لماذا اندلعت أعمال عنف بين مسلمين وهندوس في مدينة ليستر البريطانية؟
تعيش مدينة ليستر وسط بريطانيا حالة من الغليان غير المسبوق، نتيجة المواجهات التي حدثت بين شباب من الهندوس المتطرفين، وشباب من المسلمين الذي هبّوا للدفاع عن أماكن عبادتهم في المدينة.
وعرفت المدينة حالة من الاستنفار الأمني طيلة أسبوع كامل، بعد أن كادت الأوضاع تخرج عن السيطرة، وتتحول لحرب شوارع تغذيها العنصرية والتطرف العرقي.
ويسابق ممثلو الطائفتين المسلمة والهندوسية في المدينة الزمن، لإخماد نار هذه الأزمة، التي يقولون إنها غريبة عنهم، موجهين أصابع الاتهام لمن يتبنى خطاب رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، وهو خطاب قومي متطرف ضد المسلمين، إضافة لشباب قدموا من خارج المدينة بذريعة حماية المسلمين.
ونجم عن أعمال العنف هذه إصابة 25 من رجال الشرطة، إضافة إلى اعتقال 47 شخصا، وما زال الوجود الأمني على أشده في المدينة.
تحريض عنصري
تعود جذور التوتر الحاصل في مدينة ليستر إلى عدة أشهر، وفق إسماعيل باتيل، رئيس مؤسسة “أصدقاء الأقصى” وأحد الوجوه المسلمة المؤثرة في المدينة، والذي أكد في حديثه للجزيرة نت أن التوتر بلغ ذروته بعد مباراة للكريكيت بين منتخبي الهند وباكستان، و”مباشرة بعد هذه المباراة التي خسرت فيها الهند نزلت مجموعة من الشباب الهندوس القوميين إلى الشوارع وأطلقوا شعارات عنصرية ضد المسلمين في أحياء المسلمين”.
وبعد هذه المباراة تطورت الأوضاع، عندما أصبح هؤلاء الشباب يوقفون بعض الأشخاص ليسألوهم عن ديانتهم، “إضافة لرفع الأعلام الهندية وتشغيل الموسيقى بصوت عالٍ أمام المساجد التي يرتادها المسلمون”، هذا ما يحكيه باتيل الذي عاب على الشرطة البريطانية بطء تدخلها لردع المعتدين.
وكانت النقطة التي أفاضت الكأس هي تنظيم مجموعة من الشباب الهندوس القوميين، لمسيرة شارك فيها حوالي 200 من أنصار حزب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وتجولوا لمسافة 5 كيلومترات وهم يرددون هتافات عنصرية، “وبالنظر لكون ليستر مدينة صغيرة فقد كانت المخاوف من أن يقدم هؤلاء على الاعتداء على المساجد، حيث نزل الشباب المسلمون أيضا وأدوا الصلاة أمام المسجد”.
وحال تدخل الشرطة دون حدوث مواجهات مباشرة، “لأن مدينة ليستر هي مدينة لها خصوصية، ذلك أن المسلمين والهندوس فيها ينتمون للهند ويتحدثون نفس اللغة ويفهمون عادات وتقاليد بعضهم البعض”، وفسّر باتيل ما حدث بأنه ناتج عن سببين؛ أولهما تأثير الخطاب الخارجي القادم من الهند على الوضع في المدينة، والسبب الآخر هو قدوم أشخاص من خارج المدينة محسوبين على الطرفين لتأجيج الأوضاع، على حد قوله.
وأكد أن الوضع عاد للهدوء النسبي مع وجود رجال الشرطة وعودة الغرباء عن المدينة إلى مدنهم “إلا أن الآثار السياسية لهذه الوقائع سوف تبقى حاضرة”.
محاولات التهدئة
وكشف إسماعيل باتيل أنه برفقة عدد من ممثلي المسلمين في المدينة عقدوا لقاء مع ممثلين عن الطائفة الهندوسية وبحضور الأمن لمحاولة تهدئة الأوضاع، وقال “قمنا بإصدار بيان مشترك تلاه زعماء الطائفة الهندوسية في المدينة وكذلك أئمة من المسلمين وتم تلاوة البيان أمام المسجد”.
وحرص البيان على إدانة الاعتداء على أماكن العبادة، ومحاولات جر المدينة إلى العنف، مؤكدين أنهم عاشوا لعقود بدون أي مشاكل بين الهندوس والمسلمين، “وعاشت الديانتان معا لأكثر من نصف عقد وواجهنا الكثير من التحديات معا إلى أن وصلت العنصرية إلى مدينتنا والتي هددت استقرارنا وأمننا”.
من جهتها، حذرت كلوديا ويبي، وهي برلمانية عن المدينة، من أن هذه الأحداث قد تذهب أبعد من مدينة “ليستر”، في حال لم تتدخل الحكومة والشرطة المركزية بحزم للتعامل مع هذه الأزمة، “هناك الكثير من الوقائع التي حدثت خلال الأشهر الماضية وكلها بسبب أيديولوجية اليمين المتطرف والأخبار الكاذبة التي تحرض على العنف”.
حرب دبلوماسية
وتحولت أحداث العنف في مدينة ليستر إلى حرب دبلوماسية بين الهند وباكستان، عندما أصدرت الخارجية الهندية بيانا تقول فيه “إنها تدين أعمال العنف ضد الجالية الهندية في ليستر والإساءة للرموز الهندوسية”، وأكدت أن السلطات الهندية تتابع مع الحكومة البريطانية “لاتخاذ إجراءات صارمة لوقف هذه الاعتداءات وتوفير الحماية للأشخاص المهددين في أمنهم”.
ثم ردّت الهيئة الباكستانية العليا في لندن -والتي تعدّ من أكبر الهيئات الإسلامية في المملكة المتحدة- بأن الجالية المسلمة في ليستر كانت ضحية لكراهية المسلمين، مؤكدة في بلاغها أنها “تدين بأشد العبارات العنف والإهانة اللذين تعرض لهما المسلمون في تلك المنطقة، وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الاعتداءات ضد المسلمين”.