وزير تونسي سابق: الشارع يغلي وسعيّد بات خطرا على البلاد
قال الوزير التونسي السابق والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي، محمد عبو؛ إن الشارع التونسي في حالة غليان متصاعدة جراء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية التي يمر بها، وإنه سينتفض في وجه السلطة الحاكمة قريبا”، مؤكدا أن “سعيّد بات يمثل خطرا رهيبا على البلاد.
وأوضح أن الشارع التونسي سيتحرك غالبا حينما يكتشف الآثار الكارثية لسياسة العبث المتبعة حاليا، وساعتها أرجح أن طلبه سيكون رحيل قيس سعيّد، مُشدّدا على أن سعيّد سيفقد في أجل لا أراه بعيدا كل مصداقية، حتى عند جمهوره الذي مازال يدعمه حتى الآن.
وأضاف عبو: المهم أن يفهم الناس ويصدقوا أن رحيل قيس سعيّد لا يعني عودة منظومة فساد للحكم دون محاسبة جدية وعادلة؛ لأنه لو لم يشعر كثير منهم بذلك وبأمل في إيجاد نظام شرعي غير فاسد، فقد يقبلون ببقاء العبث الحاصل الآن رغم تكلفته الباهظة.
قرار عبثي
ووصف السياسي التونسي البارز، قرار الرئيس قيس سعيّد بحل جميع المجالس البلدية بـ “القرار العبثي الذي يدخل في مسار عبثي يدعي صاحبه أن له تصورا لحلول للبلاد والعالم”.
وقال: الفترة الانتخابية البلدية انطلقت بعد انتخابات سنة 2018، وهي تنتهي بعد شهرين، وكان من المفروض دعوة الناخبين للتصويت في انتخابات جديدة والإعداد لها، لا مواصلة مشروع التحطيم؛ بدعوى بناء جديد يذكّرنا بترهات معمر القذافي، التي عانى منها إخوتنا الليبيون لعقود.
وأشار عبو إلى أن تجربة البلديات بعد انتخابات سنة 2018 أفرزت بعض السلبيات ككل التجارب بعد الثورة وقبلها، ولكن لا يجب التغافل عن إنجازات بعضها وما حققته من نتائج يبدو أنه سيتم نشرها أو نشر بعضها قريبا.
وتابع: البلديات لها طبعا صلاحيات ذاتية، وصلاحيات مشتركة مع السلطة المركزية، وصلاحيات منقولة منها، كل ذلك في إطار وحدة الدولة، لكن قيس سعيّد مهووس بالسيطرة على كل السلط، لذلك فقط ينتقد البلديات، وفي النهاية سيحصل وعي لدى الشعب بأنه المسؤول الوحيد عن كل الخيبات باعتباره صاحب كل السلط، وهي خيبات حاصلة وما زالت حتما ستتسع.
وقبل أيام، قرّر الرئيس التونسي في مرسوم رئاسي حل جميع المجالس البلدية إلى حين انتخاب أخرى جديدة.
ووفق مرسوم رئاسي، تم تكليف الكتاب العامين (موظفي بلدية) بتسييرها تحت إشراف الولاة، دون تحديد موعد الانتخابات.
واستطرد عبو قائلا: بكل صراحة، لا أحد يفهم قيس سعيّد، ولا أظن أنه هو ذاته قادر على فهم ما يريد فعله. يبقى سؤال واحد: هل هو واع بالفشل الذي يقود البلاد نحوه، وإلى حجم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي ستصل إلى أقصاها، وهذا حتمي؟.
وأشار إلى أن المعارضةَ الجدية بمختلف توجهاتها ترفض بشكل عام مسار قيس سعيّد، وجزءا منها لا يرى خلاصا إلا في استقالته أو إقالته، وقيس سعيّد نفسه لا يرى نفسه محتاجا لأي حوار مع أي طرف؛ فهو يكتفي -حسب اعتقادي- بالقوى الصلبة في الدولة، وبنسبة من المواطنين تجمع بين النقمة على المنظومة السابقة، والقابلية لتصديق أي شيء بما في ذلك المشاريع الهلامية.
وحول تراجع دور وفاعلية الأحزاب التونسية، ذكر أن الشعب انتظر الكثير من الثورة، وكان ضحية مغالطات وتلاعب ووعود لم تحقق، في حين فشل الخطاب العقلاني الموجّه للشعب، وانتشر الفساد بفعل أو بحماية بعض الأحزاب، وضعفت سلطة القانون، ومن الطبيعي أن تكون النتائج الاقتصادية والاجتماعية في مناخ سيئ كهذا. ولما أخرج قيس سعيّد خطابه المعادي للأحزاب جميعها، وجد قابلية لخطابه، خاصة أن 10 سنوات من الثورة لم تكن كافية لخلق ثقافة ديمقراطية، ولا ثقافة مؤسسات، ولهذا ضعفت الأحزاب في علاقتها بجمهورها.
وواصل حديثه بالقول: صحيح أن بعض الأحزاب أضعفت نفسها بأخطائها، بل ساهمت في تجهيل جزء من المواطنين عبر آليات الدعاية التابعة لها والمُموّلة بأموال فاسدة، وأضرت بهذا بنفسها وبغيرها من الأحزاب التي لم تشاركها خطاياها، وأضرت -خاصة- بمستوى الوعي العام.
الاعتقالات تقوي الأحزاب
ولفت إلى أن حملة الاعتقالات الأخيرة طالت جل الأحزاب الفاعلة، ولا أظن أن ذلك سيضعفها، بل بالعكس سيقويها، خاصة كلما ثبت غياب جدية في التهم والطابع الكيدي لها، بل حتى القضايا الجدية المتعلقة بفساد لن يكون لها تأثير إلا على صنف من المواطنين المستعدين للقبول بأي خبر دون إعمال عقل، أما غيرهم فسيرون أن سيطرة قيس سعيّد على القضاة وتخويفهم، وهذا أمر ثابت، يُفقد كل شرعية ومصداقية لمحاكمة خصومه مهما كانت تهمهم.
وفسّر غياب الاحتجاجات الشعبية العارمة رفضا لحملة الاعتقالات الأخيرة، بقوله؛ إنه لم يسبق في تاريخ البلاد أن وُجِدَ رفض شعبي عارم لإيقافات ذات طابع سياسي، هذا عادة يكون شأن نخب ومنظمات وأحزاب وشأن عائلات الموقوفين، هذا واقعنا. ومع ذلك، هناك حالة غليان بالشارع في ظل الأوضاع الاقتصادية المزرية، لكننا لا نعلم تحديدا متى ستتحرك الجماهير لفرض التغيير.
ومنذ 11 شباط/ فبراير الماضي، بدأت السلطات التونسية حملة اعتقالات شملت سياسيين وإعلاميين ورجال أعمال من دون تهم واضحة، ما ينذر بتزايد القمع في بلد يواجه أزمة اقتصادية وسياسية منذ قرار الرئيس قيس سعيّد احتكار السلطات في العام 2021.
ولاحقا، اتهم سعيّد بعض المعتقلين مؤخرا بـ”التآمر على أمن الدولة، والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار”، على حد قوله.
انتهاكات خطيرة
وأكد عبو أن الأحزاب الجدية والأصوات المعارضة لم يقدر زين العابدين بن علي على إسكاتها، ولا أظن أن قيس سعيّد قادر على ذلك، وإن كنت لا أستبعد أن يعمد إذا سايرته أجهزة الدولة إلى توريط هذه الأجهزة وتوريط نفسه في انتهاكات خطيرة لتحقيق غايته تلك.
ولفت إلى أن سلوك قيس سعيّد في ترهيب القضاة، وفي التعامل مع الموقوفين، يشير إلى أنه قد يتحول إلى خطر رهيب على تونس وعلى نفسه، إذا أحس بأن كل القوى في الدولة تحت قبضته.
وبسؤاله عن إمكانية إجراء حوار بين المعارضة وقيس سعيّد، أجاب مؤسس حزب التيار الديمقراطي: “شخصيا، لا أرى بابا للحوار معه؛ فقد انقلب على دستور البلاد، وتوغّل إلى حدود يصعب عليه الآن الرجوع منها تلقائيا.
تصريحات شعبوية
وهاجم تصريح سعيّد بحق المهاجرين الأفارقة في تونس، قائلا: “كان تصريحا شعبويا يهدف إلى نيل إعجاب المتخوفين من وجود أفارقة من جنوب الصحراء، دون تفكير في عواقب ذلك على اختيارات تونس الاستراتيجية المتعلقة بفتح أسواق في دول أفريقيا، وتنمية مبادلاتنا مع تلك الدول التي تمر عبر تحسين علاقاتنا معها، ووضع أسس لوجودنا في أسواقها، وطبعا دون تفكير في الجوانب المتعلقة بحقوق الإنسان، وبنبذ خطاب الكراهية الذي تميز به سعيّد في الداخل قبل أن يصدّره إلى الخارج”.
فيما تحدث عبو عن أوضاع الأفارقة جنوب الصحراء في تونس، مؤكدا أن جزءا منهم يعمل بشكل قانوني، علما أن عمل الأجانب في تونس استثنائي من الناحية القانونية، وبعضهم يدرس في بلادنا ويُفترض -من الناحية البراغماتية على الأقل- أن نعمل على أن يكونوا بعد عودتهم إلى بلدانهم أصدقاء لتونس.
وأكمل: تبقى المشكلة الحرجة، هي أولئك الذين فشلوا في الوصول إلى أوروبا، فمكثوا في تونس دون إقامة قانونية، ودون تغطية صحية، وأحيانا دون سكن، والذين تعرضوا مؤخرا إلى حملات لطردهم من منازلهم المكتراة، بالإضافة إلى تهجم البعض عليهم.
وكان سعيّد قد أدلى بخطاب مثير للجدل، مؤخرا، ودعا فيه لوقف تدفق المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وشدّد على وجوب اتخاذ “إجراءات عاجلة” لوقف تدفق “جحافل المهاجرين غير النظاميين”، وما يؤدّي إليه هذا الوضع من “عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة، فضلا عن أنها مُجرّمة قانونا”، وفق قوله.
وتعاني تونس حالة انقسام واستقطاب حادة، إذ تعتبر قوى سياسية ومجتمعية الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها سعيّد “تكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).
أما سعيّد، الذي بدأ في عام 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، فقال: إن إجراءاته ضرورية وقانونية لإنقاذ الدولة من انهيار شامل.