صحيفة لاكروا: شباب مسلمون يأسرون القلوب ويقلقون السلطات الفرنسية
يصل جيل جديد من المؤثرين المسلمين إلى جمهور كبير على شبكة تيك توك الاجتماعية بمقاطع فيديو قصيرة جدا ومؤثرة، تجمع بين التذكير بما هو مسموح به أو ممنوع وبين التنمية الشخصية، وخلف هذه الحداثة في النبرة والشكل، يوجد خطاب صارم، فيما يتعلق بالحياة اليومية والعلاقات، ولكن هيمنة هذا الخطاب على التطبيق المفضل للشباب تقلق السلطات الفرنسية، فما سر هذا النجاح؟
بهذه المقدمة، افتتحت صحيفة لاكروا (La Croix) الفرنسية، مقالا مطولا بقلم بيير سوتروي، انطلق فيه من تحول شارلين (27 عاما) إلى الإسلام عام 2021، بعد شهور من التردد على يد إمام مسجد لانيون الذي قررت الذهاب إليه “سرا”، بعد فترة صعبة أثناء الإغلاق الأول بسبب جائحة كوفيد-19.
تقول شارلين، التي تعلمت في مؤسسات كاثوليكية، وأصبحت الآن مسلمة متدينة وموظفة في مخبز، إنها تقدر “الإطار” الذي يقدمه لها الإسلام، وهي تصلي يوميا وتأكل حلالا ولم تعد تشرب الكحول، مضيفة “أنا أتبع القواعد التي تبدو أعدل بالنسبة لي، والتي تناسب شخصيتي أكثر من غيرها، لكن لا يمكنني أن أتخيل التوقف عن الاحتفال بعيد الميلاد، أو أعياد ميلاد ابني الصغير. أعلم أن ذلك ليس صحيحا، لكننا جميعا نخطئ”، سمعت ذلك على تيك توك، كما تقول.
المسلمون هم من تحدوني
ويرجع تحول شارلين إلى الإسلام -كما يقول الكاتب- إلى تأثير “المتكتك” (صانع المحتوى على شبكة تيك توك الاجتماعية الصينية) ردازير (26 عاما) وهو جزائري مقيم في كيبك بكندا، ينشر مقاطع فيديو قصيرة جدا كل يوم يقدم فيها “رسائل تذكير” تتعلق بالعقيدة أو الممارسة الإسلامية، تتخللها صور من مسلسل “لعبة الحبار” الكورية أو من إجازته في المكسيك.
وحسب المزاج والأسئلة المطروحة في التعليقات، ينشر هذا الشاب الجذاب مثلا الدعاء الذي يجب أن يقال عند اقتراب الامتحان، ويحث على الصدقة، ويطلق تحديات تشاركية، مثل ذكر أكثر عدد من أسماء الله الحسنى في 30 ثانية، أو يؤكد أن الاستماع إلى الموسيقى والنظر إلى النساء غير مسموح بهما في الإسلام، كما يقول الكاتب.
وتقول شارلين “هناك حسابات مسيحية على تيك توك، لكن المسلمين هم من تحدوني، وخصوصا ردازير.. إنها شخصيته وطاقته، إنه آسر”، ولإظهار امتنانها له، نشرت بعد 3 أيام من إسلامها رسالة أسفل مقطع الفيديو الأخير له قائلة “لقد جعلتني أرغب في التحول إلى الإسلام، شكرا جزيلا لك”، وقد نال هذا التعليق 2685 إعجابا.
ويرى الكاتب أن ردازير -الذي يتابع حسابه نحو 1.7 مليون مشترك- هو أول مؤثر ديني يتحدث الفرنسية على تيك توك، وربما يعود ذلك إلى الديناميكية الباهرة للتطبيق الأكثر تنزيلا في العالم على مدى عامين.
خطاب الهيمنة
ويمكن اعتبار ردازير -حسب الكاتب- ممثلا، من حيث الشكل والمضمون، لجيل جديد من المؤثرين المسلمين الذين ظهروا على تيك توك منذ 2020، مثل إلهان دوت إس تي (Ilhan.st) وافهم دينك (Comprends Ton Dîne) تعلم الإسلام (Savoir Islam) وهشام آر2إف (Hicham R2F) وأبو آية تي في (AbuayahTV) وإسماعيل أبو نور (Ismaël Abou Nour).
وتحت هذه الأسماء المستعارة -تقول الصحيفة- نكتشف شبابا تعلموا الدين دون أن يكونوا بالضرورة أئمة، ولكن لديهم معرفة متقنة برموز وجماليات هذه الشبكة الاجتماعية، وينشرون مقاطع فيديو من 10 ثوان إلى دقيقة قابلة للانتشار السريع، وهي عبارة عن مزيج من خطب وفكاهة وإشارات ثقافة شعبية واستعارة من لغة التنمية الشخصية.
وخلف هذه الحداثة في النبرة والشكل -كما يقول الكاتب- نجد في معظم هذه المقاطع خطابا صارما حول الحلال والحرام وحول الحياة اليومية أو العلاقات، ولا سيما مع النساء، وقد أصبح ذلك الخطاب مع اختلاف درجة المحافظة لدى منتجيه، يشكل نظاما بيئيا في نهج التقاليد الإسلامية، هو المهيمن على شبكة تيك توك اليوم.
ويقدم الكاتب أمثلة من آراء ريدازير، إذ يعتبر هذا المؤثر حلق اللحية حراما وكذلك “التحديق في النساء”، ويقول إن العلاقات خارج الزواج غير مشروعة و”تبعد من الله”، وأن لبس الحجاب واجب، والاحتفال بعيد الميلاد ممنوع ووضع شجرته في المنزل ممنوع.
تيار السلفية
وبحسب الكاتب من الصعب عند سماع مثل هذه التصريحات عدم تذكر الجدل الذي أثير في رأس هذه السنة، بسبب مغني الراب الشهير جيمز الذي طلب من معجبيه عدم إرسال تهنيئة بالسنة الجديدة، على أساس أن صحابة محمد صلى الله عليه وسلم لم يحتفلوا بالعام الجديد، كما أنه من الصعب ربط هذا الخطاب بتيار معين، وإن اتفق الخبراء الذين اتصل بهم الكاتب على وصفه بالسلفي، مع تمييع لهذا التيار.
ويقول بنجامين هوداي، الباحث المشارك في مركز البحوث الفرنسي مونتين “لم نعد على الإطلاق أمام السلفية القاسية القريبة من الجهادية التي فرضت نفسها في العقد الأول من القرن الـ21، فما ينجح اليوم هو تيار سلفي أقل تطرفا، وقادر على مسايرة التيارات المحافظة الأخرى، ويقدمه أشخاص يعرفون كيفية تكييف خطابهم، ونادرا ما يخرقون القانون.
ومع ذلك، فإن السلطات -كما يقول الكاتب- قلقة من تبسيط الأطروحات السلفية على الشبكة الاجتماعية المفضلة لدى الشباب، ويقدر كريستيان غرافيل، الأمين العام للجنة المشتركة بين الوزارات لمنع الانحراف والتطرف “نجد منطقا إسلاميا وانفصاليا مؤثرا بشكل هائل، يهدف إلى فصل مجتمع المؤمنين عن مجتمع “الكفار”.
ما وراء الخطاب
ويشير الكاتب إلى أن الاطلاع على حساب مثل Ilhan.st الذي يشترك فيه نحو 470 ألفا، يسهل إدراك مدى تطور هذه الخطابات عبر الإنترنت، إذ حقق هذا الشاب البالغ من العمر 20 عاما، نجاحا من خلال تقديم أدعية من غرفة نومه للدعاء في وقت الحزن أو في المواقف الصعبة.
ويحث هذا الحساب على “الإحسان”، ويدعو مشتركيه إلى التفكير “بإيجابية دائما”، إلا أن هذا الكلام السلس المرفق بالقلوب والرموز التعبيرية، يخفي أحيانا مواقف أكثر صرامة، مثل حظر الموسيقى ولقاء الشباب في سن الزواج دون إشراف طرف ثالث- وفق الكاتب -.
أما حميد س. (37 عاما)، الأكثر تخصصا، فهو صاحب حساب “افهم دينك” الذي يتابعه نصف مليون مشترك، وقد وصل هذا الإمام السابق الذي تدرب في المدارس الدينية بالمغرب وموريتانيا إلى تيك توك عام 2020، وصنع من مقاطعه المتعلقة بالأسئلة الدينية اليومية، علامته التجارية.
ويوضح حميد س. عبر الهاتف أنه “في دقيقة واحدة فقط، عليك أن تتخيل الرسالة وتفهمها. إن تيك توك مختلف تماما عن يوتيوب، حيث تجد محتوى أكثر تفصيلا يستهدف جمهورا أكثر تعليما، فهنا جمهور صغير ليس له أساس ديني ولديه الكثير من المعتقدات الخاطئة، والمهم هو الأساسيات”.
ويتبع حامد س. والأشخاص الأربعة الآخرون الذين يديرون “افهم دينك” نهجا صارما في التقاليد الإسلامية، ولكنه ينفي على الهاتف، أي تطرف، يقول “أنا معلم.. أنا لا أتخذ موقفا، ولا أصف أحدا بالضياع”.
بالإضافة إلى هذه الوجوه الجديدة، نجد أيضا وجوها معروفة على تيك توك، من الأئمة والدعاة في الثلاثينيات أو الأربعينيات من العمر، وبعضهم مر بالسلفية، واكتسب شعبية كبيرة منذ عام 2010 من خلال فيسبوك ويوتيوب، ليعود لتدوير بعض خطبه في مقاطع قصيرة على تيك توك، أو بث الأحاديث النبوية على إيقاع الأناشيد الإسلامية.
على مستوى الحضانة
ومع أن الأئمة التقليديين أصبح لهم صوت على تيك توك، فإنهم ما زالوا على هامش التجديد الذي يحدث هناك، إذ انتقد الأئمة الفرنسيون الثلاثة الأكثر شهرة على يوتيوب جميعا هذه الشبكة الاجتماعية التي تنتشر عليها مقاطع الفيديو الموسيقية والرقص، يقول إمام مسجد برست رشيد أليجاي “ليس من الطبيعي أن ترى شخصًا يمارس الدعوة وهو عار”.
ويقول الإمام المحافظ للغاية نادر أبو أنس الذي ينشر مقطع فيديو على يوتيوب منذ سبتمبر/أيلول 2021، إن “تيك توك تم إنشاؤه بحيث تجد بعد 4 أو 5 مقاطع شيئا كارثيا يحرق عينيك وقلبك”، وليس لديه إنتاج على هذه المنصة سوى أجزاء من الخطب نُشرت على منصات أخرى.
ويقول إمام آخر شديد المتابعة على الشبكات الاجتماعية الأخرى، متأسفا لصعوبة نقل رسالة دقيقة على منصة مصممة لتصوير مقاطع فيديو مدتها حوالي 10 ثوانٍ إن جمهوره “يتألف من أشخاص بالغين مدمجين يرغبون في تعميق معرفتهم، أما على تيك توك، فالحسابات الناجحة تحمل خطابا مجتمعيا مبسطا، مع شحنة عاطفية وتنسيق يتحدث إلى الشباب، حتى الصغار جدا. هذا هو الإسلام على مستوى الحضانة”.
ويختتم الكاتب بأن القدرة على توزيع مقاطع الفيديو على تيك توك تزداد لأنه ليس من الضروري البحث عن المحتوى هناك لمشاهدته، إذ تقترح خلاصة “لك” (For You) الخاصة بالشبكة الاجتماعية باستمرار مقاطع فيديو جديدة للمستخدمين المحددين بواسطة الخوارزمية بناءً على تفاعلاتهم السابقة.