استثمارات هائلة واكتشافات واعدة في المغرب فهل يحقق اكتفاءه الذاتي من الطاقة؟
كشفت المديرة العامة “للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن” المغربي، أمينة بنخضرة، بأن مجموع أعمال التنقيب عن الغاز التي نفذتها بلادها في الفترة الممتدة بين 2000 و2022 بلغت 67 بئراً، 40 منها كشفت عن وجود كميات من الغاز الطبيعي.
وأوضحت المسؤولة المغربية أمام اللجنة البرلمانية لـ”البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة”، بأن هذه الاكتشافات، رغم صغر حجمها، تتميز بمردودية اقتصادية نظراً لتوفر شبكة الأنابيب الغازية بعين المكان وسوق محلية متمثلة في عدة وحدات صناعية. وتعمل عليها 11 شركة عالمية ومحلية تربطها بالمكتب المذكور اتفاقات مبرمة.
وفي السياق نفسه، أعلنت وزيرة الطاقة المغربية ليلى بنعلي، عزم المملكة تأسيس مجلس لأمن الطاقة، مهمته تتبع الوضعية الطاقية بالبلاد. فيما تأتي هذه الإجراءات في وقت يعاني فيه المغرب، بوصفه دولة تستورد كل حاجاتها الطاقية من الخارج، من تقلبات سوق المحروقات العالمي واضطراب سلاسل توريده. ما يدفع إلى السؤال حول ما مدى قدرة هذه الاكتشافات على تحقيق الاكتفاء الذاتي المغربي من الطاقة؟
اكتشافات واستثمارات
وأضافت بنخضرة في عرضها أمام اللجنة البرلمانية، بأن شركة “ريبسول” الإسبانية تمكنت من اكتشاف كميات من الغاز بمنطقة الغرب البحري للمغربي، وبالضبط بساحل العرائش. وكذلك في منطقة الصويرة (جنوب غرب) حيث أنتج “هذا الحوض كميات من الغاز والغاز المكثف من طبقات الترياس منذ الثمانينيات، والبترول من طبقات الجوراسي منذ السبعينيات”.
وسبق أن أعلن “المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن” في يناير/كانون الثاني الماضي عن نتائج التنقيبات في ساحل العرائش، والتي وصفها بـ “المشجعة”، حيث كشف عن “وجود تراكم من الغاز بسُمك صاف مجموعه 100 متر، موزع على 6 مناطق يتراوح سمكها ما بين 8 و30 متراً لكل منها”.
وكشفت المسؤولة المغربية في ما يتعلق بالتنقيبات في منطقة ساحل أكادير طرفاية (جنوب غرب)، أنه قد جرى حفر 7 آبار، ثلاثة منها بالمياه غير العميقة، ثبت وجود بترول ثقيل وخفيف نسبياً في اثنين منها بكل من منطقة طرفاية وإيفني البحريتين، في حين جرى حفر 4 آبار بالمياه العميقة، كشفت 3 منها عن مؤشرات البترول والغاز.
وتنضاف هذه الاكتشافات إلى الحقل الذي جرى العثور عليه في منطقة تندرارة جنوب شرق البلاد، حيث يبلغ احتياطي هذا الحقل من الغاز القابل للاستخراج 10.7 مليار متر مكعب، ومن المقدر أن يستمر استغلاله إلى حدود سنة 2067. وانطلقت الشركة البريطانية المستغلة له “ساوند إنيرجي” في عملية تسويق إنتاجه، ذلك بالتعاقد مع “مكتب الكهرباء والماء” المغربي لتوريده بحوالي 350 مليون متر مكعب سنوياً من الغاز لمدة عشر سنوات.
وقالت المديرة العامة للمكتب المغربي للهيدروكربون والمعادن، بأن إجمالي الاستثمارات في التنقيب عن الغاز والبترول في البلاد بلغ 28 ملياراً و845 مليون درهم (2.94 مليار دولار)، منذ عام 2000 حتى نهاية 2021.
وفي السياق ذاته أعلنت وزيرة الانتقال الطاقي المغربية ليلى بنعلي الأربعاء، عزم المغرب تأسيس مجلس لأمن الطاقة، مهمته “التتبُّع الدقيق للوضعية الطاقيَّة (أوضاع الطاقة) في البلاد”، كما أعلنت عن اقتراح “إجراءات مناسبة يجب إقرارها إذا تَعرَّض قطاع الطاقة في المملكة للصدمات”. وقالت بنعلي: “سنعمل على تحديد الموادّ المعنية بالمخزون الطاقي الأمني وضمان السيادة الطاقية بالبلاد” في وقت لا تغطي فيه هذه الأخيرة “الحد الأدنى لمخزون المواد البترولية” حسب الوزيرة.
هل يحقق المغرب اكتفاءه الذاتي من الطاقة؟
مع قطع توريد الغاز الجزائري نحو أوروبا عبر الأراضي المغربية، حُرمت المملكة من 600 مليون متر مكعب كانت تعتمد عليها في تغطية جزء كبير من حاجياتها التي بلغت سنة 2021 حوالي مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
بينما لا يستطيع غاز تندرارة تغطية هذا الطلب، حيث تقدر شركة “ساوند إنيرجي” أن الإنتاجية القصوى لذلك الحقل تصل تقريباً إلى 532 مليون متر مكعب سنوياً، حصة المغرب منها لا تتعدى 350 مليون متر مكعب. وبالكيفية داتها الاكتشافات الأخرى التي “تبقى صغيرة” حسب وصف وزيرة الطاقة المغربية.
وحسب الخبير الاقتصادي المغربي، عبد النبي أبو العرب، في حديثه لصحيفة “هيسبريس” الإلكترونية المحلية: فإن “للمغرب حاجيات كبرى، وقدرته محدودة جداً، إلا أن التطورات الإيجابية الأخيرة تبعث على الأمل والاطمئنان”. مضيفاً أن “الاكتشافات الطاقية في المغرب مهمة جداً، بالنظر إلى ارتباط البلد بشكل شبه كامل في هذا المجال بالاستيراد”.
هذا ويواجه هذا السعي المغربي الطموح لتحقيق اكتفائه الذاتي من الغاز، التزايد المضطرد للطلب الداخلي عليه. فحسب تقديرات وزيرة الانتقال الطاقي المغربية، ليلى بنعلي، فإن استهلاك البلاد من الغاز سيرتفع من مليار متر مكعب في 2021 إلى 3 مليارات متر مكعب في 2040.