النافذة، وتعكس نظراته حيرة عميقة من تكرر أزمة نقص الوقود في محطات البنزين، ويقول: لا أعرف أين سنذهب بهذا التجاهل لأوضاع الناس؟.
خرج هذا الرجل من عمله لبعض الوقت للذهاب إلى محطة البنزين أملا في ملء خزان سيارته، ويقول إنه ليس الوحيد الذي يعاني من هذا الوضع، مشيرا إلى أن التونسيين يفقدون ضبط النفس في كل مرة يعلمون فيها أن البنزين بدأ ينفد من المحطات أو أن المخابز بلا طحين.
ويرى أن الحكومة بعيدة كل البعد عن هموم الناس، ولا سيما في توفير المعلومة للرأي العام عن حقيقة الأزمات المتكررة في فقدان السلع الأساسية، مبينا أن محطات البنزين أغلبها تعج بطوابير السيارات لأن أغلب السائقين علموا من منصات التواصل وجود نقص بالبنزين.
من جهة أخرى، قال سلوان السميري الكاتب العام للجامعة العامة للنفط والمواد الكيميائية التابعة لاتحاد الشغل إن سبب الاكتظاظ في محطات البنزين لشراء المحروقات لا يعود إلى وجود إضراب نقابي، مبينا أن المخزون الإستراتيجي من المحروقات شهد نقصا في انتظار التوريد.
وقال السميري إن أزمة نقص المواد البترولية الحالية في طريقها إلى الحل مع اقتراب وصول باخرة محملة بالمحروقات ستفرغ حمولتها قريبا في ميناء بنزرت بالشمال، لكنه أشار إلى أن الاضطرابات في توريد المحروقات من الخارج تعود أساسا لنقص العملة الصعبة ومشاكل المالية العامة.
ومن وجهة نظر الخبير الاقتصادي معز حديدان فإن أزمة توزيع البنزين تعود إلى وجود نقص في المخزون الإستراتيجي، مما خلق تهافتا لدى أصحاب السيارات على شراء البنزين بشكل مكثف، ومع ارتفاع الطلب والنقص الحاصل في العرض برزت الأزمة، بحسب قوله.
ويؤكد حديدان أن المخزون الإستراتيجي من المحروقات لم يعد كافيا سوى لبضعة أيام جراء ما تواجهه الدولة من صعوبات في شراء المحروقات وغيرها من المواد الأساسية من الخارج بالعملة الصعبة، محذرا من تفاقم مشكلة التزود بهذه المواد في النصف الثاني من هذا العام.
ويوضح أن مخزون العملة الصعبة حاليا يصل إلى 20 مليار دينار (أقل من 7 مليارات دولار) أي ما يقارب 93 يوم توريد، وهو أقل مما كان عليه الوضع في الفترة نفسها من العام الماضي، مؤكدا أن مخاوف اضطراب التزود بالمواد الأساسية من الخارج تعاظمت في غياب أي تمويلات.
وأكد حديدان أن الوضعية المالية لتونس متأزمة، خاصة في ظل تعطل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض على 4 سنوات بقيمة 1.9 مليار دينار، إضافة إلى تعطل حصولها على تمويلات العملة الصعبة من الأسواق العالمية لأسباب عدة، منها تراجع تصنيف تونس الائتماني.
واعتبر أن الوضعية ستكون أصعب على تونس في النصف الثاني من العام الجاري بسبب اقتراب موعد تسديد أقساط من ديونها الخارجية بالعملة الصعبة، ولا سيما في أغسطس/آب وفي أكتوبر/تشرين الأول المقبل.