محتجزون بمصر يختفون بعد تسريب تعذيبهم بمركز شرطة
فقدت عائلات مصرية الاتصال بأقربائهم المحتجزين في مركز شرطة “السلام” منذ نشر مقطع فيديو يفصل الانتهاكات بحقهم.
ويثير الأمر مخاوف من تعرضهم للاختفاء القسري.
جاء ذلك بحسب ما نشره موقع “ميدل إيست أي” البريطاني، نقلا عن مصادر أكدت انقطاع الاتصال بعشرات المعتقلين مع أقاربهم.
وقال أحد المصادر للموقع، إنهم يعتقدون أن المعتقلين قد أُبعدوا من مركز الشرطة لاستخدام شهادات لهم بأنهم لم يتعرضوا للتعذيب على عكس ما وثقه فيديو انتشر بشكل واسع ما سبب فضيحة للسلطات المصرية.
وتبث أجهزة الأمن المصرية بشكل روتيني مقاطع فيديو لنزلاء يدلون باعترافات كدليل قبل المحاكمة. ووثقت جماعات حقوقية العديد من الحالات التي أخذت فيها هذه الاعترافات عن طريق التعذيب وترهيب المعتقلين للاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.
وفي الشهر الماضي، أظهرت مقاطع الفيديو سوء معاملة المحتجزين على أيدي قوات الأمن في قسم شرطة السلام، جنوب شرق القاهرة.
وقال شهود عيان لموقع ميدل إيست أي، الجمعة الماضي، إن قوات الأمن فرضت إجراءات أمنية مشددة في حي السلام في الأيام الأخيرة، ما حد من وصول المدنيين إلى محيط مركز الشرطة.
وأضاف مصدر اعتُقل قريبه في مركز الشرطة أنه بعد نشر مقاطع الفيديو فقد الاتصال بأحد أفراد عائلته لمدة 10 أيام.
وقال: لم أتمكن من الوصول إليه عبر الهاتف أو حتى عن طريق رشوة الحراس. ولم أتمكن من زيارته.
وتابع بأن مخفر الشرطة يسمح كل يوم خميس للأقارب بإحضار الطعام والملابس والأدوية للمحتجزين، لكنهم لم يتمكنوا من زيارتهم طوال يومي الخميس الماضيين، أي لأسبوعين.
وقال مصدر آخر، كان قريبه محتجزا أيضا وقت نشر مقاطع الفيديو، إنه “اختفى”، رغم أنه لم يظهر في مقاطع الفيديو.
ويخشى المصدر وعائلات السجناء الآخرين، من أن يتم توجيه تهم كاذبة لهم، بحيازة المخدرات أو البلطجة، على حد قولهم.
وقال للموقع ذاته: حاولنا تقديم شكوى إلى رئيس مكتب التحقيق الرائد أيمن فؤاد، لكنه لم يقابلنا.
منطقة عسكرية
وقال إسماعيل، أحد سكان حي السلام، إن مركز الشرطة تحول إلى “منطقة عسكرية” بعد نشر مقاطع الفيديو، وأن مسؤولين رفيعي المستوى من جهاز الأمن الوطني جاؤوا إلى مركز الشرطة بعد هذه التقارير.
وأضاف أن العديد من الأشخاص مُنعوا من الاتصال بأقاربهم المحتجزين ولم يتمكنوا من تزويدهم بالطعام.
وقال: ما زلنا نسمع شائعات عن تعديل في التعيينات شبه محتمل، وأن الضباط المحددين قد يتم نقلهم لأنهم كانوا قذرين، في إشارة إلى الرجال الثلاثة المتهمين من المعتقلين بالإساءة، وهم: أحمد بدوي وعلي الكساب. وعمرو عزت.
وأكد “ميدل إيست أي”، أن الضباط الثلاثة هم نقباء شرطة نشطون يعملون في مكتب تحقيقات المركز. ونفى أحدهم المزاعم، ورفض آخر التعليق، ولم يرد ثالث على مكالمات الموقع.
ولم تصدر وزارة الداخلية بعد بيانا رسميا بشأن ما تم الكشف عنه أو بفتح تحقيق في مزاعم التعذيب.
إلا أن صحفا خاصة نقلت عن مسؤولين في الوزارة نفيهم “صحة ما تم تداوله في مقطعي فيديو على صفحات التواصل الاجتماعي يملكهما عضو من جماعة الإخوان المسلمين فر إلى الخارج، وزعم فيه أن بعض المعتقلين في مركز للشرطة تعرضوا للتعذيب”.
وزعم المسؤولون أن اللقطات ملفقة “بهدف نشر شائعات وأكاذيب”.
وأطلقت وسائل التواصل الاجتماعي والصحف الموالية للحكومة حملة للدفاع عن الضباط.
حتى أن كساب حصل على تكريم، من حزب سياسي مؤيد للدولة معظم أعضائه من ضباط الجيش والشرطة السابقين.
وقال أحد سكان السلام، الذي يسكن بالقرب من المخفر، إن مقاطع الفيديو انتشرت على نطاق واسع في الحي “وكأنها فيديوهات موسيقية” و”تسببت في عداء كبير مع [الشرطة] الحكومة”.
ولم يستطع تأكيد اختفاء السجناء، لكنه قال إن عائلاتهم فقدت الاتصال بهم.
الإفلات من العقاب
وعقب تقارير عن تسريب مقاطع فيديو، تداولت مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي موالية للحكومة صورا تزعم أن النزلاء كانوا “محكومين سابقين” و”تجار مخدرات”.
ومن الشائع في مصر أن تتهم الأجهزة الأمنية ضحايا التعذيب بتعاطي المخدرات أو تجارتها. في واحدة من أكثر الحالات انتشارا، قالت الشرطة إن خالد سعيد، الذي تعرض للتعذيب حتى الموت منذ 12 عاما، توفي نتيجة ابتلاع علبة كبيرة من الحشيش.
وظهرت العشرات من مقاطع الفيديو المسربة عن سوء معاملة السجناء والنزلاء في مراكز الاحتجاز المصرية على الإنترنت منذ عام 2008، واستخدام كاميرات الهاتف.
ونادرا ما تحقق السلطات في مثل هذه اللقطات. وفي كثير من الحالات، يصف السياسيون ووسائل الإعلام الموالية للحكومة مقاطع الفيديو بأنها مواد ملفقة، تهدف إلى انتقاد الحكومة.
وفي الأشهر الـ 11 الأولى من عام 2021، وثق مركز النديم المصري لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب حوالي 93 حالة تعذيب في مراكز الاحتجاز للشرطة، إلى جانب 54 حالة وفاة فيها.
وأصبحت قضية التعذيب في مصر تحت الأضواء الدولية، منذ أن اتهمت لجنة برلمانية إيطالية جهاز الأمن المصري باختطاف وتعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة في عام 2016. وأظهر تشريح الجثة أنه تعرض للتعذيب قبل وفاته.
ومنذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في 2013، اتُهمت حكومته بالإشراف على أسوأ حملة قمع لحقوق الإنسان في تاريخ البلاد الحديث. وتعرض الآلاف للسجن والتعذيب والإخفاء القسري، فيما أُجبر آخرون على العيش في المنفى خوفا من القمع.
ويبرر السيسي حملته القمعية على أنها جزء من “حرب حكومته ضد الإرهاب”، لكن العديد من الجماعات الحقوقية وثقت استخدام الحكومة المنهجي لقوانين مكافحة الإرهاب لمقاضاة منتقديه السلميين.