لهذه الأسباب أعلن بوتين الحرب على أوكرانيا
في تطوّر مفاجئ، وخلافاً لكثير من التقديرات، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في وقت مبكر من صباح الخميس، انطلاق عملية عسكرية في أوكرانيا.
وفي خطاب للشعب، حرص بوتين على توضيح أن الظروف تطلبت اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية، بعد أن توجهت جمهوريات دونباس إلى موسكو لطلب المساعدة، مؤكدًا أن خطط بلاده لا تشمل احتلال أوكرانيا لكنها ستعمل على نزع سلاحها.
وقال “هدف العملية العسكرية حماية الأشخاص الذين تعرضوا للتنمر والإبادة الجماعية من قبل نظام كييف 8 سنوات، ولهذا سنسعى جاهدين لنزع سلاح أوكرانيا، وتقديم من ارتكبوا جرائم دموية عديدة ضد المدنيين، بمن فيهم مواطنون روس، إلى العدالة”.
وستنقل الاشتباكات، بين روسيا والقوى القومية في أوكرانيا، الحرب عاجلاً أو آجلاً إلى شبه جزيرة القرم، كأمر لا مفر منه حسب بوتين الذي أضاف أن موسكو “لن تسمح لهم بامتلاك أسلحة نووية، وأن السيطرة على هذا البلد من قبل حلف شمال الأطلسي أمر غير مقبول”.
ودعا بوتين جنود الجيش الأوكراني إلى عدم تنفيذ “الأوامر الإجرامية” وإلقاء أسلحتهم على الفور والعودة إلى ديارهم، ومن يفعل ذلك سيتمكن من مغادرة منطقة القتال بحرية والعودة إلى دياره وأسرته.
وقال أيضا إن محاولات بلاده للتفاوض مع الولايات المتحدة وحلفائها، حول مبادئ الأمن وعدم توسيع حلف شمال الأطلسي، أثبتت فشلها.
تبدّل الموقف
ويأتي قرار الكرملين بدء عملية عسكرية في أوكرانيا بعد أن أكدت موسكو، لأكثر من مرة، أنها لا تنوي القيام بعمل عسكري ضد جارتها، خلافًا لما كانت تردده واشنطن والعواصم الغربية، مما يثير تساؤلات حول الأسباب التي دعت بوتين للتراجع عن هذا الموقف.
وفي قراءة لخطاب الرئيس الروسي، يربط الخبير الإستراتيجي ألكسندر دودتشاك، تغير الموقف الروسي، بعدم تقديم الغرب ردودًا مرضية على مطالب موسكو بتوفير الضمانات الأمنية.
وفي نفس الوقت، يقول دودتشاك إن المنظومة الغربية تجاهلت الحشود العسكرية الأوكرانية على خطوط التماس مع إقليم دونباس، وكذلك القصف الذي شنته ضد القوات المسلحة التابعة لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك هناك، والذي أدى لسقوط عشرات القتلى وبدء حركة نزوح جماعية للمدنيين.
استباق الأحداث
ولفت الخبير الروسي، في حديث للجزيرة نت، إلى أهمية الأخذ بعين الاعتبار الحشود العسكرية الأوكرانية من مختلف القوات و”التي لا يختلف اثنان على أنها كانت تحضيرا لعمل عسكري ضد دونباس، لا سيما بعد اعتراف روسيا بدونيتسك ولوغانسك، والذي قوبل بعقوبات جديدة على موسكو، بدلاً من تفهّم هواجسها الأمنية التي تراكمت، ولكنها لم تلقَ سوى الازدراء والاستخفاف من قبل الغرب”.
وعلاوة على ذلك، قال الخبير الإستراتيجي إن خطاب بوتين كان شاملا ومتماسكا، وحمل في طياته، كما هو الحال في خطاب الاعتراف بدونيتسك ولوغانسك، إعادة تذكير بـ “الحقائق التاريخية المتعلقة بالإنشاء غير الشرعي للكيان الأوكراني” وفي نفس الوقت “الموقف العدائي للنظام في أوكرانيا تجاه موسكو، ومشاركة الغرب بشكل مباشر في محاولة إضعاف روسيا وخنقها”.
عشية بدء العملية
وتدهورت الأوضاع في دونباس بشكل دراماتيكي الأيام الأخيرة. ووفقًا لوزارة الدفاع الروسية، ركّزت أوكرانيا معظم قواتها على خطوط التماس، وأطلقت النار بانتظام على القوات المسلحة في الجمهوريتين باستخدام أسلحة وذخائر محظورة، وترافق ذلك مع عملية إجلاء للنساء والأطفال والمسنين إلى المناطق الروسية، وإعلان التعبئة العامة.
وفي 19 فبراير/شباط الجاري، توجّه قادة الجمهوريات المعلنة من جانب واحد إلى روسيا مطالبين بالاعتراف باستقلالهم. وفي 21 فبراير/شباط، وقع بوتين المراسيم ذات الصلة، وأمر بضمان الحفاظ على السلام في المنطقة.
وليلة الخميس، طلبت دونيتسك ولوغانسك من موسكو حمايتهما مما اعتبراه عدوانًا من الجانب الأوكراني.
ومع بدء الساعات الأولى من العملية العسكرية، أفادت وزارة الدفاع الروسية بشن ضربات محددة على منشآت البنية التحتية العسكرية الأوكرانية، واستهداف المطارات ومراكز القيادة في مناطق كييف وخاركوف وأوديسا.
كما أعلنت هيئة الأركان عن تحييد أنظمة الدفاع الجوي، وتدمير البنية التحتية للقواعد الجوية الأوكرانية.
صبر روسيا نفد
وقال الخبير العسكري فيتالي ليوتفكين، تعليقًا على قرار بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، إن صبر روسيا وانتظارها لتحرك غربي ينقذ الموقف، قد نفد.
وبرأيه، فإن قرار التحرك العسكري وبدء عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا جاء متأخرًا، وكان يجب أن يكون قبل ذلك، لكن روسيا، كانت تراهن على انفراج اللحظة الأخيرة.
ورأى ليوتفكين، في حديث للجزيرة نت، أن كافة المعطيات أفضت إلى ضرورة تحرك عسكري عاجل، والذهاب إلى خيار إجبار كييف على السلام، ولو من خلال استخدام القوة.
ورأى أن روسيا كانت تؤكد عدم نيتها القيام بعمل عسكري ضد أوكرانيا وسعت قبل قرار التدخل العسكري إلى استخدام منصة الأمم المتحدة، وطلبت من فرنسا وألمانيا الضغط على أوكرانيا “ولكن بدلاً من تحرك دبلوماسي وتعاطٍ جاد مع الهواجس الروسية، رد المستشار الألماني بتهكّم وتحدث عن مزاعم حصول إبادة جماعية في دونباس، وبحزمة عقوبات جديدة ضد موسكو”.
ومن الأسباب التي دعت لاتخاذ هذا القرار اللحظة الأخيرة، أيضا، برأي الخبير العسكري، مواصلة الرئيس الأوكراني سياسة استفزاز روسيا، بالحديث عن امتلاك أسلحة نووية، رغم إدراكه، والحلفاء في الغرب، أن هذا خط أحمر لا يمكن أن تسمح موسكو بتجاوزه.
واعتبر الخبير العسكري أنه، بذلك، أعاد تكرار خطأ الزعيم الألماني أدولف هتلر، الذي أفضت حروبه واستفزازاته ضد الاتحاد السوفياتي، خلال الحرب العالمية الثانية، إلى دخول الجيش الأحمر برلين.