محكمة الجنايات الجزائرية تصدر حكم الإعدام لـ49 متهما في قضية قتل جمال بن إسماعيل
أنزلت محكمة الجنايات الابتدائية في العاصمة الجزائرية، عقوبة الإعدام بحق 49 متهما في جريمة القتل الجماعي للفنان جمال بن إسماعيل، الذي ذهب للمساعدة على إخماد الحرائق في منطقة “الأربعاء ناث إيراثن” بولاية تيزي وزو، وعاد منها جثة محترقة.
وصدر الحكم المنتظر بقوة في الجزائر، اليوم الخميس، بإدانة 49 متهما موقوفا بالإعدام، في حين أُدين 15 متهما موقوفا بـ10 سنوات سجنا نافذا، و100 ألف دينار جزائري غرامة مالية، كما أدين أيضا 7 متهمين غير موقوفين بأحكام تراوحت بين 3 و10 سنوات سجنا نافذا، مع إيداع اثنين الحبس في الجلسة. وبالنسبة للمتابعين بجُنح، قضت المحكمة بتبرئة ساحة 17 متهما غير موقوف من التهم المنسوبة إليهم.
وكانت النيابة قد التمست قبل أسبوع، تسليط عقوبة الإعدام على 74 شخصا متهما في الجريمة و10 سنوات سجنا نافذا في حق 23 متهما آخر، مستندة على اعترافات المتهمين خلال التحقيق والفيديوهات التي توثّق تفاصيل الجريمة، وتظهر الأشخاص المتورطين في قتل جمال بن سماعيل والتنكيل بجثته وحرقها، وإصدار هتافات عنصرية خلال عملية القتل.
ويعد الحكم على 49 متهما بالإعدام في قضية واحدة، سابقة في تاريخ القضاء الجزائري، وفق ما تحدثت مصادر قانونية لـ”القدس العربي”، علما أن عقوبة الإعدام في الجزائر معلقة التنفيذ منذ 30 سنة، إذ يتم النطق بها في عدد من الجرائم دون تطبيقها، ما يجعل المدانين بها في خانة المحكوم عليهم بالمؤبد.
ولا تنوي الجزائر، وفق ما صرح به مؤخرا وزير العدل رشيد طبي، العودة عن تعليق تنفيذ عقوبة الإعدام، كونها أخذت على عاتقها التزامات دولية بهذا الصدد، بينما لا تزال في كل مرة منظمات غير حكومية دولية أبرزها “أمنستي إنترناسيونال”، تضغط من أجل إلغاء نهائي لهذه العقوبة في الجزائر.
وتوبع في هذه القضية 116 متهما، 102 منهم كانوا حاضرين، بينما يوجد 14 في حالة فرار. ومن بين المتهمين، 95 كانوا رهن السجن المؤقت بينهم 4 نساء موقوفات، و7 متهمين تحت نظام الرقابة القضائية. كما تأسس في القضية عشرات أفراد الشرطة كأطراف مدنية، بعد أن تعرضوا للاعتداء ومنعهم من أداء عملهم.
وواجه المتهمون في هذه القضية تهما لا حصر لها، أبرزها جناية القيام بأفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب في أوساط السكان، وجناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والاعتداء الذي يكون الغرض منه المساس بوحدة التراب الوطني، وجناية المؤامرة التي يكون الغرض منها ارتكاب الجناية المنصوص عليها في المادة 77 من قانون العقوبات. كما واجهوا أيضا تهم الاعتداء الذي يكون الغرض منه التخريب في منطقة أو أكثر، والمؤامرة التي يكون الغرض منها التخريب في منطقة أو أكثر.
وخلال مرافعاتهم التي امتدت أسبوعا، التمس دفاع المتهمين البراءة بالنظر للظروف التي أحاطت بالجريمة، والتي ميّزها بحسبهم شحن كبير بفعل الحديث عن وجود فاعل وراء الحرائق الأليمة التي راح ضحيتها العديد من أبناء المنطقة، وهو ما جعل المتهمين يعتقدون أنهم على عثروا على الفاعل للانتقام منه. وتحدث المتهمون في هذا الصدد، بأن اعتقادهم أن جمال بن سماعيل هو مشعل الحرائق، أدى بهم للانتقام منه بعدما فقدوا أقاربهم وخسروا ممتلكاتهم، وأنكر آخرون أي اشتراك لهم في الجريمة، وتحدثوا بأن وجودهم في المكان كان بدافع الفضول فقط.
وخلال المحاكمة، تم بث صور للوقائع المحيطة بالجريمة، بعضها استُخرج من هاتف الراحل جمال بن اسماعيل. وأظهرت المقاطع الاعتداءات التي استهدفت مركبة الشرطة، وعملية التخريب التي طالت بعض الممتلكات، ورفض المتهمين الاستجابة لدعوات التهدئة التي أصدرها عناصر الأمن الوطني، وتجرؤ الحشود على اقتحام مقر أمن دائرة “الأربعاء نايث ايراثن”. كما سُمعت من الفيديوهات المعروضة مقاطع لخطابات عنصرية ضد العرب، وشعارات تحريضية كان يرددها المتورطون الذين تتهمهم النيابة بالانتماء للتنظيم الانفصالي في منطقة القبائل الناطقة بالأمازيغية، والذي تم تصنيفه السنة الماضية على قوائم الإرهاب.
وتركت جريمة قتل جمال بن سماعيل بعد اكتشاف قصته، حزنا عميقا لدى كثير من الجزائريين، بسبب بشاعتها، حيث لم يكتف الجناة بقتل الشاب بعد إخراجه بالقوة من سيارة الشرطة، بل قاموا بسحله ثم حرق جثته في مكان عام والتنكيل بها بواسطة آلات حادة. وفي الأسابيع التي تلت الجريمة في أغسطس 2021، زار الآلاف بيت الراحل بمدينة مليانة العريقة (120 كلم غرب العاصمة) لأداء واجب العزاء. كما قام أعيان منطقة “الأربعاء ناث إيراثن” بمبادرة تجاه العائلة، حيث حملوا لها دية المرحوم وأعلنوا تبرؤهم من القتلة. وبرز والد المرحوم في هذه القضية بحكمته، حيث ساهمت تصريحاته الداعية للتسامح في إطفاء نار الفتنة التي حاول البعض إشعالها باستغلال صور الجريمة.
وكان جمال بن إسماعيل من بين الوافدين للمساعدة على إخماد النيران، في ذروة الحرائق التي شهدتها منطقة القبائل الكبرى في الجزائر، وأدت لوقوع عشرات الضحايا وخسائر مادية كبيرة. ووفق التفاصيل التي رُويت في المحكمة، فإن الشاب لم يكن يملك حتى ثمن السفر من مقر سكنه إلى منطقة الحرائق، لكنه تحدى ظروفه ووصل للمكان وتحول في نظر بعض الغوغاء إلى مشعل للحرائق يحرضون على قتله. والشاب، هو عازف على الغيتار ومتعدد المواهب الفنية ومحب للطبيعة والحيوانات، وفق ما ذكر مقربون منه.