اختفاء السلع وانفلات الأسعار في مصر بعد خفض الجنيه
انعكس تراجع سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، للمرة الثالثة خلال أقل من عام، بشكل سلبي على السلع في الأسواق؛ ما أدى إلى قفزات مرتفعة في الأسعار من ناحية، واختفاء بعض السلع من ناحية أخرى.
وهوى الجنيه المصري بشكل حاد بعد قيام البنك المركزي المصري بخفض قيمته نهاية الأسبوع الجاري للمرة الثالثة منذ آذار/ مارس الماضي، وفقد نحو 74% من قيمته أمام العملات الأجنبية، وخلال يومي الأربعاء والخميس فقد 10% من قيمته.
وتشير التوقعات إلى أن الطريق ممهد أمام الجنيه للهبوط إلى مستويات تاريخية جديدة، ليقترب من سعر السوق السوداء التي هيمنت بقوة على أداء الجنيه منذ قرار خفض الجنيه للمرة الأولى منذ عام 2016، في أعقاب هروب الأموال الساخنة من السوق المصري.
وتخطى سعر صرف الجنيه المصري في التعاملات الرسمية بالبنوك حاجز الـ 27.25 جنيها للدولار الواحد، وهو أدنى مستوى له على الإطلاق في السوق الرسمية، فيما تخطى سعره في بعض معاملات السوق الموازية “السوق السوداء” حاجز الـ40 جنيها للدولار الواحد.
وفي محاولة لمواجهة معدلات التضخم، أعلن أكبر بنكين حكوميين في مصر (الأهلي ومصر) عن طرح شهادات ادخار جديدة بأجل عام، بفوائد تصل إلى 25 بالمئة سنويا.
وشهادات الادخار، عبارة عن سندات بعائد سنوي تحدده البنوك، وتهدف من خلالها إلى مساعدة البنك المركزي بسحب جزء من السيولة من الأسواق لكبح جماح التضخم.
وقفز معدل التضخم السنوي في مصر إلى 19.2 بالمئة خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، من 16.3 بالمئة في تشرين الأول/ أكتوبر السابق له، وهو أعلى مستوى له منذ خمس سنوات.
واختفى العديد من السلع، سواء من صفحات المتاجر الكبيرة على الإنترنت، أو من منافذها في الأسواق الكبيرة بعد قرار المركزي المصري خفض قيمة الجنيه، واشتكى مواطنون من اختفاء طلباتهم على مواقع تلك الشركات أو زيادة أسعارها بشكل مفاجئ.
وقال أحد المشترين “إنه قام بإضافة شاشة تلفزيونية وغسالة أوتوماتيك من موقع أحد المتاجر على الإنترنت على حسابه بالموقع من أجل شرائهما صباح يوم الخفض الجديد للجنيه، لكنه تفاجأ أن أحد المنتجين تم حذفه من الموقع والثاني تم حذفه لاحقا، ولكنه تمكن من حجزه”.
وأضاف: لقد ظفرت بشاشة كبيرة بالقسط بدون فوائد في الوقت الضائع وضاعت مني الغسالة، ولو كنت أعرف ما سوف يحصل لبادرت بحجزها وشرائها، ما يجري يجعل المرء لا يثق في أي شيء في هذه الظروف المتقلبة.
وزادت أسعار الكثير من السلع الغذائية، بداية من الحبوب والبقوليات والأرز والدقيق، وحتى الألبان والزبادي والزيوت والسمن بأنواعها إلى جانب اللحوم الحمراء التي ارتفعت بنحو 10% واللحوم البيضاء والأسماك، وسجلت أسعار الدجاج زيادة قدرها 100% مقارنة بأسعارها في كانون الثاني/ يناير الماضي.
وتوقع عضو شعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة، أحمد شيحة، “حدوث قفزة جديدة في أسعار السلع، ومرحلة جديدة من الغلاء بعد خفض قيمة الجنيه، مع استمرار الخفض إلى مستويات غير معلومة، ما يجعل استقرار الأسعار أمرا في غاية الصعوبة، إن لم يكن مستحيلا خلال الفترة المقبلة”.
وانتقد طرح شهادات بعائد يصل إلى 25% لأنها سوف تزيد من أعباء التكلفة على المصنعين والمنتجين عند الاقتراض، وسوف تزيد من سعر المنتج النهائي، ومن ثم سوف ترتفع الأسعار مجددا، والمتضرر في كل ما يجري هو المواطن، الذي يتحمل أعباء كل هذه التقلبات والقفزات في الأسعار في كل شيء.
وهاجم شيحة أولئك الذين يدعون المواطنين إلى ترشيد الاستهلاك، وقال: هل على المواطن أن يمتنع عن الأكل إذا كانت المواد الغذائية الأولية ارتفعت بشكل غير مسبوق مثل العدس والفول والبيض والدجاج والزيت، ماذا سوف يأكل؟ على الذين يلوكون هذه الكلمة أن يكفوا عن الاستخفاف بأوضاع الناس؛ لأنهم يعلمون الحقيقة، والحديث عن الترشيد في بلد يعاني الغلاء وتدني الأجور، هو ضرب من الجنون؛ هناك من يأكل وجبة واحدة في اليوم.
وأكد شيحة أن أزمة ارتفاع الدولار مفتعلة، ومصر بها من الموارد الدولارية ما يكفي احتياجاتها لاستيراد ما يلزم من سلع ومواد، لكن هناك من يضارب على الدولار للإضرار بالاقتصاد الوطني، وهناك من يتآمر على الاقتصاد المصري من خلال شركات متعددة الجنسية في الداخل والخارج.
وتحريك سعر صرف الجنيه في السوق المصرية، كان أحد المطالب الرئيسية لصندوق النقد الدولي في برنامج قرض مع مصر، بقيمة 3 مليارات دولار تمت الموافقة عليه في 16 كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
والشهر الماضي، قررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري، رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 300 نقطة أساس.
وقالت وكالة “بلومبيرغ”؛ إن شركات مصرية لجأت إلى تخفيض العمالة والإنتاج، في الوقت الذي تكافح فيه لتفادي تأثير الانخفاض الكبير في قيمة العملة الذي ساعد السلطات في إبرام صفقة مع صندوق النقد الدولي.
ولفتت إلى أن الشركات نقلت نسبة أكبر من نفقاتها إلى المستهليكن، وأن المخاوف بشأن التكاليف دفعتهم إلى خفض أعداد الموظفين، واستنفاد مخزونات المدخلات في كانون الأول/ ديسمبر، ما أدى إلى زيادة إضافية في الأعمال المتراكمة.