مياه الأنهار في العراق ملوثّة و7 ملايين يعانون في الحصول عليها
يطرق فصل الصيف أبواب العراق مُجدِداً المخاوف من تداعيات أزمة المياه والتغيّر المناخي التي يعاني منها العراق بالأساس، والمصنّف من بين الدول الخمسّ على مستوى العالم الأكثر تأثراً بتداعيات ذلك التغيّر، وفيما لم يتمكّن المسؤولون العراقيون من إيجاد طريقة تفاوضية مع كل من تركيا وإيران، لضمان «حصّة مائية عادلة» تجنّب البلاد شبح الجفاف، حذّر مختصون وناشطون بيئيون من قرب «انتهاء» نهر دجلة، تزامناً مع مساعٍ تركية لإنشاء سدٍّ جديد على النهر.
ووضع التقرير الأخير الصادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر؛ والصليب الأحمر النرويجي، نهاية الأسبوع الماضي، توقعات متشائمة بشأن المناخ في ثلاث دول عربية (العراق، سوريا، اليمن) تشهد صراعات منذ عدة سنوات.
وفي البنّد الخاص بالوضع في العراق، أشار التقرير إلى أن توقعات المناخ في العراق تشير إلى وجود بعض الدلائل على أن المرتفعات الواقعة شمال البلاد ستصبح أكثر جفافا.
وبالنسبة لمعدل هطول الأمطار السنوي فلمّ يرجّح التقرير حصول تغييرات تذكر في باقي مناطق البلاد، مع ترجيحات بهطول أمطار غزيرة في بعض المناسبات.
وتوقع التقرير حصول ارتفاع في مستوى سطح البحر في مياه الخليج.
وفيما يخص المعدل السنوي لدرجات الحرارة المتوقعة، بيّن التقرير أنها ستكون «أعلى من المعدل بمقدار 2-3 درجات مئوية في المناطق المرتفعة، و2-4 درجات مئوية في الأراضي المنخفضة بحلول عام 2050» مرجّحا أيضاً انخفاض معدل المياه التي تصب في نهري دجلة والفرات وحصول شحة نتيجة الزيادة على الطلب.
وتصنّف الأمم المتحدة العراق، الذي لا يزال يتعافى من عقود من الصراعات، واحدا من أكثر بلدان العالم تأثرا بتغير المناخ. في الموازاة، كشفت رئيسة بعثة الأمم المتحدة العاملة في العراق، ممثلة الأمين، جينين بلاسخارت، عن تلوث 90 في المئة من مياه الأنهر في العراق، مشيرة في الوقت عينه إلى أن أكثر من 7 ملايين عراقي يعانون في الوصول إلى المياه.
بلاسخارت تحدثت في إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولي، قائلة إن «المياه تمثل أهم أزمة مناخية في العراق» مبينة أن بحلول عام 2035 تشير التقديرات إلى أن العراق سيكون لديه القدرة على تلبية 15 في المئة فقط من احتياجاته من المياه.
وطبقاً للممثلة الأممية في العراق فإن نسبة التلوث في أنهار العراق تبلغ 90 في المئة، ويعاني 7 ملايين شخص حالياً من انخفاض إمكانية الحصول على المياه، ما يحدث أثراً مضاعفاً كبيراً للتهديدات التي يتعرض لها استقرار العراق.
وترى بلاسخارت أن الأولوية التي توليها الحكومة العراقية لمسألة أمن المياه هي موضع ترحيب بالغ. يقال إنه يجري الإعداد لخطط تحديث واسع النطاق لأنظمة إدارة المياه في العراق، وسيكون ذلك حيوياً في تلبية الطلبات التي يشكلها النمو السكاني والتوسع الحضري.
وأوضحت أن التوزيع العادل للموارد بين جيران العراق هو أمر يكتسب نفس القدر من الأهمية، فإذا كان الحصول على المياه منافسة فسيخسر الجميع» عادّة الحل الوحيد هو «يكمن باتخاذ الإجراءات المحلية الجريئة والتعاون الإقليمي الوثيق.
ولفتت بلاسخارت في الوقت عينه إلى أن التطورات الأمنية والاقتصادية والسياسية الإقليمية تؤثر – وستستمر في التأثير – على العراق، ولذلك لا يمكنني المبالغة بأهمية الجهود التي تبذلها الحكومة لتوسيع نطاق الدبلوماسية مع جيرانها وفيما بينهم في عدد من المجالات من أمن الحدود والتجارة إلى تقاسم المياه وقضايا المناخ.
لكن في مقابل ذلك، لا يرى الخبير الاقتصادي العراقي، منار العبيدي، في إجراءات الحكومة الاتحادية مع دول الجوار (إيران وتركيا) أي جدوى لتجنيب البلاد خطر الجفاف الآتي.
العبيدي ذكر في «تدوينة» له منذ سنوات ونحن نتباكى على ملف المياه وانحسار المياه القادمة من الدول المجاورة وتحديدا تركيا وإيران، وانتشرت المقاطع الفيديوية التي تبين انحسار نهري دجلة والفرات وجفاف البحيرات وتوقف الزراعة، إلى ان وصل الأمر إلى ان يكون نوعا من الملل من كثرة سماع هكذا أخبار أو مشاهدة هكذا نوع من المقاطع الفيديوية، لكن لم يخرج علينا مسؤول واحدا ليجيب علينا ما الحل. دائما الإجابة تركيا وإيران تقطع المياه.
وأضاف متسائلاً: هل نبقى تحت رحمة البلدين؟ ألا نملك إي حلول للضغط على هاتين الدولتين؟ ألا تتوفر لدينا أدوات للضغط عليهم على الأقل تجاريا؟» مبيناً أن «تركيا على سبيل المثال نستورد منها 16 في المئة من مجمل صادراتها من المواد الغذائية، ونحن البلد رقم واحد باستيراد هذه المنتجات الغذائية بقيمة تتجاوز 3 مليارات دولار أمريكي سنويا، ألا تستطيع الحكومة العراقية التهديد بعقوبات تجارية لهذه البضائع ما لم يتم إطلاق الحصة المائية للعراق؟.
ومضى يقول: إذا ما تم فرض تعرفة جمركية على المنتجات الغذائية التركية بقيمة 20 في المئة إضافية سيكلف الأتراك ما قيمته 600 مليون دولار سنويا، وستضغط الشركات التجارية والقطاع الزراعي التركي على الحكومة التركية من أجل إطلاق حصة من مياه العراق معتبراً أن الضعف والهوان فينا وبمن يدير ملفاتنا فلا نسميها مؤامرة بل هي ضعف وهوان واستسلام مسؤولنا للإدارات الخارجية حسب قوله.
وعلى المستوى ذاته، أطلق الخبير البيئي العراقي، جاسم الأسدي، تحذيراً بشأن «نهاية وشيكة» لنهر دجلة، نتيجة مساعٍ تركية لإنشاء سدٍّ جديد على النهر، الأمر الذي يُلقي بظلال سلبية على مستقبل البلاد الزراعي وأهوار بلاد الرافدين المُدرجة على لائحة التراث العالمي.
الأسدي ذكر في إيضاح له، أن في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الموارد المائية انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، نحذر من نوايا الحكومة التركية لبناء سد جزرة الذي يقع إلى جنوب سد اليسو بمسافة 35 كم وعلى مسافة 4 كم شمال مدينة الجزرة قرب الحدود السورية.
وطبقاً للمعلومات فإن الغرض من هذا المشروع هو إنتاج الطاقة الكهربائية وإرواء الأراضي الزراعية وتحويل قسم كبير من الأراضي الديمية (500) ألف دونم إلى أرض إروائية» لافتاً إلى أنه «سيتم تحويل جميع المياه إلى أراضي هذا المشروع قبل عبورها الحدود الدولية التركية-العراقية، وسوف يؤدي إلى انعكاسات خطرة على بيئة العراق وحرمان الكثير من السكان القاطنين على ضفاف النهر حتى من امدادات مياه الشرب.
وحثّ الخبير البيئي العراقي الحكومة العراقية على التحرك سريعاً لمواجهة النقص المتوقع في واردات مياه نهر دجلة والفرات مشدداً على وجوب أن يكون هناك حل وتدخل دولي لانقاذ مستقبل بلاد الرافدين من كارثه وشيكة، والعمل على وقف بناء سد جزرة أو وضع آليات مشتركة لتلبية حصة العراق المائية ضمن اتفاقية ملزمة، بعد ان أصبح سد أليسو واقعاً مفروضاً.
ورأى الأسدي أن الشروع ببناء سد جزرة سيرسم نهاية نهر دجلة في العراق، كما انهُ سيؤثر كثيراً على مستقبل العراق الزراعي ومستقبل أهوار بلاد الرافدين.
نُدّرة المياه وتأثيرات شحّها لا يقتصر على نهر دجلة وحسب، بل يمتد أيضاً إلى نهر الفرات الذي يستمد مياهه هو الآخر من الجارة تركيا.
وأعلن مرصد «العراق الأخضر» المعني بشؤون البيئة في العراق، نزوح 20 عائلة داخل محافظة الأنبار الغربية، بسبب شح المياه في مناطق سكناهم.
المرصد قال في بيان صحافي: تعاني مناطق العكنور والمجر القريبة من بحيرة الحبانية بمحافظة الأنبار، من شح المياه منذ 8 أشهر عازيا السبب إلى قلة الإيرادات القادمة من دولة المنبع والنقص الحاد بالخزين المائي الوطني.
وأوضح أن «الشحّة أثرت على حياة 13 ألف شخص من أهالي المناطق من فلاحين وصيادي الأسماك وكسبة» مبيناً ان «20 عائلة من الذين يعانون من شح مياه الشرب والغسيل، نزحوا بشكل كامل لمدينة الرمادي» مركز محافظة الأنبار.
وطبقاً للمرصد فإن المتبقين من أهالي المناطق، يشربون الماء عبر سيارات مخصصة لمياه الشرب التي ترسل لهم عبر تبرعات، وأما الغسيل فيستخدمون المياه الآسنة لافتاً إلى أن الشحّة ببحيرة الحبانية ومناطق حولها، زادت من نسبة التلوث 6 أضعاف الحد الطبيعي وأيضا رفعت التبخر بشكل عال جدا.