هل انتهى زمن المحافظين البريطانيين وبات سقوط ليز تراس محتوما؟
نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا عن حكم المحافظين الذي مضى عليه 12 عاما في بريطانيا. وفي المؤتمر الأخير للحزب يبدو أن الوقت قد نفد من يدهم.
فالفوضى التي شهدها مؤتمر المحافظين الذي عقد في بيرمنغهام، أدى إلى تهشم رئاسة ليز تراس التي لم يمض عليها سوى عدة أسابيع. وجاء في المؤتمر أن تراس قدمت نفسها على أنها الوريثة لبوريس جونسون، الذي كانت موالية له ولبيانه الانتخابي، وشاركته تفاؤله حول بريطانيا.
والفرق الوحيد هو الأمل بأنها ستدير الأمور بطريقة أفضل، وأنها ستمنح نوعا من الانضباط بدلا من الفضائح والانحرافات التي قدمها، أي رؤية “جونسونية” بدون جونسون. وأُعجب أعضاء الحزب بما رأوا من تراس وانتخبوها زعيمة لهم. ولكنها فعلت عكس وعودها عندما وصلت إلى مقر الحكومة، ورفضت المعالم الرئيسية لحكومة جونسون التي جمعت ما بين النجاح الانتخابي والانضباط المالي وتدخل الدولة.
ولكن تراس تبنت الكثير من ميزات جونسون المدمرة في الحكم. وكانت النتيجة هي العودة الحاسمة إلى الحرب الداخلية المُرّة التي رافقت المحافظين منذ وصولهم إلى السلطة في العقد الماضي. وتراجعت حظوظ حزب المحافظين في استطلاعات الرأي.
وقالت “إيكونوميست” إن عمليات إعادة التجديد أسهمت في ديمومة حزب المحافظين وتغيير القادة والعقيدة وتغيير الحكومة، قبل أن يحقق الناخب التغيير في صنادق الاقتراع. ولكن العملية وجدت محدوديتها أثناء فترة تراس القصيرة، الزعيمة الرابعة للحزب منذ وصوله إلى السلطة قبل 12 عاما، حيث انفجرت حكومتها سريعا.
ففي 23 أيلول/ سبتمبر، أعلن وزير الخزانة كواسي كوارتينغ عن أكبر حزمة لتخفيض الضريبة، وهي الأكبر منذ خمسين عاما، بما في ذلك إلغاء المعدل الأعلى للضريبة لـ45% لمن يحصلون على 150 ألف جنيه إسترليني سنويا. وبالتزاوج مع قرار كوراتينغ، عُزل سير توم سكولار، أكبر مسؤول مدني في الخزانة، ورفض توقعات الهيئة من مكتب مسؤولية الميزانية.
وسيزيد بنك إنكلترا معدلات الفائدة بطريقة حادة أكثر من المتوقع. ونتيجة لهذا، تخلت تراس عن أهم رصيدين انتخابيين، فقد شعر الناخبون أنهم قادرون على الاستفادة من سياسات جونسون لإعادة التوزيع وتدخل الدولة، لأنه كان منضبطا من خلال وزير الخزانة ريشي سوناك والضابط للمالية. ونظرا لتبني تراس سياسة ضريبية واسعة، وخفض الضريبة على الأغنياء، فقد ضيعت سمعة حزب المحافظين للكفاءة والإنصاف.
وقالت راشيل وولف، مؤلفة “مانفيستو حزب المحافظين” عام 2019: “هذه حكومة رفضت كل شيء فاز عبره جونسون في الانتخابات الأخيرة”. وقالت للحزب في بيرمنغهام إن حزب العمال ملأ الفراغ من خلال دعوته للملكية العامة والميزانيات المتوازنة. كل هذا أدى إلى انهيار شعبية حزب المحافظين في استطلاعات الرأي التي أظهرت الأسبوع الماضي تقدما لحزب العمال بمعدل 23.7%.
وكان معدل شعبية تراس 59%، أي أسوأ من جونسون في أدنى مستوياته. ويقول جيمس جونسون، مسؤول الاستطلاعات السابق في داونينغ ستريت، إن خسارة المحافظين الهامش التاريخي بسبب معالجة الاقتصاد، يعني أنه ليس من الصعب رؤية سيناريو يشكل فيه حزب العمال الحكومة المقبلة.
والمهمة الرئيسية لتراس هي استعادة ثقة المقرضين البريطانيين من خلال سد الثغرة المالية الكبيرة التي تركتها الميزانية. والخيارات الصعبة أمام تراس المترافقة مع انهيار شعبية الحزب، أُطلق لها العنان في التمرد بمؤتمر الحزب في برمنغهام وتقتضي التنازلات. ففي 2 تشرين الأول/ أكتوبر، تنازلت تراس للنواب الذي عبروا عن عدم دعمهم للميزانية، وتخلت عن نسبة 45% من التخفيضات الضريبية. وقال أحد النواب المتمردين: لقد فقدوا السيطرة على السياسات وذهبت سلطتهم.
ولدى رئيسة الوزراء فرصة لاستعادة الثقة عندما يعود البرلمان للانعقاد في 11 تشرين الأول/ أكتوبر. ويعطيها الساخطون على حكمها، نسبة نجاح بواحد من بين كل خمسة، ويقولون إنها ستُجبَر على التخلي عن السلطة بنهاية العام.
وترى المجلة أن الأزمة هذه هي من صناعة تراس، وهي ترداد لصدى السنوات الـ12 الماضية، ونتاج لأسلوب جونسون، التفاؤل البطولي حول السرعة التي يجب فيها على الحكومة توجيه النشاطات الاقتصادية، ورفض الشاكين بشكل واضح باعتبارهم نقّادا.
وفي خطابها أمام مؤتمر المحافظين في 5 تشرين الأول/ أكتوبر، هاجمت تراس من أسمتهم المعارضين للنمو الذي يركبون السيارات من بيوت شمال لندن إلى استديوهات “بي بي سي”. وفي الحقيقة، فإن محاور الاستثمار ليست إلا صورة عن “تعديل المستوى” الذي رفعه جونسون. وقال ناقد: تعتقد أنها تستطيع فرض الأمور وجعلها حقيقة واضحة.
وحذرت شركة التصنيفات الائتمانية “موديز” في عام 2020، من أن المفاوضات بشأن البريكسيت المتقلبة في عهد جونسون، هي إشارة عن ضعف المؤسسات.
وليس لدى تراس خيارات كبيرة لملء الثغرات التي تركتها الميزانية. وتقول المجلة إن التمرد في بيرمنغهام كان سريعا وفعالا؛ لأن الكفاح في سنوات البريكسيت وسقوط جونسون منح المتآمرين الكثير من الممارسة.
وفي الأيام السعيدة، يكون قادة الحزب مصدرا للاستقرار، ومتآمرين في الزمن غير السعيد. وقاد الشباب الثورة داخل الحزب، وكذا مايكل غوف، الذي عمل في ثلاث حكومات. واتهمت وزيرة الداخلية سويلا بريفرمان عصابته بمحاولة الانقلاب.
ويبدو أن تراس لم تتعلم من دروس سابقيها، ولم تبذل جهدا لكسب الثائرين في الحزب، وموقعها ضعيف. ولم تقم بمحاولات لضم أي من الموالين لمنافسها سوناك. وتبدو فرصها في النجاح ضئيلة في إقناع النواب للتصويت دعما لخطة النمو.