أزمة النظام الصحي البريطاني تهدد العاملين والمرضى على حد سواء
دق تقرير برلماني بريطاني ناقوس الخطر حول ما يتهدد النظام الصحي الذي ظل لسنوات يعتبر من أكبر وأفضل الأنظمة الصحية في العالم، إلا أنه ومنذ سنوات يعاني من تفاقم الأزمات التي جعلته يعيش هذه الأيام ظروفا عصيبة تهدد بانهياره.
وكشفت لجنة برلمانية -في تقرير لها- أن بريطانيا تعاني حاليا من نقص في عدد الأطباء يصل إلى 12 ألف طبيب وأكثر من 50 ألف ممرضة وقابلة، وهو ما وصفه التقرير بأنه “أسوأ أزمة عمالة تعيشها هيئة الخدمة الصحة الوطنية (NHS) في التاريخ”.
جيش من الأطباء
وقد خلف التقرير البرلماني -الذي قدمه وزير الصحة السابق جيرمي هانت- حالة من الجدل والصدمة في صفوف البريطانيين، خصوصا وأنه كشف أن الأرقام الرسمية المقدمة سابقا لا تظهر كل الحقيقة في أعداد الأطباء الذين تحتاجهم المستشفيات.
ففي السابق كانت المعطيات الرسمية تقول إن هناك حاجة لحوالي 8 آلاف طبيب وحوالي 38 ألف ممرضة، في حين أن التقرير كشف أن الرقم الحقيقي هو 12 ألف طبيب و50 ألف ممرضة، وذلك حسب تقدير مؤسسة “نوفيلد تراست” (Nuffield trust) التي تعنى بتحسين الخدمات الصحية.
ومن الخلاصات التي توصل إليها التقرير أن “أزمة النقص في عدد العاملين بهيئة الخدمة الصحة الوطنية تشكل خطرا كبيرا على العاملين والمرضى على حد سواء، ويزداد الوضع سوءا بسبب غياب أي إستراتيجية بعيدة المدى من الحكومة”.
واستمعت اللجنة البرلمانية إلى شهادة وزير الصحة السابق ساجيد جافيد الذي استقال قبل أسابيع مؤكدا أن الحكومة لا تسير في الطريق الصحيح من أجل الوفاء بوعدها، بافتتاح أكثر من 6 آلاف مستوصف جديد.
هروب جماعي
وتظهر الأرقام المقدمة في التقرير البرلماني أن العمل في القطاع الصحي لم يعد مغريا، فعلى سبيل المثال، غادرت 500 من مساعدي التمريض وظائفهن خلال الفترة ما بين مارس/آذار 2021 ومارس/آذار 2022.
ويزيد الوضع قتامة في دور رعاية كبار السن، حيث أكدت 95% من هذه المراكز أنها تجد صعوبة في توظيف العاملين، وقالت 75% منها إنها تعاني من أجل الإبقاء على العاملين حاليا.
وسبب هذه الوضعية هو الأجور المتدنية التي يحصل عليها العاملون بدور الرعاية، ذلك أن حوالي 17 ألفا منهم يتقاضون أجورا أقل من الحد الأدنى للأجور في البلاد والمحدد في 11 دولارا بالساعة.
عام 2021 بلغ عدد الممرضين ومساعدي التمريض الذين تم توظيفهم من خارج بريطانيا حوالي 50% من مجموع التوظيفات الجديدة بقطاع الصحة، وبلغ عدد هؤلاء 23 ألف ممرض ومساعد تمريض أجنبي وهو أعلى رقم يتم تسجيله في تاريخ البلاد، في المقابل تم تسجيل ارتفاع في مغادرة الممرضين ومساعدي الممرضين البريطانيين لوظائفهم.
وبسبب تعقيدات إجراءات البريكست، فإن جل الممرضين ومساعدي التمريض القادمين للعمل في القطاع الصحي البريطاني ينتمون إلى دول من خارج الاتحاد الأوروبي.
وكانت الدول الأوروبية في طليعة البلدان التي توفر اليد العاملة في القطاع الصحي البريطاني، لكن بسبب إجراءات البريكست، أصبحت دول مثل الهند والفلبين تهيمن على هذه الوظائف.
وسبق لرئيس الوزراء بوريس جونسون أن وعد خلال حملته الانتخابية عام 2019 بتوظيف أكثر من 50 ألف ممرضة بحلول عام 2024، إضافة لبناء 6 آلاف مستوصف نفس الفترة، وهي الأهداف التي اعترف الوزير جافيد بأنها لن تتحقق في الموعد المحدد.
في المقابل، تدافع وزارة الصحة عن نفسها بأنها تقوم بجهد سنوي لرفع عدد العاملين بالمستشفيات بتوظيف أكثر من 4 آلاف طبيب و9600 ممرضة وحوالي 1400 في الطب العام منذ عام 2019، مع توفير ميزانية قيمتها 100 مليون دولار لتحسين خدمات الولادة و600 مليون لتحسين ظروف العاملين بمراكز رعاية كبار السن.
وقد أدت أزمة نقص عدد الأطباء إلى تفاقم ظاهرة “قائمة الانتظار” التي تشمل المرضى الذين ينتظرون إجراء عمليات جراحية أو فحوص معمقة، وتشير المعطيات الرسمية إلى وجود أكثر من 6.6 ملايين بريطاني على قائمة الانتظار، ومن المتوقع أن تستمر هذه الأزمة حتى عام 2024.