ماذا يعني إظهار معتقلات في السجوم السعودية؟
بثّت وسائل إعلام سعودية، خلال الأيام الماضية تقارير مصوّرة من داخل سجون المباحث، أظهرت للمرة الأولى معتقلات على خلفيات سياسية.
وضمن ما يعرف بـ”أجنحة إدارة الوقت”، نظم جهاز “أمن الدولة” فعاليات ترفيهية، وأنشطة مختلفة، بمشاركة المعتقلين وذويهم في السجون التابعة لها بالرياض (الحائر)، والقصيم (الطرفية)، علما بأنها نظمت فعاليات سابقة في سجون المباحث بأبها، والدمام، وجدة (ذهبان).
وفي التقارير التي شارك في الترويج لها تلفزيون “الإخبارية” الرسمي، وقنوات “روتانا”، و”إم بي سي”، و”العربية”، ظهرت معتقلات لأول مرة، ففي سجن الطرفية بمنطقة القصيم أطلّت المعتقلة ياسمين الغفيلي، التي اتهمت منظمات حقوقية، السلطات السعودية بإخفائها قسريا منذ إيقافها في أيار/ مايو من العام الماضي.
الغفيلي ظهرت في أحد التقارير على أنها تدير ناديا للإعداد البدني والرياضي داخل السجن، تبعها بأيام تقرير مصور من داخل سجن الحائر بالرياض، ظهرت فيه المعتقلة أسماء السبيعي، وهي تؤدي أغنية وطنية على مسرح ضخم.
وبرغم مشاركتها في “تويتر” لسنوات ضمن حساب يحمل اسما مستعارا، إلا أن السلطات اعتقلت أسماء السبيعي في حزيران/ يونيو من العام الماضي، لتعود وتظهر بعد عام كامل، في تقارير تروج لمستوى الخدمات في سجون المباحث.
وجوه جديدة
كان لافتا خلال التقارير الأخيرة التي بثتها وسائل إعلام سعودية، وجود معتقلين ومعتقلات لم يسبق لأي منظمة حقوقية، أو جهة رسمية الحديث عن قضاياهم.
وظهرت في سجن الحائر معتقلة قالت إن اسمها نور الشمري، أشادت بخدمات السجن، وقالت إن الهدف من برنامج “إدارة الوقت” تأهيل النزيلات لمرحلة ما بعد الخروج من المعتقل.
فيما نقل موقع “العربية نت”، تصريحات عن نور الشمري قالت فيها إنها لا تستطيع التحدث عن قضيتها، مضيفة أنه “لا يحق لها قانونيا التحدث الآن”.
وتغزلت “العربية نت” بنور الشمري، واصفة مظهرها بأنها “شامخة على خشبة المسرح، ضحكتها آسرة، وعيناها ترميان الحضور بأسهم من نور”، وتابعت بأن نور الشمري بدت “واثقة من نفسها، غير مرتابة من عدسات المصورين، وأن صوتها مثل شباك الصيد التي تجمع الأسماك الصغيرة من حولها”.
وفي إشارة إلى ارتفاع عدد المعتقلات، قالت “العربية نت”، إنها لاحظت وجود جناح كامل في “إدارة الوقت” للنزيلات اللاتي يشغلن وقتهن بالمنتجات اليدوية، والمنسوجات، فيما لم يكن هناك أي حضور نسائي في مهرجان مشابه أقيم بسجن ذهبان في جدة عام 2019.
وبالإضافة إلى الشمري، فقد أظهرت تقارير أخرى معتقلات في سجن الطرفية لم يسبق للإعلام، أو وزارة الداخلية التطرق إليهن، قالت واحدة إن اسمها “نجوى أحمد”، فيما الثانية “حنان العنزي”.
تزييف للواقع
الباحثة في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، دعاء دهيني، قالت إن الحكومة السعودية تحاول خلال السنوات الأخيرة تبييض صفحتها الحقوقية، مضيفة أنها “تعمد إلى استغلال حقوق الانسان في الدعاية السياسية.
وتابعت بأن ذلك “كان جليا في عدة مواضع أبرزها حقوق المرأة التي ادعت الحكومة السعودية أنها قامت بإصلاحات جذرية عليها، في وقت كانت تعتقل فيه وتعذب أبرز المدافعات عن حقوق المرأة”.
وأضافت دهيني: هنا في موضوع السجون الأمر مماثل. تحاول الحكومة السعودية الرد على الانتقادات المتتالية بإخراج صورة غير واقعية. تخفي هذه الصورة ما يحصل خلال التحقيق مثلا، والذي يؤكد العديد من المعتقلين أنه حصل خلال المحاكمة، وعلى الرغم من ذلك فإنه يتم تجاهله.
ولفتت دهيني إلى أن السلطات السعودية تقوم بتجاهل أوضاع معتقلين يؤدي سوء المعاملة الذي يتعرضون له إلى إضرابهم عن الطعام.
بدوره، قال المعارض السعودي المقيم في بريطانيا، عبد الله الجريوي، إن التقارير التي عرضت “هزيلة”، وتم إعدادها بالتنسيق مع جهاز أمن الدولة، في محاولة لـ”تلميع ما يحدث في السجون”.
الجريوي، العضو في حزب التجمع الوطني المعارض، قال إن التقارير تم تصويرها داخل قاعة فندقية غير المكان الذي يقضي فيه المعتقلون سنوات سجنهم، مضيفا أن القاعة هذه لا تتبع لأي مديرية أو مركز للاعتقال.
وأضاف أن الثابت الحقيقي في التقرير هو “ابتسامات الأهالي التي تخفي حزنا وألما لحال أبنائهم”، مضيفا أن ما عرض يشير إلى “أياد تتحرك على القيتار دون ضرب الأوتار، وأفواه تتحرك دون أن تنطق أو تغني بتلك الأغاني المسجلة سلفا”.
لا تهم واضحة
في كافة التقارير التي نشرت مؤخرا عن برنامج “إدارة الوقت”، لم تتحدث وسائل الإعلام خلال مقابلاتها للمعتقلين عن قضاياهم التي أدخلوا بسببها إلى السجن، سوى عن أن أحدهم قادم “من مناطق الصراع”، أي أنه كان يقاتل في صفوف تنظيم مسلح خارج المملكة.
ولم تكشف السلطات عن قضية أي من المعتقلين الآخرين، الذين اعتقل عدد كبير منهم على خلفية تغريدات، أو فيديوهات، مثل: راكان عسيري، وأسماء العتيبي، وياسمين الغفيلي، والداعية سليمان الجربوع، الذي بدا وجهه نحيلا في أحد التقارير الجديدة التي كان يتحدث فيها عن إدارته مشروعا زراعيا داخل السجن، وذلك بعد مرور نحو 6 سنوات على اعتقاله.
وقال عبد الله الجريوي إن السلطات نجحت فقط في إذلال المعتقلين وقهرهم عبر خروجهم بهذا المشهد، الذي لا يمكن اعتباره إلا وسيلة من وسائل التعذيب، فلا يمكن أن تجبر المعتقلين على هذا الخروج إلا بالتهديد أو الوعود الكاذبة.
وتابع بأن “الأهم من هذا كله: لماذا لم توضح السلطات أسباب اعتقال هؤلاء؟ فلم تكشف إلا سبب أحدهم الذي عاد من مناطق الصراع، ولكن تجاه معتقلي الرأي لم تكشف أن سبب اعتقالهم هو بعض التغريدات أو نشاط مدني سلمي”.
ولفت الجريوي إلى أن “السلطات تريد إرسال رسائل من خلال هذه التقارير إلى النشطاء، أن هذا المصير ينتظركم في حال تم القبض عليكم، سترغمون على الخروج علانية، ستغنون وتعزفون، ستجبرون على الثناء والشكر، ستتحول طموحاتكم لتغيير أوطانكم إلى الأفضل إلى أداء عروض مسرحية تجاه أهاليكم والمسؤولين، ستهزمون وستسحق إرادتكم”.
تلميع منذ سنوات
بدأ ترويج السلطات السعودية لسجون المباحث منذ سنوات، وتكثفت حملات تلميع السجون بعد حملة اعتقال الدعاة والكتاب في أيلول/ سبتمبر 2017، والتي تلت تولي محمد بن سلمان ولاية العهد بأسابيع قليلة.
ففي كانون الثاني/ يناير 2018، نشر الإعلامي عبد العزيز قاسم سلسلة مقالات تلت لقاءه برفقة دعاة بينهم محمد السعيدي، بدعاة معتقلين مثل سلمان العودة، وعوض القرني، وآخرين، زعم خلالها أن الدعاة نفوا بشكل قاطع تعرضهم لأي نوع من أنواع التعذيب، وأن عزل الشيخ العودة في زنزانة انفرادية سينتهي خلال أسابيع، بيد أن ذلك لم يتم حتى الآن بعد مرور نحو 5 سنوات على اعتقاله.
وحينها، وقبل أيام قليلة من اغتياله في قنصلية بلده بإسطنبول، انتقد الكاتب الراحل جمال خاشقجي ما قامت به السلطات من ترويج للسجون عبر مقالات عبد العزيز قاسم، وغرد بأن “نشر حديث مع معتقل سياسي مخالف للأنظمة، ولو كانت الصحيفة مثلا تصدر من بريطانيا، لأجبرت على الاعتذار وسحب اللقاء”.
وتابع خاشقجي: ستنتقد المملكة من قبل منظمات لفعل هي في غنى عنه، لو كان هناك مستشار قانوني حصيف ينصح القوم.
وبعد ذلك، روّجت قناة “روتانا” للخدمات في سجن الحائر عبر تقارير إعلامية، وتحدث الإعلامي أحمد العرفج أنه زار صديقا له معتقلا، وشاهد بنفسه الشفافية والمعاملة الحسنة داخل السجن.
وتزامن بداية الترويج الإعلامي للسجون أيضا مع خروج تقارير تتحدث عن تعذيب معتقلين، ومعتقلات بينهن لجين الهذلول، التي لا تزال ممنوعة من التحدث عن ما جرى لها داخل السجن، رغم مرور نحو عام ونصف على الإفراج عنها.