جنود يفكرون في المغادرة الحيش اللبناني والجيش على حافة الهاوية
تضرر الجيش اللبناني بشدة من الأزمة الاقتصادية التي دفعت 78% من السكان إلى ما دون خط الفقر، حتى أصبح يعتمد على مساعدة الأصدقاء الغربيين والعرب لمنع تصدع أو انهيار آخر مؤسسة في لبنان تحظى بشعبية كبيرة بين اللبنانيين من جميع الأديان من أجل الأمن الوظيفي.
وقالت صحيفة “لاكروا” (La Croix) الفرنسية -في تقرير لمراسلتها في بيروت جيني لافون- إن المؤسسة العسكرية كانت حتى وقت قريب أفضل المؤسسات من حيث الأمن الوظيفي، وتدفع مزايا تصل إلى 80% من الرسوم الدراسية، إضافة إلى قروض ميسرة ونحو ذلك، وبالتالي “ليس من السهل مغادرتها، خاصة بالنسبة لمن بلغوا سنا معينة مما يضطرهم إلى بدء حياة جديدة من الصفر”، كما يقول العقيد بولس الذي ترك المؤسسة وطلب عدم كشف هويته.
وتنقل الكروا عن بولس الذي ترك الجيش بعد 20 عاما من الخدمة، أن الأمور تغيرت بشكل جذري منذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان خريف 2019، حين كان راتبه البالغ 4 ملايين ليرة، يبلغ نحو 2650 دولارا في ذلك الوقت، قبل أن يتلاشى مع التغيرات في سعر صرف الليرة اللبنانية التي فقدت 95% من قيمتها في السوق الموازية، ويصبح نحو 160 دولارا لا تكفيه للذهاب مرتين للتسوق.
ويعتبر بولس نفسه محظوظا بالمقارنة مع الوضع المأساوي الذي يعيشه بعض جنوده، لأنه احتفظ بالمزايا المرتبطة برتبته كسيارة بسائق وقسائم وقود وتغطية طبية ممتدة لعائلته، ومع ذلك يقول إن ابنته تسأله دائما “لماذا لا نغادر البلاد، كما لو كان الأمر بهذه البساطة”، مضيفا “كلنا نتحمل”، كما تقول زوجته ريتا إن “العديد من الجنود يفكرون في المغادرة، ومن لديهم أقرباء في الخارج يطلبون إجازة طويلة ولا يعودون”.
يغضون الطرف
ومثل بولس، التحق أحمد بالجيش قبل 5 سنوات لخدمة بلاده طبعا، ولكن للحصول أيضا على راتب طويل الأجل، “من كان يظن أن البلاد ستنهار إلى هذا الحد؟” كما يتساءل هذا الجندي (25 عاما)، الذي أصبح يتقاضى ما يعادل 50 دولارا مقابل 800 دولار قبل الأزمة، وهو مبلغ يتبخر في بداية الشهر بين الكهرباء شبه المعدومة والنفقات اليومية لعائلته.
لذلك -كما تقول المراسلة- أصبح أحمد منذ 6 أشهر يقطع وظيفته عدة أيام في الشهر ليعمل سائقا وعامل توصيل، ورؤساؤه يغضون الطرف عن تلك التصرفات، إذ يقول “إنهم يعلمون أننا نعمل في مكان آخر للبقاء على قيد الحياة، ولست الوحيد في هذه الحالة”، وقد انتهز موسم الأعياد وعودة المغتربين إلى قريته ليحصل على بضعة دولارات كسائق، وهذا “سمح لي بقضاء ديوني وشراء مزيد من الطعام لأطفالي الثلاثة”.
ولا شك في أن الآلاف في الجيش يجمعون بين عدة وظائف للبقاء على قيد الحياة -حسب المراسلة- مع موافقة ضمنية من القيادة، وأكد مصدر عسكري أن “قيمة رواتب الجنود تراجعت بنحو 95% بسبب ارتفاع الدولار والتضخم”، ولذلك يسمح بالعمل خارج المؤسسة في أيام الراحة بشرط “المشروعية وعدم الإخلال بالقيم التي يحملها الجيش”، حسب المصدر.
لا لحوم
وتقول المراسلة إنه من المستحيل تحديد ظاهرة مثل ظاهرة الفرار لأن الجيش لا يتطرق إليها، فقد قدر آرام نرغيزيان، الباحث المشارك في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، عدد جنود الجيش اللبناني الذين تقاعدوا مبكرا أو قطعوا حياتهم المهنية بحوالي 3000 جندي في عام 2021، بسبب “الضغط على الضباط وضباط الصف والجنود الآخرين”، كما يقول نرغيزيان.
ومع الانخفاض الشديد في قيمة العملة، ذابت ميزانية الدفاع لعام 2021 البالغة 2863.8 مليار ليرة لبنانية من حيث القيمة، حيث انخفضت من 1.9 مليار دولار بالسعر الرسمي (1507 ليرات للدولار الواحد) إلى 114.5 مليون دولار بالسعر الموازي ( 25 ألف جنيه) حسب أرقام آرام نرغيزيان، وهذا المبلغ غير كافٍ لتقديم راتب لائق لنحو 60 ألفا من أعضاء القوات المسلحة، يضاف إليهم 26 ألف ضابط شرطة من قوى الأمن الداخلي الذين ليسوا أفضل منهم حالا، حسب مصدر أمني، يقدر أن 450 منهم فروا من الخدمة بسبب الأزمة.
وقد دق القائد العام للجيش العماد جوزيف عون ناقوس الخطر في مارس/آذار 2021، عندما قال مخاطبا المسؤولين السياسيين “الناس فقراء وجائعون. الأجور والمعاشات فقدت قوتها الشرائية. هذا ينطبق أيضا على الجيش. ماذا تفعلون؟ ماذا تنتظرون؟”.
وبعد أن أعلن الجيش في صيف 2020 أنه لن يقدم اللحم لجنوده بسبب ارتفاع الأسعار، أعيد وضع الترتيبات “اللوجستية” بفضل تبرعات عينية من العديد من البلدان، ضمنها الطرود الغذائية والنقل المجاني والأدوية أو المعدات الطبية.
ثقل موازن لحزب الله
وتضيف المراسلة أنه وبما أن القوات اللبنانية هي المكلفة بتنفيذ مهام جسيمة، كحماية الحدود ومكافحة الإرهاب والتهريب والتدخل لفك الاشتباكات الطائفية، فإن الأزمة التي تمر بها تقلق الأصدقاء الغربيين، لأن الجيش -على اعتبار أنه غير مسيس ومتعدد الطوائف وغير فاسد- يعد المؤسسة الوحيدة التي لا تزال صلبة في لبنان المبتلى بالفوضى، والمؤسسة الوحيدة التي لا تزال تتمتع بثقة السكان.
وتنظر واشنطن على وجه الخصوص إلى الجيش اللبناني الذي دفعت له مساعدة مالية عسكرية بقيمة 282.10 مليون دولار في عام 2021، على أنه الحصن الأخير ضد الفوضى الأمنية، والثقل الموازن الوحيد لحزب الله وترسانته العسكرية القوية، يقول آرام نرغيزيان إن “الولايات المتحدة تنظر إلى الجيش على أنه شريك موثوق به، قادر على تحقيق الاستقرار في لبنان والمنطقة على نطاق أوسع”.
وختمت المراسلة بالتساؤل: هل المساعدات النقدية والرواتب المقدرة بمئة دولار لكل جندي، التي ناقشها وفد من الكونغرس الأميركي في بيروت مع العماد عون، ستكفي لمنع الجيش من الانهيار؟ حيث قال نرغيزيان إن تعديل الأجور لتتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة سيكون خطوة أساسية في تعزيز التماسك”.