تصريحات تبون تثير ردود فعل حقوقية وسياسية
لم تمر تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن عدم وجود سجناء رأي في البلاد، دون إحداث ردود فعل من سياسيين في المعارضة وحقوقيين، اعتبروا كلامه غير معبر عن حقيقة الوضع. وأبدى المعلقون مخاوف من أن تكون نظرة السلطة لهؤلاء السجناء عائقا أمام طي هذا الملف نهائيا، مثلما تنادي بذلك أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية منذ مدة.
في حواره الأخير الذي بثه التلفزيون الجزائري، نفى الرئيس تبون بالمطلق وجود سجناء رأي، وذهب لحد القول إن الحديث عن وجود مثل هؤلاء السجناء يعتبر بمثابة “أكذوبة القرن”. وذكر في مبرراته أن “من يسب ويشتم تتم معاقبته وفقا لأحكام القانون العام مهما كانت صفته”، مشيرا إلى أن الحصانة يتمتع بها فقط نواب وأعضاء البرلمان، وحتى بالنسبة لهؤلاء يمكن رفع الحصانة عنهم في بعض الحالات لمحاسبتهم.
وقال تبون إنه لا يقبل من أي شخص مهما كانت صفته، المساس بمؤسسات الدولة وبرموز تاريخ البلاد من أمثال الأمير عبد القادر. واعتبر أن حرية التعبير مضمونة في الجزائر، لكن شريطة أن تمارس بطريقة حضارية، قائلا: المجال مفتوح أمام المعارضين الذين يعبرون بقناعة عن وجهات نظرهم، لكن أن تكون بوقا لجهات من وراء البحر فهذا أمر مرفوض.
ونظرا لحساسية ملف السجناء واستمراره لفترة طويلة، قوبل كلام الرئيس الجزائري بالرفض من قبل المشتغلين على القضايا الحقوقية. وقال سعيد صالحي نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، في تعليقه إنه بعد إنكار الحقوق جاء وقت إنكار الحقيقة. وكتب أن السلطة تواصل إدارة الظهر لدعوات إطلاق سراح سجناء الرأي والصحافيين. وأبرز أنها تواصل أيضا التضييق على الحقوق والحريات، في وقت تستعد الشهر المقبل لاستقبال المقرر الخاص للأمم المتحدة من أجل حرية التجمع والتظاهر.
ويرى عبد الغني بادي، المحامي البارز في الدفاع عن القضايا الحقوقية، أن الرد المناسب على تصريح تبون هو بدعوته للاطلاع بنفسه على ما يوجد في محاضر وملفات المعتقلين. وقال بادي: لن أقول إن هناك سجناء رأي. لكني أدعو من ينفي ذلك للنظر في الملفات، ولن يجد سوى مساءلات على منشورات في فيسبوك حول الدعوة لإقامة حكم مدني ومواقف من الشرعية السياسية للسلطة وأفكار تعبر عن خيارات وتوجهات سياسية لأصحابها. عليهم مراجعة الملفات وحضور المحاكمات والاطلاع على الأحكام القضائية، حتى يكون الحكم عادلا ومنصفا.
ويعتقد بادي في رده على مبررات تبون بوجود سب وشتم وعدم إبداء رأي في قضايا المسجونين، أن ثمة عدم توجيه صحيح للرئيس من ناحية الاستشارة القانونية. وقال: في القانون الجزائري، جنحة السب والشتم لا تستحق السجن وغالبا ما تنتهي بغرامة مالية. وما يجري أن النشطاء المسجونين، يتم تكييف قضايا خطيرة في حقهم تتعلق بالمساس بالوحدة الوطنية والمؤامرة على سلطة الدولة والإرهاب.. والعقوبات تصل في حق هؤلاء للإعدام، فهل يعقل بهذا المنطق أن يعاقب مرتكب السب والشتم بالإعدام؟
ومن جانب الأحزاب، قال عثمان معزوز رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، إن الحديث عن عدم وجود سجناء رأي، يشبه سياسة النعامة بدس الرأس في الرمل. وعاد معزوز إلى التعريف الدارج عن سجناء الرأي والذي يمكن إسقاطه حسبه على الحالات الموجودة في الجزائر، قائلا: “سجين الرأي هو الشخص الذي لم يلجأ إلى العنف ولم يدع إلى استخدامه، ولكنه سُجن لأسباب من بينها معتقداته (دينية أو سياسية أو غيرها)”. وأضاف أنه بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا يجوز اعتقال أي شخص دون سبب مشروع، كما أن لأي شخص متهم بجريمة الحق في محاكمة عادلة.
وقبل مناسبة ستينية الاستقلال في 5 تموز/يوليو الماضي، ساد تفاؤل كبير في الأوساط السياسية والحقوقية بإمكانية الإفراج عن كافة المعتقلين المرتبطين بفترة الحراك وما تلاها. لكن هذا الأمل تحول خاصة لدى عائلات المعتقلين إلى سراب، بعد أن شملت الإجراءات 44 شخصا فقط وفق بيان الرئاسة، في وقت يقول حقوقيون وهيئات رصد محلية أن ثمة ما يزيد عن 300 معتقل يجب الإفراج عنهم. وبلغ التعب ببعض المعتقلين في سجن البرواقية والحراش بالعاصمة، حد الدخول في إضراب عن الطعام للفت الانتباه لحالاتهم والتعجيل بمحاكماتهم، وقال محامون إنهم تدخلوا لإقناع هؤلاء بوقف الإضراب عن الطعام حفاظا على صحتهم.
ويستمر منذ فترة طويلة إلحاح الأحزاب المحسوبة على المعارضة لإنهاء قضية السجناء. وفي كل البيانات التي تصدرها أحزاب جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والعمال والحركة الديمقراطية الاجتماعية والاتحاد من أجل الرقي والتغيير وغيرها من التشكيلات المحسوبة على المعارضة، تظهر نداءات ودعوات الإفراج عن المعتقلين. كما طالبت حركة مجتمع السلم التي تمثل المعارضة البرلمانية وحتى حركة البناء الوطني المشاركة في الحكومة، بالإفراج عن المعتقلين ووضع حد لهذا الملف المستمر منذ صيف سنة 2019.