مناجم أفغانستان وثرواتها المعدنية النادرة
اشتهرت أفغانستان منذ قرون بأن لديها من المناجم والثروات ما تستطيع به التخلص من الفقر ومن الاعتماد على الخارج، لكن البلاد تواجه منذ 4 عقود تحديات كبيرة في التنقيب في هذه المناجم واستخراج الثروات منها في طول البلاد وعرضها.
وتقول وزارة المناجم الأفغانية إنها طلبت من الشركات الدولية الاستثمار في أفغانستان، ومنعت التنقيب العشوائي في المناجم، ووضعت غرامة مالية باهظة على كل من ثبت تورطه في التنقيب من دون رخصة رسمية من الحكومة الأفغانية الجديدة.
ويقول مصدر في وزارة المناجم للجزيرة نت “تؤكد التقارير الرسمية أن التعدين العشوائي من عام 2001 إلى عام 2021 كلف الحكومة الأفغانية 300 مليون دولار سنويا، والآن وضعت طالبان قيودا مشددة على التعدين، وفعلا توقف في بعض الأماكن”.
عُرفت أفغانستان بأنها مصدر للأحجار الكريمة وشبه الكريمة، ويرجع تاريخ المسح الجيولوجي والتعدين في البلاد إلى بضعة قرون.
ويقول عبد الكبير زدران الأستاذ في جامعة كابل للجزيرة نت “إن تاريخ التعدين في أفغانستان يرجع إلى 6 آلاف سنة، والتنقيب في منجم نحاس في ولاية لوغر (جنوبي العاصمة كابل) يؤكد لنا ذلك”.
وقبل بداية القرن الـ19، بذل الجيش البريطاني جهودا منتظمة لتقييم الموارد المعدنية في المنطقة، ومنذ ذلك الحين قامت فرق جيولوجية مختلفة بالبحث في المناطق الواقعة على طول طريق الحرير.
ویقول أحمد ضياء رئيس دائرة الخرائط في وزارة المناجم للجزيرة نت “في عام 1955 بدأ عهد جديد من الدراسات الجيولوجية، وخصصت جامعة كابل قسما لهذه الدراسات، وتعمل الوزارة منذ 30 سنة مسحا منظما لتلك المناطق التي تحتوي على المناجم والثروات المعدنية في عموم أفغانستان وترفع تقارير علمية إلى الحكومة الأفغانية بهدف جلب الاستثمار الأجنبي، ولكن الوضع الأمني حال دون ذلك”.
كان الجيولوجيون الألمان والإيطاليون والفرنسيون حاضرين في أفغانستان في أوائل القرن الـ19 لأنشطة جيولوجية، وساعدوا في رسم الخرائط.
ويقول عبد القدير مطفي المتحدث السابق بوزارة المناجم للجزيرة نت “تم تطوير خرائط جيولوجية، وسجلنا أن أفغانستان لديها أكثر من 1400 منجم للأحجار الكريمة والثروات المعدنية في عموم البلاد، وتعدّ هذه الحقبة أهم مرحلة في التنقيب عن المناجم حتى الآن، وأسفرت تقارير عديدة عن ظهور مناجم وموارد طبيعية”.
ثروات ضخمة
بخلاف الصورة النمطية التي يعتقد البعض بموجبها أن أفغانستان سلسلة من الجبال والمساحات الوعرة، فإن أراضيها تحتفظ بثروات ضخمة تحتوي مخزونا من الأحجار الكريمة والمناجم تُقدّر قيمتها بنحو تريليون دولار، وذلك يعطي الأفغان الأمل بمستقبل مشرق، لكن التوتر الأمني يحول دون الاستفادة من هذه الثروات، ومنذ 4 عقود تعمل جماعات مسلحة على استخراج مخزون هذه المناجم لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية.
ويقول مصدر في وزارة المناجم الأفغانية للجزيرة نت “منذ 4 عقود لم تتمكن الحكومة المركزية من التنقيب في المناجم التي تقع في ولايتي كونر وبنجشير وبدخشان، لأنها كانت تقع في المناطق التي تسيطر عليها جماعات معارضة للحكومة وهو تحدٍّ لم تتغلب عليه الحكومات المركزية، حتى طالبان لم تتمكن من وضع حد لما يحدث الآن في ولاية كونر وبنجشير”.
ويمكن تقسيم الولايات الأفغانية حسب وجود مناجم للأحجار الكريمة، فيوجد في ولاية بدخشان الأفغانية لازورد، وفي بنجشير زمرد، وفي الولايات الجنوبية يوجد عقيق بخاصة في ولاية هلمند.
ويقول تاجر الأحجار الكريمة نيسم خان للجزيرة نت “يوجد أكثر من 10 مناجم عقيق في ولاية هلمند (جنوبي أفغانستان)، وأعمل منذ 8 سنوات في هذه المنطقة للبحث عن الأحجار الكريمة”.
وأهم ما يميز ولاية هلمند وغزني وهرات ونيمروز استكشاف الليثيوم، وتقدر قيمته بنحو 3 تريليونات دولار.
ويقول عيسى خان أندر المسؤول السابق في القصر الرئاسي للجزيرة نت “قام علماء الجيولوجيا والباحثون العاملون في الجيش الأميركي بدراسة استقصائية في عام 2010، وقدروا قيمة موارد الليثيوم في 3 ولايات أفغانية بـ3 تريليونات دولار، ومنذ ذلك الوقت ركز الإعلام الأجنبي على ثروة أفغانستان المعدنية وبدأ التنافس بين كبرى شركات التنقيب، لكن الوضع الأمني هو السبب الرئيس في عدم الاستفادة من هذه المناجم”.
واكتشفت خامات الليثيوم في أفغانستان أول مرة من قبل خبراء التعدين السوفياتيين السابقين في الثمانينيات، وأبقوا الأمر سرا وأعلنوا عنه في عام 2004، لأن فريقا من الجيولوجيين الأميركيين عثروا على مستندات ووثائق في مكتبة المسح الجيولوجي الأفغاني.
يقول غلام نبي كاركر مسؤول قسم الأرشيف في وزارة المناجم الأفغانية للجزيرة نت “منذ سبعينيات القرن الماضي بدأ خبراء روس دراسات بحثية في قطاع المناجم وكانوا يقدمون نسخة من دراساتهم إلى الحكومات السابقة، ولكن في عهد الرئيس الأفغاني الأسبق نجيب الله وبعد انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان أدركنا أنهم كانوا يقدمون لنا صورة مغايرة عن دراساتهم؛ وهذا ما تؤكده الدراسات الحالية للمناجم والثروة الموجودة في أفغانستان”. وظهر ذلك أيضا عندما عثر فريق من الجيولوجيين الأميركيين على مجموعة من المخططات والبيانات القديمة في مكتبة المسح الجيولوجي الأفغانية في كابل.
وبدأت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية عمليات المسح الجوي للموارد المعدنية الأفغانية باستخدام معدات قياس للجاذبية والمغناطيسية متقدمة بطائرة المراقبة “P-3 أوريون” في مناطق كثيرة من أفغانستان.
معادن نادرة
وبناء على بحث مكثف استغرق 10 سنوات خلص الباحثون إلى أن أفغانستان تمتلك 60 مليون طن من النحاس، و2.2 مليار طن من خام الحديد، و1.4 مليون طن من العناصر النادرة للمعادن، إلى جانب المناجم الكبيرة للألمنيوم والذهب والفضة والزنك والزئبق.
وتُظهر التحليلات الأولية أن ولاية غزني تحتوي على أكبر احتياطيات من الليثيوم تبلغ 21 مليون طن.
وتحتوي أفغانستان على 5 مناجم للذهب أشهرها في ولاية بغلان في الشمال، وعلى 400 نوع من الرخام.
ويعتقد الخبراء أن تعدين الليثيوم في أفغانستان وحده يمكن أن يدرّ مليارات الدولارات من الثروة على البلاد، وذلك يحوّل أفغانستان من دولة فقيرة بحاجة إلى مساعدات أجنبية إلى دولة غنية ومتقدمة، لكن الشرط الأساسي للتعدين، الذي يتطلب استثمارات كبيرة وآليات كبيرة، هو توفير الأمن والاستقرار السياسي في أفغانستان من أجل تمهيد الطريق للتعدين.
ومن بين أبرز عناصر الثروة المعدنية التي تشتهر بها أفغانستان النحاس، فهي تمتلك ثاني أكبر احتياطي في العالم منه بقيمة تقدر بنحو 88 مليار دولار، فضلا عن نحو 2.2 مليار طن من خام الحديد.
وتمكنت الشركة الصينية “MCC” من الحصول على عقد تنقيب في هذا المنجم الذي يقع في ولاية لوغر (جنوبي العاصمة كابل)، وبسبب عدم الاستقرار والحرب المستمرة كان التعدين في المنجم بطيئا وتوقف في النهاية.
ويقول الخبير الجيولوجي جاويد كريمي للجزيرة نت “إذا حافظت أفغانستان على الهدوء لبضع سنوات، وطوّرت البنية التحتية فقد تصبح واحدة من أغنى البلدان في المنطقة في عقد من الزمان فضلا عن الأمن والبنية التحتية اللازمة وتدريب العمال، والأمر يستغرق 16 عاما في المتوسط من اكتشاف رواسب المنجم لبدء الإنتاج”.
آليات لتنظيم العمل
ويقول مصدر في مكتب وزير المناجم شهاب الدين دولار للجزيرة نت “وافق مجلس الوزراء على آلية تنظم استخراج الرخام من 3 مناجم في ولاية وردك ومنجم لازورد في ولاية بدخشان، وجاء القرار تفاديا لمنع الفساد في قطاع التعدين”.
وتفكر الحكومة الأفغانية الجديدة في بناء قوة خاصة لتأمين المناجم، بسبب انتشار التعدين غير القانوني في جميع أنحاء أفغانستان.
ويقول مصدر في الداخلية الأفغانية للجزيرة نت “على مدى العقدين الماضيين جمع أمراء الحرب والمسلحون عائدات من ألفي منطقة تعدين في أفغانستان، وتمكنت حركة طالبان من وضع حد في مناطق كثيرة، ويتطلب الأمر بذل جهود كبيرة فبعض المناجم يقع في المناطق الجبلية ويشهد توترا أمنيا مثل بنجشير وولاية كونر”.
وقبيل وصول حركة طالبان إلى السلطة كانت أفغانستان تجني 160 مليون دولار فقط من بيع الأحجار الكريمة سنويا.
ويقول مسؤول سابق في لجنة مكافحة الفساد للجزيرة نت “إن 40% من إيرادات المناجم كانت تذهب إلى جيوب أمراء الحرب في أفغانستان، وما حدث في مديرية كيران ومنجان في ولاية بدخشان دليل واضح على الفساد والسرقة؛ فقد كانت هناك شراكة إستراتيجية بين أمراء الحرب ونواب برلمانيين لنهب هذه الثروات”.
من جهتها، قالت مجلة “ذا ديبلومات” (the diplomat) الأميركية في تقرير لها نشر في شهر يناير/كانون الثاني الماضي “يُنظر إلى ثروات أفغانستان من المعادن الثمينة على أنها وسيلة للتخلص من الفقر والتبعية للخارج، لكن البلاد تواجه تحديات كبرى في استخراج تلك الكنوز المخفية”.
في هذا التقرير يقول الكاتب فرانز مارتي إن جبال أفغانستان الممتدة عبر أنحاء البلاد تحتوي مخزونا من الأحجار الكريمة والمعادن تُقدّر قيمتها بنحو تريليون دولار، وذلك يعطي الأفغان الأمل بمستقبل مشرق.