سقط المهرج ويجب أن يرحل مباشرة.. جونسون باع بريطانيا الأحلام وأفقرها
نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريراً عن نهاية رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بعنوان “سقوط المهرج”، دعت فيه إلى رحيل سريع ومباشر له، مضيفة إلى أن بريطانيا تعيش وضعا خطيرا.
وجاء فيه أن حكومة جونسون انهارت أخيرا، فقد ظل وعلى مدى عدة أشهر يتملّص من فضيحة ليقع بأخرى. والآن وبعد اكتشافه أن نواب حزبه في البرلمان لا يريدونه فقد اعترف أن رئاسته للحكومة انتهت. وطلب البقاء حتى الخريف، لكن عليه الرحيل مباشرة. فقد أسقط نواب المحافظين جونسون لعدم نزاهته، بشكل يجعل البعض يقول إن التغيير في القيادة كاف لإعادة بريطانيا إلى مسارها الطبيعي.
ومع أن بصمات جونسون حاضرة في فوضى اليوم إلا أن المشاكل أعمق من ردها لرجل واحد. وحتى يستجمع حزب المحافظين الشجاعة لمواجهة تلك الحقيقة فإن الكثير من مشاكل بريطانيا ستزداد سوءا. فقد تشبث جونسون وحتى النهاية بالسلطة، مجادلا أنه حصل على تفويض مباشر من الناس، وهذا كلام فارغ لأن شرعيته نابعة من البرلمان. ومثل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فكلما تمسك بالسلطة كلما خسر الشرعية بالبقاء في المنصب. وقالت المجلة إن جونسون أظهر في رحيله كما فعل في الحكومة تجاهلا متعمدا لمصالح حزبه والوطن. ورغم أن خاتمته استغرقت يومين مؤلمين إلا أن مصيره حدد في 5 تموز/يوليو عندما استقال وزيران في الحكومة بسبب تصرف نائب رئيس الحزب، والذي اتهمه رجلان بالاعتداء الجنسي وهو مخمور. وكذب مقر الحكومة، 10 داونينغ ستريت، حول معرفة جونسون بالقضية وأرسل الوزراء لتكرار الكذب على شاشات التلفزة وأمواج الأثير، تماما كما فعل في الأشهر الماضية بفضيحة حفلات الإغلاق. ونظرا لحالة اليأس من الفضيحة الجديدة استقال 50 وزيرا ومبعوثا ومساعدا من مناصبهم التنفيذية، وكان الخروج متتابعا لدرجة أن بي بي سي وضعت شريطا إخباريا يحدد عدد الراحلين من حكومة جونسون حتى تظل على صلة بالتطورات. وفي النهاية لم يعد في الحكومة عدد كاف من الوزراء لكي تدير البلاد، وهو سبب لعدم بقاء جونسون كرئيس وزراء حكومة تصريف أعمال.
ويأمل الحزب أن تكون معاناته قد انتهت، وكل هذا يعتمد على تعلمه من دروس فشل جونسون. وواحد منها طبيعة وشخصية السياسة، فقد رفض جونسون فكرة أن الحكم يعني الاختيار. ولم يكن لديه النسيج الأخلاقي لكي يتخذ قرارات من أجل الصالح الوطني، خاصة إن كانت هذه القرارات تهدد شعبيته. وافتقد أيضا الثبات وفهم التفاصيل لمتابعة سياساته حتى النهاية. واستمتع بالدوس على القواعد والمواثيق، ذلك أنه كان يؤمن بقدرته على الخروج من أي ورطة من خلال التحايل والتلاعب. وعندما كان يحشر في الزواية لجأ جونسون إلى الكلام الساحر وحاول التأخير وكذب عيانا وفي بعض الأحيان اعتذر. لكل هذا فالنقاط المضيئة في سجله مثل شراء لقاحات كوفيد ودعم أوكرانيا غطت عليها الفضائح الأخرى. فخلف الدراما المستمرة كان هناك فراغ للرؤية. فالأزمات عادة ما لا تكون حرفا للنظر عن عمل الحكومة، إلا أنها أصبحت في عهد جونسون عمل الحكومة الحقيقي. ومع زيادة الفضائح كثر الكذب، بحيث لم يبق في جعبته أي من الأكاذيب.
وكان الحزب المحافظ الحاكم سريعا في رد الأزمة لشخصية جونسون، لكن هذا الترياق قد يكون نافعا لو اعترف نوابه وقادته بحقيقة ثانية، فقد كان جونسون الجواب للتناقض في الحزب. وينتمي عدد من نواب الحزب إلى عهد الضريبة المتدنية وتقاليد السوق الحرة، إلا أن هناك عددا من نواب الحزب في شمال البلاد يرغبون بالنفقات الكبيرة والحماية والتدخل الحكومي. ومنحوا جونسون غالبية بـ 87 مقعدا وهم مهمون في الانتخابات المقبلة.
وكان جونسون الجذاب قادرا على جمع هذين الجناحين معا لشعوره بأن لا حاجة لحل التناقض. وبدلا من ذلك فقد تبنى سياسة الحماية واتفاقيات التجارة الحرة. وأراد وضع محددات رغم معاقبته شركات الطاقة على ارتفاع الأسعار. وخطط لنفقات حكومية ضخمة ووعد في الوقت نفسه بتخفيضات ضريبية كبيرة. وهذه هي سياسة الفتنازيا، ويمكن ردها إلى حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، فقد وعد الناخب البريطاني بكل شيء- الثروة، علاقة أقل مع أوروبا وحرية أكثر وتنظيمات أقل وحركية أكثر وعدد قليل من المهاجرين، وأن الاتحاد الأوروبي سيطرق باب بريطانيا متسولا لها كي توافق على صفقة. وحققت هذه الوعود فعلها وأصبحت تلك الفتنازيا المبدأ الرئيسي في تنظيم المحافظين.
والدرس الثالث الواجب على الحزب تعلمه يتعلق بالاقتصاد، فطالما تفاخر جونسون بأن اقتصاد بريطانيا موضع حسد العالم.، لكنه كان يتلاعب بالكلام مرة أخرى. والحقيقة أن بريطانيا التي سيخلفها وراءه تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة. ولديها أعلى نسب تضخم بين مجموعة الدول السبع. أما نسب الناتج المحلي العام فهي الأدنى منذ عقد، ويتوقع أن يكون نمو البلد الأدنى بين مجموعة الدول السبع بحلول عام 2023. وأكثر من هذا فالإضرابات العمالية تتوسع إلى المحامين والأطباء، وكلفة المعيشة في ارتفاع، وتشيخ بريطانيا، فمن 1987 وحتى عام2010 عندما استلم المحافظون الحكم، كانت نسبة البريطانيين في سنة الـ65 عاما هي 16% وهي الآن 19% وستصل في عام 2035 إلى 25%، بشكل يزيد من أعباء المعونات وفواتير الصحة الوطنية. وتحتاج بريطانيا لزيادة معدلات التحول إلى انبعاث كربوني بنسبة صفر. وبريطانيا في وضع خطير، وهي أفقر مما تتخيل، وزادت نسبة العجر الحالي وتراجع سعر الجنيه وكلفة ديون الفائدة في ارتفاع، فلو قررت الحكومة المقبلة تبني سياسة الإنفاق وتخفيض الضريبة فإنها ستتعثر في مشكلة، فلم يعد كل شيء ممكنا، وبرحيل جونسون يجب أن تعود السياسة إلى الواقع.