رئيس أركان ليبيا يهاجم “محتلين” و”أنذالا”
مع تصاعد الأزمة السياسية في ليبيا خلال الأشهر الأخيرة، وتزامنها مع تهديدات بالعودة لمربع الحرب، أطلق رئيس الأركان العامة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية محمد الحداد، تصريحات مثيرة اختلف في قراءتها المتابعون للشأن الليبي.
ليبيا محتلة.. بسبب الأنذال
وقال رئيس الأركان الليبي، الفريق أول ركن محمد الحداد، خلال افتتاح أكاديمية الدراسات البحرية بمنطقة صياد بمنطقة جنزور في العاصمة طرابلس: نحن في سباق لبناء الدولة وإلا سنظل عبيدًا نحرس الأجانب والمحتلين.
وأضاف الفريق أول ركن: المحتل لم يأت إلا بكمشة من الأنذال الذين انبطحوا
انبطاحا كاملا، وهذا شيء مؤلم.
ووصفت وسائل إعلام ليبية تصريحات الفريق أول ركن محمد الحداد بـ”النارية”، حيث أنها تتزامن مع تأزم المرحلة السياسية في البلاد، ما أثار تساؤلات عدة حول مكنونات تصريحاته وفرضية لعبه لدور سياسي مستقبلا.
وقال المستشار العسكري والاستراتيجي للقائد الأعلى سابقا، العقيد عادل عبد الكافي، في تصريحه إن “تصريحات رئيس الأركان تعكس رؤية الكثير من القيادات العسكرية والعسكريين ونحن على رأسهم”.
وأوضح أن حديث الفريق أول ركن عن المحتل إشارة واضحة للفاغنر الروس الذين يحتلون رقعة جغرافية كبيرة وقواعد عسكرية استراتيجية، كقاعدة الجفرة العسكرية والقرضابية في سرت وبراك الشاطئ في الجنوب الليبي وبعض المواقع الأخرى مثل المهابط الترابية للطائرات في جنوب البلاد”.
وأكد أن المرتزقة الفاغنر يستعينون بمرتزقة أفارقة داخل الأراضي الليبية لتنفيذ استراتيجية روسيا في القارة عبر استهداف بعض الدول المجاورة لليبيا.
وأضاف: المقصود “معكسر الرجمة” بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح الذين جلبوا المرتزقة.. كذلك بعض السياسيين الذين يخدمون مصالح بعض الدول مستعينين بالمرتزقة داخل الأراضي الليبية، سواء كانوا في غرب أو جنوب أو شرق البلاد.
من جهته، اعتبر العقيد طيار السابق بسلاح الجو الليبي سعيد الفارسي أن تصريح الفريق أول ركن غامض، كونه لم يوضح من هو المحتل، وهل ليبيا فعلا محتلة؟ معتبرا أن الحداد قد بالغ كثيرا في وصف ليبيا بأنها دولة محتلة.
وتساءل العقيد طيار الليبي السابق: من هم المنبطحون ولمن انبطحوا؟ إذا كان يقصد المجتمع الدولي والدول الإقليمية، فالمؤسسة العسكرية هي التي جلبت قوة أجنبية وخضعت لها عن طريق ضباط وعسكريين ليبيين.
وتابع: روسيا على الأرض جاءت عن طريق حفتر والبرلمان ومصر أيضا، أما إذا كان يقصد تركيا، فقد جاءت باتفاقية دولية، وفي ذلك الوقت كان الحداد رئيسا للأركان، وكان يجتمع بشكل رسمي بصفته مع تلك القوات داخل ليبيا وخارجها.
ولفت الفارسي إلى أنه “يجب أن لا ننسى أن ليبيا تحت البند السابع، وكان من الأفضل أن يتحدث عن اللجنة العسكرية 5+5 المسؤولة عن إخراج المرتزقة وتوحيد الجيش وهم عبارة عن ضباط من الغرب والشرق، بمعنى أن الشعب لا يملك قرار إدخال أو إخراج الأجانب، لذلك كان من المفترض توجيه الخطاب للضباط المسؤولين”.
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي عبد الله الكبير إن “اللواء الحداد حث في تصريحاته الشباب على التخلي عن المليشيات والانخراط في مؤسسات الدولة، إذ يبدو أن بعضهم التحقوا بالمؤسسات الأمنية والعسكرية لكنهم ما زالوا يرتبطون بالمجموعات المسلحة المختلفة”.
وأفاد الكبير بأن رئيس الأركان الليبي “يقصد بعض الشخصيات في الطبقة السياسية والعسكرية المهيمنة على السلطة شرقا وغربا وجنوبا، كما أنه يحذر من استمرار هذا الوضع الذي يخدم الأطراف الخارجية على حساب القضية الوطنية”، على حد تعبيره.
هل يتحرك الحداد سياسيا؟
وتتالت تصريحات مشابهة، للحداد خلال الفترة الماضية، حيث أنه أبدى موقفا حاسما من استخدام القوة العسكرية في حل الأزمة السياسية.
ونهاية نيسان/ أبريل الماضي، قال الحداد خلال لقائه ضباط الدفعة (51) من خريجي الكلية العسكرية: “نحثكم على تجنب الصراعات التي تريد إدخال القوات المسلحة في الصراع الدائر لكي تجرها لتنحاز لطرف دون آخر”.
وأضاف رئيس الأركان العامة أن “الدخول في الصراعات سيعود على بلادنا بالخراب والدمار والفرقة والتشتت”.
وفي السياق ذاته، قال الحداد، في كلمة في اجتماع مجلس وزراء حكومة الوحدة، إن “هناك من يجر البلاد اليوم إلى الحرب، ونحن كعسكريين لن نسمح بجرنا لها هذه المرة”.
وأضاف: ننأى بأنفسنا عن كل هذه التجاذبات وفرض أمر واقع، ولن نسمح باستغلال المؤسسة والمسلحين لتحقيق مشاريع والوصول للمناصب”.
وحول فرضية اتخاذ اللواء الحداد خيارا سياسيا في المرحلة القادمة، أعرب العقيد عادل عبد الكافي عن تطلعه لتحرك رئيس الأركان سياسيا باعتبار عوامل عدة، من أبرزها ضعف تعاطي اللجنة العسكرية 5+5 مع ملف المرتزقة وغلق الحقول والموانئ النفطية من قوات تابعة لحفتر.
وأوضح: الحداد حاليا يعكف على إعادة تطوير قدرات الجيش الليبي عبر تقوية المدارس العسكرية وإعادة تجميع شتات المؤسسة العسكرية في المنطقة الوسطى والغربية.
وختم بالقول: لا أتصور أن يتجه لحراك سياسي ولكن نتطلع لذلك ونتمنى أن يقوم بحراك سياسي حتى يساهم في استقرار ليبيا.
كما استبعد المحلل السياسي عبد الله الكبير، أن يرغب الحداد في لعب دور سياسي، لأنه لم يظهر خلال السنوات الماضية أي نية للعمل السياسي، منوها إلى أنه عسكري محترف مشهود له بالكفاءة.
بدوره، رأى العقيد طيار الفارسي، أن الحداد لن يتحرك سياسيا، لأن التحرك يحتاج للمرونة في التعامل مع الواقع على المستوى الدولي والمحلي بعيدا عن التصريحات الإعلامية.
وتابع: أتوقع أن المرحلة القادمة سوف تقاد عن طريق القوة الفاعلة التي تملك القرار على الأرض وبدأت بالفعل الحوارات معهم في جنيف والمغرب ومصر.
من هو الحداد؟
وينحدر رئيس الأركان الليبي محمد علي أحمد الحداد من مدينة مصراتة في وسط البلاد، حيث أنه كان أحد قادة لواء الحلبوص الذي شُكل سنة 2011، إبان ثورة 17 فبراير التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي.
وفي حزيران/ يونيو 2017، كلفه المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية بمهام آمر المنطقة العسكرية الوسطى.
وفي أيلول/ سبتمبر من العام ذاته، كلّف الحداد بتأمين مدينة تاورغاء والإشراف على عودة المهجرين منها إليها واستلام المعسكرات التابعة للجيش.
كما كلفه المجلس الرئاسي في آب/ أغسطس 2018 بالإشراف على ترتيبات وقف إطلاق النار وفض الاشتباكات التي اندلعت بمناطق جنوب طرابلس آنذاك.
وفي الأول من أيلول/ سبتمبر 2018، اختطف الحداد من منطقة كرزاز جنوب مدينة مصراتة، عندما كان يشغل منصب آمر المنطقة العسكرية الوسطى.
وفي 29 آب/ أغسطس 2020، كلف المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني اللواء محمد الحداد برئاسة الأركان العامة، بعد ترقيته إلى رتبة فريق أول ركن.
ومنذ تكليفه، أكد الحداد حرصه على العمل مع قيادات الجيش المختلفة لتطوير القدرات، وبناء جيش ليبي نظامي موحد قادر على حماية الوطن والمحافظة على استقلاله وتأمين حدوده.