قيس سعيد يتبنى خطاب العنصريين البيض ويستخدم المهاجرين كبش فداء لفشله
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا علقت فيه على تصريحات الرئيس التونسي العنصرية، وقالت إنها بثّت الخوف وسط المهاجرين والتونسيين الأفارقة/ السود.
وقالت كلير باركر في تقريرها، إن الرئيس التونسي قيس سعيد، أخذ هذا الأسبوع فصلا من كتاب القوميين البيض، وتبنى لغة معادية للأجانب ونظريات مؤامرة، حيث قامت حكومته بملاحقة المهاجرين من دول الصحراء الأفريقية، بشكل ترك السكان السود في تونس، بحالة من الخوف حول سلامتهم.
وأضافت الصحيفة أن سعيد الذي قوّى سلطته منذ انتخابات عام 2019، وعمل على تهميش الديمقراطية في بلاده، عُرف عنه الإيمان بنظريات المؤامرة لكي يبرر استيلاءه على السلطة. وكانت آخر النظريات، هي مزاعمه بوجود “مؤامرة يُخطط لها منذ سنوات لجلب المهاجرين من دول الصحراء الأفريقية إلى تونس لتغيير الطابع السكاني”. وقال: “هذه الموجات المتتابعة من المهاجرين غير الشرعيين” يقصد منها تغيير صورة تونس إلى البلد الأفريقي الوحيد الذي “لا يمت للدول العربية والإسلامية” بصلة، ودعا إلى “وقف هذه الظاهرة” واتهم “قطعان المهاجرين غير الشرعيين” بالإجرام والعنف.
وتعلق الصحيفة أن تعليقات سعيد تكشف عن خطة خبيثة تقف وراء الهجرة إلى البلد، معطيا مصداقية لنظرية “الاستبدال العظيم”. وقد تبنى هذه النظرية ونشرها الصحافي الفرنسي إريك زمور الذي رشح نفسه لانتخابات الرئاسة، العام الماضي. وغالبا ما أصدر زمور تعليقات معادية ومشينة ضد المسلمين في فرنسا، بمن فيهم المهاجرون من أصول تونسية.
ورحب زمور الذي يقود حزب “الاسترداد” والمعروف بسياساته المعادية للمهاجرين المسلمين، بتعليقات سعيد. وكتب تغريدة يوم الأربعاء قال فيها: بدأت دول شمال أفريقيا نفسها تدق جرس الإنذار أمام تدفق الهجرة.. وهنا، تريد تونس اتخاذ إجراءات طارئة لحماية شعبها”، متسائلا: “ماذا ننتظر حتى نقاتل ضد الاستبدال العظيم؟.
وبالتزامن مع الحملة الواسعة ضد المهاجرين، فإن الخطاب الصادر من القصر الرئاسي في الدولة ذات الغالبية العربية، أثار مخاوف بين التونسيين السود والمهاجرين على حد سواء من توسع العنف والاعتقال التعسفي في بلد يسيطر فيه الرئيس على السلطة القضائية. وبلغ عدد المهاجرين من دول الصحراء الذين يعيشون في تونس عام 2021 حوالي حوالي 21 ألف مهاجر. وجاء الكثير من أبناء الدول هذه إلى تونس بطريقة شرعية للدراسة والعمل.
تقع تونس على البحر المتوسط، وهي قريبة من أوروبا، وطالما اختارها المهاجرون الباحثون عن ركوب القوارب المتهالكة كي تنقلهم إلى أوروبا. وهناك حوالي 9 آلاف مهاجر وطالب لجوء سياسي في تونس حسب الإحصائيات المسجلة من مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر 2022. وجاء هؤلاء من دول مثل إريتريا والسودان والصومال، حيث يمر الكثير منهم عبر ليبيا التي تنتشر فيها الانتهاكات الجسدية والجنسية للمهاجرين. وواجه اللاجئون غير الشرعيين تمييزا وبطالة وتعرضوا للاعتقال والاستغلال ويعيشون في أوضاع غير آمنة.
وفي رسالة وقّعتها عدة منظمات حقوقية الأسبوع الماضي، اتهمت السلطات التونسية باعتقال مئات اللاجئين، وخرق حقوق من توقفوا عند حدود البلد. واتهمت المنظمات، الحكومةَ التونسية بالتخلي عن التزاماتها بناء على القانون الدولي وتوفير الحماية وحقوق الإنسان للاجئين.
وجاء في الرسالة: في نفس الوقت، صمّت الدولة التونسية آذانها لخطاب الكراهية والعنصرية المتزايد على منصات التواصل الاجتماعي وفي وسائل إعلام بعينها، واستهدف المهاجرين من دول الصحراء الأفريقية”. وأضاف الموقعون على الرسالة: “هذا الخطاب العنصري والداعي للكراهية تنشره أحزاب سياسية بعينها وتقوم بخبطات إعلامية على الأرض وبتسهيل من السلطات الجهوية.
وعبّر المجلس التونسي- الأفريقي عن “قلقه العظيم” يوم الخميس. ونشرت جمعية للطلاب والمصالح النيجيرية في تونس، بيانا حثت فيه الأعضاء على حمل وثائق هوية دائما وتجنب التجوال في أحياء مدن تونسية معينة، وعدم الخروج من بيوتهم إلا للضرورة وعدم السهر في الليل أو استخدام النقليات العامة.
وفي منشور على منصات التواصل الاجتماعي، شجب طالب ماجستير من ساحل العاج، الجامعاتِ التونسية لعدم توفير الحماية لطلابها. ودعا عدد من طلاب ساحل العاج، سفارة بلادهم في تونس لإعادتهم إلى بلدهم. وفي بيان مشترك لعدة منظمات حقوق الإنسان تونسية، قالت فيه إن تعليقات سعيد عبرت عن معاداة لقيم الإنسانية والتسامح التي طالما تفاخرت بها الدولة التونسية.
وظلت الجمهورية تعرّف نفسها بالدولة الأفريقية لأنها “ظلت وستظل مكان التقاء للحضارات والأعراق والأديان”. وطالب البيان الصادر يوم الخميس، سعيد بالاعتذار. ودعت منظمات حقوق الإنسان لاحتجاج مساء يوم السبت. وكتب ناشطون تونسيون على منصات التواصل الاجتماعي منشورات عرضوا فيها مساعدة المهاجرين الأفارقة، وأصدر الفريق الوطني لكرة القدم زياً بتميمات أفريقية.
وزاد الخطاب المعادي للمهاجرين من مخاوف التونسيين السود، الذين يشكلون نسبة ما بين 10-15 بالمئة من السكان البالغ عددهم 12 مليون نسمة. وتعود أصول الكثيرين منهم إلى الرقيق الذين جُلبوا لتونس قبل إلغاء العبودية هناك في 1846، ويعانون حتى الآن من التمييز في المجتمع التونسي. وفي تغريدة على تويتر، شاركت المحللة التونسية السوداء والمقيمة في تورنتو، هدى مزيودات، شهادات تونسيين من أصول أفريقية، حول بوّاب يخشى استخدام النقليات العامة، وعائلة تونسية سوداء تعرضت لاستهداف الشرطة لها في جنازة.
وعانت المحللة نفسها من العنصرية بطريقة مباشرة، وقالت إن تعليقات سعيد عبرت عن “أكثر الأفكار بدائية وعنصرية وتحيزا عن التونسيين السود” والمنتشرة بين التونسيين غير السود. وعبّرت عن قلقها من سياسات الحكومة التي تقمع حرية الرأي، ومنعها من التونسيين السود والأفارقة من دول الصحراء من مشاركة تجاربهم في التمييز والملاحقة على وسائل التواصل.
وقبل انتخابه، أقرت تونس في عام 2018 قانونا يجرم العنصرية، وطالما عبر سعيد عن اعتزازه بالهوية الأفريقية. ويعتقد المحللون أن سعيد الذي يواجه أزمة اقتصادية مستعصية ومعارضة متزايدة، وجد في الأفارقة كبش فداء سهلا، لتحميلهم مسؤولية مشاكل البلاد. وجاء هجومه على المهاجرين غير الشرعيين وسط الملاحقات والقمع للمعارضين خلال الأسابيع الماضية، مما أثار قلق وزارة الخارجية الأمريكية.