شراء اللحمة في مصر بالتقسيط وبإيصال أمانة
أرقام كبيرة وصل لها سعر كيلو اللحوم الحمراء في الأسواق المصرية، لامست مبلغ الـ300 جنيه (الدولار 30.43 جنيه) في بعض المناطق الراقية، ما دفع ملايين الفقراء من المصريين للبحث عن بدائل، أولها المقاطعة وآخرها الشراء بالآجل والدين وتوقيع إيصالات أمانة.
أسعار اللحوم البلدي في السوق، سجلت للحم الكندوز 200- 220 جنيه، بينما بلغ سعر كيلو الضأن بين 190 و240 جنيها، فيما حقق كيلو اللحم الجملي 160 و200 جنيه، بحسب رصد صحيفة الأهرام الحكومية، الأحد.
وسجل سعر الكبدة 200- 250 جنيها للكيلو، ووصل اللحم المفروم العادي إلى 200- 240 جنيها للكيلو، بينما سجل البتلو بين 200 و 240 جنيها للكيلو.
وتستورد مصر ما بين 40 و50 بالمئة من استهلاكها من اللحوم، بنحو 1.2 مليون طن سنويا، والنسبة المتبقية من اللحوم البلدية، بحسب وزارة التموين المصرية.
أزمة الدولار
وسجل التضخم في مصر أعلى مستوى بـ5 سنوات في كانون الثاني/ يناير، مع الارتفاع القياسي لأسعار المواد الغذائية بفعل تراجع قيمة الجنيه لنحو 90 بالمئة من قيمته أمام الدولار خلال نحو عام.
وكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الخميس الماضي، أن التضخم السنوي في المدن قفز إلى 25.8 بالمئة، فيما جاءت نسب ارتفاع مجموعة اللحوم والدواجن نحو 20.6 بالمئة.
الحاج عبدالله الجزار، قال: منذ مطلع العام تزيد أسعار اللحوم بمعدل أسبوعي بنحو ما بين 10 و20 جنيها، مبينا أنه كان يبيع اللحم الجملي بـ140 جنيها مع نهاية العام الماضي، لتصل اليوم ما بين 180 و200 جنيه.
وأكد أن الأزمة غير مصطنعة ولها جانبان، الأول: ارتفاع سعر المستورد من اللحوم والماشية والجمال، والثاني: غلاء سعر غذاء الحيوانات بسب نقص المعروض من الأعلاف والذرة وغيرها، وكلاهما بفعل ضعف قيمة الجنيه مقابل الدولار.
الشراء بالدين
وفي ظل إحجام بعض المصريين عن شراء اللحوم، وعجز نسبة ليست بالقليلة عن الشراء، قرر بعض التجار بيع اللحوم للأهالي بالتقسيط، مقابل دفع مبلغ مالي كمقدم يصل لـ50 جنيها وسداد الباقي بالتقسيط، بواقع 20 جنيها كل أسبوع مقابل توقيع إيصال أمانة للجزار.
هذا ما لخصه مقطع فيديو مثير للجدل زادت معه تفاعلات المصريين الغاضبة من سياسات رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، والساخرة منه أيضا، روجه أحد الجزارين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بمدينة دمياط إحدى مدن دلتا النيل.
المقابل السجن
العديد من النساء المصريات الريفيات، أكدن رفضهن لفكرة تقسيط سعر اللحوم، مشددات على أنهن لن يأكلن بالدين، ولن يضعن أنفسهن في السجن مقابل وجبة لحوم.
في حديث بعضهن أوضحن أن ميزانية أي أسرة لا تتحمل دفع أقساط أسبوعية مع فواتير الكهرباء والمياه والغاز الشهرية، وتكاليف تعليم الأبناء والعلاج والملابس، وأزمات الطعام اليومية.
وقلن، إن شراء اللحوم بالنسبة لهن كان يجري بشكل منتظم مرة كل أسبوع، بحسب سوق القرية الأسبوعي، ولكن هذا توقف مع ارتفاع سعر اللحوم الجملي المفضلة لديهم إلى ما بين 180 إلى 200 جنيه، ارتفاعا من 100 و120 جنيها قبل نحو عام.
ولفتن إلى حرصهن على الشراء على الأقل مرتين في الشهر، وتعويض النقص بالدواجن البيضاء، مؤكدات أن المقاطعة أصبحت إجبارية وليست خيارا يملكنه، وأن التي كانت تشتري 2 كيلو أو كيلو ونصف لأسرة من 6 أفراد أصبحت تكتفي بكيلو واحد.
وأوضحن أن كثيرات تجتمعن مع جيرانهن وأقاربهن على شراء بعض العجول أو الجمال وذبحها خاصة في عيد الأضحى، ووضعها في ثلاجات تكفيهن عدة شهور، ما يمثل سعرا منخفضا عن سعر الجزار بنحو الثلث، تقريبا.
لكنهن أوضحن أنه مع ارتفاع أسعار الأسماك والدواجن والبيض قلّت البدائل لديهن، ولا يعرفن إلى متى سيظل الحال السيء، معربات عن مخاوفهن الكبيرة من المستقبل.
رفاهية انتهت
وفي رؤيتها قالت سيدة قاهرية، إنها منذ عام تقريبا لا تشتري اللحوم من المدينة، وتعتمد على شرائها من الريف الأقل سعرا بشكل لافت عن العاصمة وغيرها من المدن، موضحة أن كثيرا من الرفاهية السابقة لم نعد نقدر عليها.
وأكدت أن معاناة أهل القاهرة أكبر بكثير لارتفاع السعر عن الأقاليم، والأسعار بالمناطق الراقية أكثر من الأحياء الشعبية، مبينة أن بعض أهالي الأحياء الفقيرة يبحثون عن مكان الأفراح ليحصلوا من أصحابها بالفعل على وجبة لحوم لا يقدرون على شرائها.
وأكد مواطنون، أنه من تبعات أزمة غلاء اللحوم، تحولت الأفراح المصرية بالمدن والريف على قلتها الآن إلى فرصة للكثير من الفقراء الذين يتجمعون للحصول على قطعة لحم، مع قطع من الكفتة، وبعض الأرز، والمعجنات.
حيل وبدائل
وفي رصد لبعض طرق تكيف المصريين مع أزمة ارتفاع أسعار اللحوم التاريخية، تأتي المقاطعة على رأس الدعوات، ثم تقليل الكميات، إلى جانب دعوة بعض المسيحيين للمسلمين في مصر للصوم عن اللحوم مدة 50 يوما كصومهم السنوي.
ثم يأتي خيار البحث عن البدائل باللحوم البيضاء كالدجاج والسمك وهي غالية الثمن أيضا، ثم المشاركة الجماعية في شراء العجول والجمال وذبحها وتقسيمها بين المشتركين، ولجوء الفقراء إلى الأفراح للحصول على وجبة لحوم، وكذلك الشراء بالتقسيط الوارد الجديد، وغيرها من الأمور.
صاحب مطعم، ومشويات في شارع منية السيرج بمنطقة شبرا مصر بالقاهرة، بسؤاله عن البدائل أمام المصريين التي يطلبونها منه، أكد أن “الناس في السابق كانت تبحث عن الأفضل ولو كان غاليا، واليوم يبحثون عن الأرخص ولو كان ضارا”.
وعما أثير عن فرم بعض المحلات ورق كراتين البيض مع اللحوم لصناعة رغيف الحواوشي الأكلة الشعبية الأرخص في المناطق الشعبية والفقيرة، قال: للأسف حقيقة مؤلمة حدثت وتحدث، ويصل الأمر لذبح الكلاب والحمير، والناس تأكل وتدفع أغلى الأسعار.
وأكد أن سعر رغيف الحواوشي كان 5 جنيهات، ثم مع بداية العام الماضي تعدى الـ10 جنيهات ووصل في نهاية العام لأكثر من 20 جنيها، مبينا أن نسبة اللحوم فيه قليلة بالطبع، وتكون من لحوم الرأس، والباقي يكون عبارة عن بصل وتوابل.
أشد الأزمات
وفي تقديره لحجم أزمة البروتين واللحوم الحمراء والبيضاء والبيض في مصر، قال مستشار وزير التموين المصري الأسبق، الدكتور عبد التواب بركات: يعاني المواطن من أزمات معيشية متكررة منذ سنة 2014.
وأكد أن من هذه الأزمات، ارتفاع أسعار الأغذية، والأدوية، وتكاليف العلاج، والبطالة، وزيادة تكاليف فاتورة الكهرباء، ومياه الشرب، وغاز الطهي المنزلي وأنابيب البوتاجاز، وزيادة أسعار وقود السيارات، وتعريفة النقل العام والمواصلات ومترو الأنفاق.
الاستاذ المساعد بمركز البحوث الزراعية بالقاهرة، استدرك قائلا: لكن ارتفاع أسعار الغذاء أشد الأزمات التي تواجه المواطن في مصر، إذ تدرجت بين ارتفاع أسعار السلع الأساسية بوقت مبكر من حكم السيسي.
ولفت إلى سلع كالأرز الذي زاد سعره من 4 جنيهات إلى 22 جنيه للكيلو، والسكر الذي زاد سعره من 3.75 جنيه إلى 25 جنيها في إحدى أزماته المتكررة، وزيت الطعام الذي زاد سعره من 8 جنيهات إلى 75 جنيها للتر.
وكذلك اللحوم التي زاد سعرها من 55 جنيها إلى 220 جنيها، والأسماك والدواجن، والبيض الذي زاد سعره من 30 جنيها للكرتونة حتى تخطى الـ100 جنيه مؤخرا.
وأضاف: غيرها من الأغذية التي زاد سعرها إلى معدلات تفوق قدرة الأسرة المالية، إلى اختفاء السلع بصورة شبه تامة من الأسواق ومن منظومة البطاقات التموينية لعدة شهور، وفي بعض المحافظات خاصة محافظات الصعيد، مثل أزمة السكر وزيت الطعام والأرز واللحوم والدواجن والبيض وغيرها من السلع الغذائية.
الأكاديمي المصري، أكد أنه في المقابل “وأمام تراجع المخزون الاستراتيجي من السلع، قررت وزارة التموين تخفيض مقررات الفرد من الأرز في منظومة البطاقات التموينية من 8 كيلو للأسرة التي يبلغ عدد أفرادها أربعة أفراد وبسعر جنيه ونصف للكيلو، إلى كيلو واحد فقط، وبسعر 10.5 للكيلو غرام”.
عوائد الجيش
وبشأن دعوة شراء اللحوم بالتقسيط، قال إن “رأس النظام يروج لمقاطعة السلع من حين لآخر لإلقاء اللوم على التجار، ولفت النظر عن سياساته الاقتصادية الفاشلة، وقال أكثر من مرة: (السلعة اللي يزيد سعرها ما تشتروهاش).
وأضاف: كذلك يطلق الإعلام الموالي للنظام حملات مقاطعة منظمة وممنهجة للسلع المحلية على وجه الخصوص، مثل حملة بلاها لحمة، بلاها فراخ، وخليها تعفن، وغيرها.
وأوضح أنه في المقابل، “لم توجه حملة مقاطعة واحدة طوال سنوات حكم الجنرال السيسي للحوم المجمدة أو الدواجن المجمدة، لأن الشركات التابعة للجيش هي التي تقوم باستيراد هذه السلع”.
أسباب الأزمة
وفي تقدير بركات، فإن “السبب الرئيس لأزمة الغذاء في مصر ترجع لتعمد السيسي إهدار فرص الاكتفاء الذاتي من الإنتاج المحلي، وإلغاء دعم المزارعين وإفقارهم”.
وأكد أنه إن “لم يتراجع النظام عن هذه السياسة ويدعم مشاريع الإنتاج المحلي ويعالج مشكلة البطالة لتحسين دخل المواطن وزيادة القوة الشرائية اللازمة لدوران عجلة الاقتصاد المصري فسوف تزيد أزمة الغذاء وترتفع الأسعار وتختفي السلع الغذائية من الأسواق”.
ولا يستبعد أن “تتسبب أزمات الغذاء المتزامنة من سياسة القمع وبطش القبضة الأمنية بحريات المواطنين في اندلاع احتجاجات شعبية تهدد نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي وقد تسقطه كما حدث في ثورة يناير”.
عجز وشكوى
ورغم تفاقم الأزمة واستمرارها، إلا أن ما تعرضه الحكومة المصرية بمنافذ وزارة الزراعة وعبر معارض “أهلا رمضان” يراه مصريون غير مناسب لدخلهم الشهري حيث يتم بيع كيلو اللحوم بـ190 جنيها، ويبلغ الحد الأدنى للأجور 2700 جنيه.
أصحاب مستويات مرتفعة من الدخل من المصريين اشتكوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أسعار اللحوم، بينهم السفير السابق فوزي العشماوي، الذي أكد عبر صفحته بـ”فيسبوك”، أن كيلو اللحمة بلغ 326 جنيها.
وفي رصد للصحفي محمد جمال عرفة، بـ”فيسبوك”، كشف أن “المحال الكبرى مثل كارفور، ومترو، وألفا ماركت، وسعودي، تبيع كيلو اللحمة بـ300 جنيه، ومحال الأحياء الشعبية تبيعها بـ240 جنيها، والقليل يبيعها بـ200 جنيه”، ناقلا عن جزارين أن السعر سيرتفع لـ350 جنيها للكيلو بشهر رمضان.
وعبر صفحته بـ”فيسبوك”، عبًر الكاتب محمد يوسف عن حجم الأزمة، عاقدا مقارنة بين أسعار اللحوم قبل 12 عاما وحالها اليوم.
الرد ساخر
المصريون قبل 46 عاما وتحديدا في ما عرف بانتفاضة يوم 18 و19 كانون الثاني/ يناير 1977، تظاهروا ضد ارتفاع أسعار اللحوم، وهتفوا باسم رئيس وزراء مصر قائلين: “سيد مرعي يا سيد بيه، كيلو اللحمة بقى بجنيه”، لكنهم اليوم يواجهون أزمتهم بالسخرية.