فارس مسيحي وزعيم وطني.. تَعرَّف علاقات بوتين باليمين المتطرف الأوربي
في 7 فبراير/شباط الماضي، على أمواج إذاعة “فرانس أنتير”، سُئل اليميني المتطرف الفرنسي والمرشح الرئاسي إريك زمور عن موقفه من الحشد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا، فأجاب بأن “بوتين يدافع عن مصالحه؛ هو رجل وطني، ومن الشرعي أن يدافع على مصالح بلاده”.
وجه يميني متطرف فرنسي آخر عبّر باحتشام عن دعمه الهجوم الروسي على أوكرانيا، هو مارين لوبان زعيمة حزب “التجمع الوطني”، التي رفضت الإدانة الصريحة للعمليات العسكرية التي تنفّذها قوات بوتين في الأراضي الأوكرانية.
بين الموقفين يتسع نسيج اليمينيين المتطرفين الأوروبيين الذين تربطهم علاقات قوية بالرئيس الروسي، يمجدونه ويدعمون خطواته المهدّدة لأمن بلدانهم الأم. هم في ذلك يخدمون سياسات بوتين في المنطقة وييسّرون له الطريق لبسط النفوذ. في المقابل يكافئهم سيد الكرملين بدعم سياسي وإعلامي وتمويلات مالية.
بوتين واليمين المتطرف.. علاقات متشابكة؟
ليست أول مرَّة تدعم فيها مارين لوبان أعمال بوتين العدائية ضد أوكرانيا، ففي سنة 2014 وصفت احتلال روسيا شبه جزيرة القرم بـ”الخطوة المشروعة”، مدافعة عن موقفها ذاك بأن “القرم كانت طول تاريخها روسيَّة” وأنها احتُلّت “بإجراء استفتاء شعبي”.
وليس اليمين المتطرف الفرنسي الوحيد في أوروبا الغربية الذي تربطه علاقات ببوتين، بل غيره كثير، أبرزهم نايجل فاراج زعيم حزب “بريكسيت” البريطاني (حزب الاستقلال سابقاً)، الذي سبق أن صرَّح بإعجابه الكبير ببوتين، لكونه “يتمتع بالذكاء الاستراتيجي وقادراً على ثني الغرب الذي تلطخت يداه بدعم الثورات في ليبيا وسوريا”.
في ألمانيا كذلك تقول تقارير إعلامية إن عدداً كبيراً من نواب حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف لهم علاقات وطيدة مع موسكو، بمن فيهم النائب ستيفان كوتر، الذي تَردَّد على موسكو أكثر من مرة، وزار إقليم أبخازيا الانفصالي المدعوم روسياً ومنطقة قرة باغ التي حررتها أذربيجان مؤخراً.
في إيطاليا أيضاً، حيث يكنّ زعيم حزب “الرابطة” اليميني المتطرف ماتيو سالفيني إعجاباً كبيراً لبوتين، لدرجة أنه نشر في السابق صورة شخصية لزيارته الساحة الحمراء بموسكو وهو يلبس فيها قميصاً عليه وجه بوتين مرفقاً به عبارة “جيش روسيا”. هذه الصورة التي جرَّت عليه انتقاد عمدة مدينة برزيميسل البولندية الحدودية، رافعاً نفس القميص في وجهه، هاتفاً: “انظر ما فعل صديقك بآلاف المهجَّرين الأوكران”.
فيما تعتبر الصحافة النمساوية أن مستشار بلادها اليميني الشعبوي سيباستيان كورتز “الصديق المقرَّب” لبوتين بين القادة الأوروبيين، وسبق لنائب المستشار النمساوي أن دعا لتطبيع أوروبا علاقاتها مع روسيا، معتبراً العقوبات التي طُبقت عليه “بائسة”.
ما المقابل؟
حسب الباحثة ألينا بولياكوفا، رئيسة مؤسسة “المركز الأوروبي لتحليل السياسات”، فإن ما يجمع اليمين المتطرف الأوروبي وروسيا بوتين هو العداء المشترَك للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. فـ”اليمينيون الأوروبيون يرون في بوتين ذلك القائد الذي يدافع عن سيادة وطنه والقيم المحافظة، الذي يتحدى الهيمنة الأمريكية وفكرة الاتحاد الأوروبي”، تقول الباحثة.
مقابل ذلك يقدّم الكرملين دعماً مالياً وسياسياً كبيراً، ففي سنة 2017 في أثناء حملتها الانتخابية الرئاسية، حلّقَت مارين لوبان من باريس نحو موسكو، والتقت الرئيس بوتين. قبلها بثلاث سنوات كانت لوبان وحزبها حصلا على تمويل روسي فاق 9 ملايين يورو.
في سنة 2019 كشف تحقيق للصحيفة الألمانية “دير شبيغل” عن علاقات بين أعضاء حزب “البديل من أجل ألمانيا” والكرملين تهدف إلى مهاجمة البلاد بحملات إعلامية مضللة. كتبت وقتها الصحيفة الألمانية أن “موسكو تسعى إلى استغلال سياسيِّي حزب “البديل من أجل ألمانيا” في حربها الإعلامية ضد ألمانيا”، واصفة أولئك السياسيين بـ”دُمَى بوتين”.
في نفس السنة استدعت الشرطة الإيطالية ماتيو سالفيني للتحقيق بتهمة “السعي للتحصل على تمويلات مشبوهة من روسيا”، وذلك بعد أن كشف موقع “Buzzfeed” الأمريكي عن تسجيل مسرب لمفاوضات جمعت ثلاثة سياسيين من حزب “الرابطة الإيطالي، منهم ماتيو سالفيني الذي كان وزير داخلية البلاد، وثلاثة أشخاص روس.
فارس المسيحية.. يد بوتين في البلقان!
بينما تهزّ أصداء الهجوم الروسي على أوكرانيا أوروبا، نظمت جماعة “دوريات الشعب” الصربية اليمينية المتطرفة مسيرة دعم لبوتين، رفعت خلالها الأعلام الروسية والصلبان، كما أنشد السلام الوطني الروسي وهتف بـ”النصر لروسيا الأم”. وصرّح مشارك في تلك المسيرة لوكالة رويترز بأن روسيا “تدافع عن الإنسانية وعن التحضر وعن الأرثودوكسية”، واصفاً حرب أوكرانيا بأنها “معركة بين الخير والشر، وبإرادة الله ستفوز أمُّنا روسيا فيها”.
فيما تُضاف تلك المسيرة إلى أحداث كثيرة تكشف استثمار بوتين في المشاعر القومية الصربية في البلقان، واللعب على الوتر الديني من أجل تعزيز هذه النزعة، معززاً نفوذه على منطقة تدفعها هذه التغيرات إلى العودة إلى مستنقَع العنف الذي عاشته في تسعينيات القرن الماضي.
ويدعم بوتين التحركات الانفصالية الخطيرة التي يقودها زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك، الذي سبق له أن قال: “عندما أذهب إلى بوتين لا أكون بحاجة إلى تقديم مطالب، بل هو الذي يسألني عما يمكن فعله لمساعدتي”، مضيفاً أن “الرئيس الروسي لم يخذلني قط عندما قدّم لي وعوده، وعلى هذا الأساس ثقتي به كبيرة”.
وتتمثل المساعدة الروسية لدوديك، سياسياً في عرقلة أعمال المبعوث الأممي للبوسنة كريستيان شميت، إذ هدّدَت موسكو بتعطيل التصويت على تجديد مهامّ القوات الأوروبية في البوسنة والهرسك “يوروفار” إن لم يسحب شميت اتهاماته للمسؤولين الصرب، وعسكريّاً في تدريب مليشيات “الشرف الصربي” المتطرفة، لدعم مخطَّط انفصال صرب البوسنة.