سفير فرنسي سابق في الجزائر يتوقع انهيار النظام في الجزائر ومعه الجمهورية الخامسة
واصل السفير الفرنسي السابق في الجزائر اكزافييه دريانكور، تحليلاته المثيرة للجدل حول الوضع في الجزائر وتأثيره على الداخل الفرنسي، متوقعا هذه المرة انهيار النظام الجزائري وانعكاس ذلك على فرنسا بسقوط الجمهورية الخامسة.
وفي مقال له بجريدة لوفيغارو اليمينية الفرنسية، أطلق السفير السابق أوصافا حادة على النظام الجزائري ونقدا شديدا لطريقة تعامل سلطات بلاده مع نظيرتها الجزائرية، وهو ما اعتبره إنكارا للواقع واستسلاما أمام النظام الجزائري، على حد قوله.
وذكر دريانكور أن جميع المراقبين الموضوعيين يلاحظون أنه منذ عام 2020، ربما بعد أسابيع قليلة من الأمل، أظهر النظام الجزائري وجهه الحقيقي، فهو، حسبه، نظام عسكري، مدرّب على أساليب الاتحاد السوفييتي السابق، بواجهة مدنية فاسدة، مثل سابقه الذي أسقطه الحراك، مهووس بالحفاظ على امتيازاته، وريعها، وغير مبال بمحنة الشعب الجزائري.
واعتبر أن جائحة كوفيد ثم الحرب في أوكرانيا سمحتا للنظام ببدء التطهير السياسي، إذ كُمّمت، حسبه، أفواه الصحافيين، واعتقلوا، أو حرموا من جوازات سفرهم، كما أغلقت صحف، مثل ليبرتي ووضعت “الوطن” تحت الوصاية. وفي الأيام الأخيرة، أتى الدور على راديو أم الذي اعتُقل مديره إحسان القاضي، ثم موقع ألجيري بارت لاتهامه بتلقي أموال من الخارج لنشر أخبار كاذبة من أجل “زعزعة استقرار البلاد”. علاوة على ذلك، تم حل جمعيات مثل “كاريتاس”، التي أسستها الكنيسة الكاثوليكية قبل عام 1962، واتُهم البعض الآخر بتلقي أموال من الخارج.
وأبرز دريانكور أن الخطاب المناهض للفرنسيين، الذي كان انتهازيا، وأحيانا ساذجا، في عهد بوتفليقة، هو اليوم في صلب النظام في عهد عبد المجيد تبون، والذي تكمن قوته في جعل العالم يعتقد أن الجزائر ربما ليست ديمقراطية على النمط الغربي، لكنها تتحرك، وفقا لوسائلها الخاصة، نحو نظام استبدادي قليلا، وبوليسي بشكل لطيف، ولكن دون أن يكون ديكتاتورياً على الإطلاق.
وذهب السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر إلى أن بلاده تغض البصر عن الواقع الجزائري عن قصد أو انتهازية وعمى، إذ يتم في باريس التظاهر بالاعتقاد أن السلطة الجزائرية شرعية، إن لم تكن ديمقراطية، وأن الخطاب المعادي للفرنسيين شر ضروري ولكنه عابر، وأن الديمقراطية هي تدريب يستغرق وقتا، بينما هذا العمى الفرنسي، حسبه، هو خطأ تاريخي، فالاعتقاد أنه بالذهاب إلى الجزائر والرضوخ للجزائريين في ما يتعلق بملفات كالذاكرة والتأشيرات، ستكسب فرنسا نقاطا دبلوماسية، وتجر الجزائر نحو المزيد من التعاون، هو مجرد وهم وأكذوبة، على حد قوله.
واستغرب سفير باريس السابق عدم تمسك حكومة بلاده بخط الحزم الوحيد الذي تفهمه الجزائر، وهو ميزان القوة بدلاً من اللاواقعية أو السذاجة، مشيرا إلى قضية التأشيرات التي يعتبر حكومته متساهلة فيها، إذ إن 45 مليون جزائري لديهم هاجس واحد فقط، حسب زعمه، هو المغادرة والفرار. وأضاف: الذهاب إلى أين؟ إن لم يكن إلى فرنسا، حيث لكل جزائري عائلة. ويتقدم عدد لا يحصى من الأشخاص اليوم للحصول على تأشيرة لغرض وحيد هو القيام برحلة في اتجاه واحد، أي البقاء بطريقة أو بأخرى في فرنسا.
وخلص دريانكور إلى أن فرنسا تواجه مفارقة مزدوجة، فمن ناحية، التحالف بين جيش مناهض لفرنسا والإسلاميين حيث يشترك الاثنان في كراهية فرنسا، والإرادة القوية للقضاء على بقايا الاستعمار لغويا وثقافيا، مع جعل فرنسا تدفع ثمن ماضيها الاستعماري، من خلال الهجرة والاعتذار. والمفارقة الثانية هي أنه بعد 60 عاماً من استقلال الجزائر، ما زالت مشكلة اتفاقات إيفيان تراوح مكانها، في إشارة إلى الامتيازات التي يحصل عليها الجزائريون في فرنسا.
وحذر السفير السابق من أن الجزائر ستبقى مشكلة بالنسبة لفرنسا، فهي تنهار، لكنها قد تجرّ باريس معها حسبه. وختم بأن الجمهورية الرابعة (أطاح بها ديغول سنة 1958) ماتت في الجزائر، فهل تستسلم الجمهورية الفرنسية الخامسة بسبب الجزائر؟.
ولاقى النص الذي كتبه دريانكور، بعض التفاعل في الجزائر، بسبب نبرة الخطاب التي استعملها والتي توحي بالاستعلائية والرغبة في تحديد مصير الجزائر وفق النظرة الفرنسية اليمينية التي ما تزال ترى البلاد بعقدة استعمارية تاريخية.
وقال الصحافي والمحلل السياسي عابد شارف إن هذا النص يدعو للتأمل من حيث كونه يكشف كيف ترى فرنسا الرسمية الجزائر، ويكشف اختلاف المواقف الفرنسية منها، ويشرح كيف حاولت الدبلوماسية الفرنسية إدارة الحراك، ويظهر أن فرنسا لا تزال تعتبر الجزائر قضية داخلية.
واعتبر شارف، في تحليل له نشره على فيسبوك، أن مقاربة السلطة الجزائرية الحالية قد لا تكون الأحسن، لكنها تبقى ضمن منطلقات وطنية، تعتبرها بالضرورة فرنسا التقليدية معادية لها. وأبرز أن الجزائر وصلت إلى عتبة ديموغرافية، اقتصادية، جغرافية، جيوسياسية تجعلها قطباً جديداً، وهو ما يعطيها دور الشريك وليس دور التابع أو المناول في المنطقة.
واعتبر الصحافي أن تحليل دريانكور لا يزال غارقا في القرن العشرين، وهي النظرة التي تسببت حسبه في طرد فرنسا من مالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى وتجعلها تفقد المزيد من مساحات النفوذ في أفريقيا خلال العقد المقبل.
وكان الرئيس الجزائري تبون في حواره الأخير مع صحيفة لوفيغارو نفسها، قد ذكر أن علاقاته مع ماكرون، يسودها التفاهم معتبرا أنه يرى في الرئيس الفرنسي تجسيدا لجيل جديد يمكنه تطوير العلاقات بين البلدين. واعتبر أن هذا الواقع كان في السابق أقل مما ينبغي، بسبب وجود أقلية نشطة في فرنسا، وهي إشارة فهمها البعض على أن المقصود بها القوى التقليدية النافذة في المؤسسات الفرنسية والمتأثرة عموما بنظرة اليمين الاستعمارية.
ويقدم دريانكور في الإعلام الفرنسي على أنه واحد من أكثر العارفين بخبايا هذه العلاقات، فقد كان سفيرا في فترتين بالجزائر من 2008 إلى 2012، حيث كان التوتر هو السائد في رئاسة نيكولا ساركوزي لفرنسا، ومن 2017 إلى 2020 بعد وصول إيمانويل ماكرون للرئاسة، ومما زاد في طلب خبرته نشره مؤخرا كتابا بعنوان “اللغز الجزائري” يرصد فيه يومياته في الجزائر، التي قال إن الاشتغال بها سفيرا له خاصية فريدة، لأن عليك أن تُسير الماضي وتفكر في المستقبل في الوقت ذاته.
لكن فترة السفير الفرنسي الأخيرة في الجزائر كانت مليئة بالمطبات والتهميش، وهو ما يكون سببا وفق بعض القراءات في محاولته الانتقام على طريقته، فتحول في ظرف وجيز إلى أكثر أعداء الهجرة الجزائرية في فرنسا، وطالب خلال السنة الأخيرة في عدة مناسبات بإلغاء اتفاقية 1968، التي تعطي بعض الامتيازات للمهاجرين الجزائريين، واعتبر أن السلاح الوحيد لفرنسا في مواجهتها للجزائر هو التلويح بوقف التأشيرات.
وخلال بداية فترة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، استدعي السفير دريانكور سنة 2020 مرتين من قبل الخارجية الجزائرية لتبليغه احتجاجها. وكانت المرة الأولى، عقب نشر قيادة الجيش الفرنسي على حسابها على موقع تويتر، صورة جندي فرنسي وهو يثبت على جذع شجرة اتجاهات أسهم أحدها مصوب نحو الجزائر، مرسوم عليه علم البلاد مصحوبا برمزها “دي زاد”، وعلم آخر يرمز ثقافيا إلى منطقة القبائل مكتوب أمامه تيزي وزو، في إيحاء خطير يشير إلى أن تيزي وزو كيان منفصل عن الجزائر. كما سبق له أيضا أن استدعي، بعد استضافة القناة الفرنسية “فرانس 24″، لمحلل ادعى أن المساعدات الصينية التي وصلت الجزائر لمواجهة فيروس كورونا قد تم توجيهها لمستشفى عسكري بدل المناطق المتضررة.