حملة هجوم على القضاء الليبي
أثارت الحملة التي يشنها ساسة وناشطون ومرشحون ضد مؤسسة القضاء في ليبيا، بعد أحكامها الأخيرة بخصوص المرشحين، الكثير من التساؤلات حول الهدف من هذا التشكيك، وإظهار القضاة كطرف في الأزمة السياسية.
وأصدرت محاكم طرابلس وسبها عدة أحكام تتعلق بالمرشحين لرئاسة البلاد، كان أشهرها الحكم بأحقية رئيس الحكومة الليبي، عبد الحميد الدبيبة، في الترشح، ورفض الطعن ضده، وكذلك رفض الطعن المقدم ضد المرشح خليفة حفتر، والحكم بعودة سيف الإسلام القذافي لقائمة المرشحين النهائية.
مستندات أم مسيس؟
وبعد هذه الأحكام، تعرضت مؤسسة القضاء لحملة تشكيك واسعة، وصلت إلى حد اتهام بعض وسائل الإعلام، الأحد، القضاة بتلقي رشوة من قبل الدبيبة من أجل الحكم لصالحه، ونشر “شيك” يحمل المبلغ الذي حول للقاضي من أحد أقارب الدبيبة من إسطنبول، ليتم تكذيب ذلك، وإثبات أن المستند مزور.
لكن بعض الأحكام اعتبرها مراقبون وساسة أنها “مسيسة” بالفعل، ومنها الحكم الذي صدر من محكمة الزاوية (غرب ليبيا) ضد ترشح حفتر، وقرار إبعاده عن قائمة المنافسين النهائية، وكذلك قرار النائب العام بإبعاد “سيف” القذافي؛ نظرا لوجود أحكام جنائية ضده، وهو ما رفضته محكمة سبها، وأعادت الأخير للقائمة.
والسؤال: هل التشكيك في القضاء وإقحامه في السياسة يؤثر على مراقبة الانتخابات المنتظرة؟ وهل دخل القضاء على خط الصراعات السياسية؟ أم يحكم بحسب ما يتوفر له من أوراق وفقط؟
ابتزاز وتخبط
من جهته، أكد عضو مجلس الدولة الليبي، علي السويح، أن القضاء دخل بالفعل دائرة التشكيك في نزاهته نتيجة الخلاف السياسي، لكن من يتهم القضاة بتلقي رشاو عليه تقديم الدليل. ورغم ذلك، فالقضاة وقعوا تحت تأثير الابتزاز والتهديد لهم ولأسرهم، ولا توجد حصانة أو حماية لهم؛ لذا ربما تكون بعض أحكامهم غير عادلة.
وأشار في تصريحات إلى أنه “بالرغم المحاولات من قبل سلك القضاء الابتعاد عن الجدل السياسي، إلا أنه في الأخير وقع في قلب رحى السياسة، وتمارس عليه ضغوط لاستصدار أحكام تتماشى مع بعض التوجهات، وأكبر دليل التناقض والتخبط في إصدار الأحكام، وكذلك التشظي الواضح”، وفق رأيه.
غير مسيس
لكن الخبير القانوني الليبي والمرشح في الانتخابات البرلمانية، مجدي الشبعاني، استبعد أن يكون القضاء في ليبيا مسيس، أو أن بعض القضاة تلقى رشاوي، وأن الحادثة الوحيدة التي انتشرت عن قاضي بعينه ثبت عدم صحتها، وأن ما نشر كان مزورا؟
وأضاف: لكن يظل القاضي بشر يخطئ ويصيب، أما بخصوص الأحكام الأخيرة والخاصة بالعملية الانتخابية، فالأصل هو ما يقدمه المحامي من دفوع وحجج، ودور القضاء إبراز العدالة، وإنصاف صاحب الحق، والاستئناف بابه مفتوح لمن رأى أن لجنة الطعون حادت ولم تنصفه.
وهو ما أكده أيضا الأكاديمي الليبي في جامعة سرت، عمار ميلاد نضر، بقوله إن القضاء يتعامل وفق مستندات قانونية، وإنه تعامل مع كل المرشحين بهذا المنطق، لذا أزمة الطعون والأحكام وغيرها تلام عليها مفوضية الانتخابات وليس القضاء، كون المفوضية لم ترفض بعض الملفات من قبل المرشحين من البداية.
وتابع: ما طرح أمام القضاء هي قضايا قانونية، وقال كلمته فيها عندما سنحت له الفرصة والأجواء، وخير دليل ما حدث في محكمة سبها بخصوص سيف الإسلام، والقضاء هناك قال كلمته رغم ما تعرضت له المحكمة من تهديدات أمنية وغيرها، وقالوا كلمتهم بحسب ما لديهم من أوراق ومستندات.
عبث سياسي
أستاذ علم الاجتماع السياسي والأكاديمي الليبي، رمضان بن طاهر، قال من جانبه إن التشكيك في مؤسسة القضاء واتهامها بالتحيز والتآمر الآن ليس له معنى، ولن يفيد أحدا، لأن القانون الجنائي ينص على قواعد معينة، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، والقاضي يحكم بحسب الأوراق والإجراءات والأدلة والبراهين.
وأضاف: الحملة والهجوم اليوم على القضاء هي جزء من العبث بالمشهد السياسي، وهو لا يجوز مهما كان القضاء أو أحكامه أو حتى وجود بعض القضاة ممن انحرفوا أو تلقوا رشاوي، وكون الجميع اتجه للقضاء، فعلى الجميع احترام هذه المؤسسة ومعاييرها وقواعدها القانونية.