بالوعات الصرف الصحي في مصر مصيدة لموت الأطفال
قبل أسبوع واحد فقط من فاجعة الطفل المغربي ريان التي خطفت قلوب وأنظار العالم، كانت مأساة أخرى مشابهة قد وقعت في ضاحية المعصرة القريبة من مدينة حلوان (جنوبي القاهرة)، ولكن ربما بشكل أكثر قسوة وألما، ومن دون أي ضجيج عالمي أو حتى محلي.
بدأت فصول القصة المؤلمة حينما تلقت أجهزة الأمن في مصر بلاغا من ربة منزل يفيد بتغيب طفلها البالغ من العمر 7 سنوات. ووفقًا لما نشرته وسائل الإعلام المصرية، فإن جهود البحث التي قامت بها الجهات الشرطية انتهت إلى أن الطفل قد سقط في بالوعة صرف صحي مكشوفة، وهي أشبه بالبئر التي سقط فيها الطفل ريان المغربي.
في النهاية، تمكنت الأجهزة المختصة -بعد الاستعانة بغواص وأدوات إنقاذ- من انتشال جثة الطفل ولكن بعد فوات الأوان، إذ كان لفظ أنفاسه الأخيرة داخل بالوعة الصرف.
والحادث -رغم قسوته ومرارته- لم يتسبب في ضجيج إعلامي بمصر، كونه بات متكررا مثل حوادث الطرق، وسبقته العشرات من الحوادث المشابهة، حسب ما نشرت الصحف المصرية، ومنها حادث وفاة طفل يبلغ من العمر 10 سنوات في مدينة السلام الواقعة على أطراف القاهرة، بعدما سقط داخل بالوعة صرف صحي في أثناء توجهه لشراء بعض الأدوات المدرسية.
وفي حين وقفت الإنسانية على أطراف أصابعها تدعو للطفل المغربي ريان بالنجاة من الموت، كان الموقف مختلفا حيث لا يبدو أن أحدا حرك ساكنا داخل مصر أو خارجها تجاه المآسي المشابهة، التي باتت -لتكرارها- تشبه عرضا مفتوحا بمدن مصر.
ما بعد ريان
وكان ملحوظا أن حادثة وفاة الطفل المغربي ريان قد حركت العديد من الحكومات لمراجعة أحوال البنية التحتية لديها، حيث أعلنت السعودية مثلا عن البدء في ردم الآلاف من الآبار المكشوفة والمهجورة والمهملة، كما صدرت تصريحات مشابهة من دول خليجية أخرى وكذلك الأردن، فضلا عن قرار المغرب بردم كل الآبار المكشوفة على غرار البئر التي سقط فيها ريان.
وفي مصر، أعلن مسؤولون محليون أنهم سيتصدون بكل قوة للصوص وتجار الخردة، الذين يسرقون الحديد الذي تتكون منه أغطية بلاعات الصرف الصحي، وهو ما يؤدي إلى تحويلها إلي آبار مكشوفة ومصيده للموت خاصة للأطفال، على حد تعبير محمد حمص، رئيس مدينة المطرية في محافظة الدقهلية.
ونقلت صحيفة أخبار اليوم (حكومية) عن حمص أن مدينته مثل مدن أخرى تشهد سرقة أغطية البلاعات ممن يعملون في جمع الخردة (الأشياء القديمة خاصة المصنوعة من الحديد ومعادن أخرى) من أجل بيعها.
سرقة 12 ألف غطاء بلاعة
لم يكن حمص هو المسؤول الوحيد الذي أرجع السبب الرئيسي في تحول بالوعات الصرف الصحي إلى مصيدة لموت الأطفال إلي ظاهرة سرقة أغطية البالوعات وبيع ما فيها من حديد إلى تجار الخردة.
فحسب إحصائية رسمية أصدرتها الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي ونشرتها صحيفة الدستور (المقربة من السلطة)، فإنه تمت سرقة 12 ألف غطاء بلاعة على مستوى الجمهورية في 3 شهور فقط من عام 2019، ووفقا للإحصائية حازت القاهرة على نصيب الأسد حيث تفقد 1787 بلاعة غطاءها، في حين جاءت الإسكندرية في المرتبة الثانية، وتلتها الجيزة.
وأشار بيان الشركة إلى أنه يتم تصنيع 6 آلاف غطاء بالوعة إضافي سنويًا، لتعويض ما تتم سرقته في القاهرة فقط.
ولفت بيان الشركة الحكومية إلى أن تكلفة غطاء البلاعة تتراوح ما بين 3 آلاف و4 آلاف جنيه، مضيفا أن قيمة الخسائر في القاهرة فقط تقدر بنحو 25 مليون جنيه سنويًا، بسبب سرقة أغطية البالوعات.
مبادرة حياة كريمة
وعن الخطوات التي اتخذتها السلطات للقضاء على مصائد موت الأطفال المنتشرة في شوارع القاهرة والمحافظات، قال مصدر برلماني بلجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب إن “الإهمال هو السبب الأساسي في كارثة سقوط الأطفال في بلاعات الصرف الصحي”.
وأضاف المصدر أن “نصف موازنة مبادرة حياة كريمة -التي أعلن عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العام الماضي- والتي تصل إلى 40 مليار دولار ستذهب للصرف الصحي”.
ووفقا لما نشرته صحف ومواقع مصرية، فإن ميزانية مياه الشرب والصرف الصحي في الموازنة العامة للدولة وصلت إلى رقم غير مسبوق وهو 33 مليار جنيه.
وعن كيفية التعامل مع حادث سقوط طفل في بالوعة صرف صحي، قال مصدر بالحماية المدنية إن “فرق الإنقاذ تقوم بالتوجه إلى مكان البلاغ مصطحبة المعدات والتجهيزات والأطقم الطبية، ثم تبدأ بتقييم الحالة وقد تضطر أحيانا للاستعانة بالقوات المسلحة في حوادث سقوط الأطفال أو الكبار في بالوعات الصرف الصحي، خاصة في الحالات المتعسرة”.
لكن المؤسف -وفقا للعامل بالحماية المدنية- هو أن “السواد الأعظم ممن يسقطون في البالوعات يتم استخراجهم جثثا، لا أحياء”، مشددا على ضرورة الرقابة على أغطية البالوعات وتغليظ العقوبة على المقاولين الذين ينفذون بالوعات غير آمنة.
مشاهد مؤلمة
”
مشهد مروع لا أستطيع أن أنساه حينما شاهدت مقطع فيديو لاستخراج جثة طفل سقط في بالوعة صرف صحي بمدينة المعصرة” هكذا علق المواطن محمد سليمان علي قضية سقوط الأطفال في بالوعات الصرف الصحي، وأضاف “لا أتخيل كيف سيكون حال أبويه حينما يعود ابنهم إليهم جثة هامدة، أنا لست أباه، ولم أشاهد الموقف على الطبيعة، ولكني حينما شاهدت الفيديو شعرت بأنني سأموت من الحزن على هذا الطفل البريء”.
ولفت سليمان إلى أن العالم كله اهتز وجدانه وانتفضت إنسانيته بسبب قضية الطفل ريان، لكنه لم يشاهد ولم ير كم ريان مات في مصر في آبار الصرف الصحي، مختتما بأنه يعيب على الإعلام المصري اهتمامه بقضايا تافهة، وترك قضية من أخطر القضايا وهي قضية موت الأطفال في بالوعات الصرف الصحي.