تركيا تسرّع محاكمة الشركات التي تتقمّص دور الوسيط في المعاملات المالية
هناك الكثير من الشركات التي تتبنّى دور الوسيط في التعاملات المالية، داخل تركيا، وهي ليست على عِلم بقانون تم تشريعه منذ فترة طويلة. القانون رقم 6493 المسماة بـ “قانون خدمات الدفع”، وبالرغم من دخوله حيّز التنفيذ عام 2013، إلا أن البدء بتطبيقه وظهور تداعياته ونتائجه، استغرق حتى حلول العام الفائت. التأخر في تفعيل القرار المذكور، دفع الشركات النشطة في مجال التعاملات المالية، إلى تجاهل هذا القانون، متوهمين بأن الدولة تغض النظر عن الانتهاكات التي تقع من قبلهم في هذا الخصوص.
القانون رقم 6493 يجرّم المعاملات المالية التي يتم القيام بها دون وجود رخصة مزاولة النشاط في هذا المجال. إلا أن هذا الجانب القانوني تم انتهاكه بكثرة لغاية إغلاق البنوك المصرفية، عام 2018، لحسابات شركات تقوم عادة بمعاملات مصرفية ضخمة ومكثفة. وبالتالي فإن الشركات التي لا تمتلك رخص مزاولة النشاط، ارتكبت هذه الانتهاكات طيلة الفترة بين عامي 2013 – 2018، دون أن تكون على علم بذلك.
أقول عن هذا الانتهاك بأنه “جريمة”، لأنه وعلى الرغم من أنه يبدو انتهاكاً تجارياً ويُتوقّع أن تتم محاكمة مرتكبيها في المحاكم التجارية، إلا أن محاكمة هذه الانتهاكات تتم في محاكم العقوبات (المحاكم الجزائية). حيث تُحاكم الشركة وأصحابها معاً بتهمة مزاولة نشاط بدون إذن.
وفي حال تم الحكم على مسؤول الشركة بارتكاب هذه الجريمة، فإنه يُسجن لفترة تتراوح بين عام إلى 3 أعوام، أو يتم تغريمه بغرامة مالية قضائية لـ 5 آلاف يوم. كما يتم إغلاق الشركة في حال الحكم بثبات ارتكاب الجريمة، لفترة تمتد من شهرين إلى 6 أشهر. وفي حال اتضاح تكرار ارتكاب هذه الجريمة، قد يتم الحكم بإغلاق الشركة إلى ما لا نهاية.
هذه الانتهاكات التي عادة ما تتضح خلال قيام إدارة الضرائب بعمليات التفتيش، يتم إعداد تقرير بحقها وتقديمه إلى وزارة الخزانة والمالية في البلاد. هناك تقوم لجنة وزارية مختصة بتدقيق التقرير ومن ثم إبلاغ مصرف البنك المركزي به. بدوره، يقوم الأخير بتدقيق الأمر وإعداد تقرير جديد حوله، ومن ثم التقدم بشكوى إلى النيابة العامة ضد الشركة ومسؤوليها.
بعد تقديم الشكوى للنيابة العامة، تستمر عملية المحاكمة القضائية بالشكل المعروف لدى الكثير منا. ومع اكتمال مرحلة التحقيق، يقوم النائب العام بتحضير ادعاء وتقديمه إلى المحكمة. تقوم المحكمة المخولة بالنظر في القضية، بقبول ادعاء النائب العام، لتنتقل عملية المحاكمة بعدها إلى مرحلة الملاحقة القضائية. وهذا يعني عملية محاكمة قضائية تستغرق زمناً طويلاً.
الكثير من الشركات ليست لديها علم بأن مثل هذه المعاملات والإجراءات التي تقوم بها، هي انتهاك أو جريمة قانونية. حيث أنها تهدف لمزاولة الأنشطة التجارية بحسن نية. إلا أن هناك مادة في قانون التجارة التركي تقول: “على كل تاجر، التحرّك عند مزاولة أنشطته التجارية، كرجل أعمال محيط إحاطة تامة بما يقوم به”. لذا من غير المقبول أبداً من أي تاجر أو شركة، زعمه بعدم معرفته بالقوانين ذات الصلة.
كذلك ليست هناك أي انتهاك أو أية جريمة في الجمهورية التركية، إلا ويتم كشفها للعلن. لأن جذور التجربة البيروقراطية في تركيا تمتد إلى الدولة العثمانية، وهي قوية ومتجذرة. إذ أن البيروقراطية في تركيا تحافظ دوماً على آلية عملها، مهما تغيرت الحكومات. لذا يتم رصد وتسجيل كل شيء، وكشفها للعلن عند حلول أوانها.
بالرغم من توقف عمليات التحويل المالية (SWİFT) عبر الشركات التي ذكرناها، بسبب إغلاق البنوك المصرفية، عام 2018، لحسابات هذه الشركات، إلا أنه يتوجب على الشركات الراغبة في القيام بهذه الإجراءات بشكل رسمي وموافق للقوانين، حصولها على وثيقة مزاولة نشاط.
ويتطلب الحصول على “وثيقة مزاولة نشاط” ما يلي:
أ) تأسيس الشركة كشركة مساهمة،
ب) أن تبلغ قيمة رأس المال 5 ملايين ليرة تركية على الأقل، يتم دفعها نقداً ودون أي تواطؤ،
ج) توظيف ما يكفي من العمّال الأكفاء من أجل إدارة نظام العمل، وامتلاك المعدات التقنية اللازمة والكادر الإداري الكافي من أجل ذلك،
د) امتلاك القدرة الكافية على إدارة المخاطر، واتخاذ التدابير اللازمة من أجل توفير أمن وموثوقية المعلومات وديمومة العمل،
ر) تأمين مطابقة نظام العمل، والمشاركين فيه وقواعد التشغيل للقانون المذكور واللوائح القانونية التي ستصدر في إطاره،
ز) استصدار المقابل النقدي لسندات الحصص شرط أن تكون جميعها محررة باسم،
س) امتلاك منظومة شراكة شفافة ومفتوحة بحيث لا تعيق قيام البنوك المصرفية بالمراقبة الفعّالة،
ش) توفير الأشخاص المالكين لـ 10 بالمئة وأكثر من رأس المال، وأصحاب القرار، في أنفسهم للميزات المطلوبة من أجل مؤسسي البنوك المصرفية والمذكورة في قانون البنوك المصرفية ذو الرقم 5411 والتاريخ 19.10.2005.