قبل 32 عاما أول تجربة عربية.. العراق يطلق صاروخ إلى الفضاء الخارجي
تمكن العراق قبل 3 عقود من صناعة أول صاروخ عربي قادر على حمل الأقمار الصناعية إلى مداراتها في الفضاء الخارجي، وذلك بقدرات عراقية وجهود محلية من هيئة التصنيع العسكري.
وبعد تجربتين فاشلتين، أعلن العراق نجاح إطلاق الصاروخ اختباريا في 5 ديسمبر/كانون الأول 1989 من قاعدة الأنبار الجوية، لتدخل البلاد مضمار الفضاء.
تصنيع عسكري
ويعود تأسيس الصناعات العسكرية العراقية إلى بداية السبعينيات، عندما شكلت الحكومة حينذاك هيئة من كفاءات علمية للبدء ببناء المنشآت والمعامل والورشات، عبر هيئة التصنيع العسكري التي تم من خلالها تأهيل آلاف المهندسين والفنيين والعمال، بحسب اللواء الطيار الركن الدكتور علوان حسون العبوسي.
ويضيف العبوسي في حديثه أن الحاجة لهذه المصانع ازدادت في الحرب مع إيران، وهو ما دفع العراق لتطويرها وتنويع منتجاتها من الأسلحة والذخائر المختلفة، إلا أن حرب الخليج الثانية عام 1991 أدت إلى تدمير الكثير من منشآت التصنيع العسكري.
ويبيّن أن الولايات المتحدة كانت تنظر للتطور العسكري العراقي بعين الريبة والخوف من المجهول، خاصة أن معدلات التفوق العسكري العراقي أصبحت قريبة من المستوى العسكري الإسرائيلي، وهو ما تعتبره واشنطن خطرا على مصالحها في الخليج والعالم العربي.
يذكر أنه في نهاية عام 1989، أعدت المخابرات المركزية الأميركية تقريرها الذي تضمن أن العراق ينوي مهاجمة إسرائيل والتوسع على دول الخليج، ويقترب من إنتاج الأسلحة النووية والبايولوجية والكيمياوية والصاروخية. وركز التقرير على موضوع المدفع العملاق والصواريخ البعيدة المدى، بعد إطلاق العراق صاروخه ذا البعد الإستراتيجي المسمى “العابد”، ونهجه نحو الوحدة العربية من خلال إنشاء مجلس التعاون العربي بين العراق والأردن ومصر واليمن، مما سيشكل خطرا جسيما على المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
ويلفت إلى ردود فعل الإدارة الأميركية حيال هذا التقرير، حيث تشاورت مع بريطانيا للبدء بمرحلة التخطيط الهادئ لاستدراج العراق وإدخاله في مشاكل، أو خلق مواقف يصعب على قياداته التنصل منها، أو إهمالها لكونها تشكل تهديدا لأمنه القومي.
أول صاروخ فضاء عربي
وتكمن أهمية صاروخ العابد في كونه أول صاروخ صنع في دولة عربية يستطيع حمل أقمار صناعية، كما يعد من فئة الصواريخ الإستراتيجية ذات مدى يصل إلى نحو ألفي كيلومتر، وهو في الأساس صاروخ مخصص للاتصالات والاستطلاع، ولكنه معد أيضا لكي يحمل قمرا صناعيا، كما يقول العبوسي.
وأوضح العبوسي أن هذا الصاروخ يتكون من 3 مراحل، ويبلغ وزنه نحو 48 طنا، وقد صمم بقدرة تحمل وزن تصل حتى 70 طنا عند إقلاعه وانطلاقه، كما أن بدن العابد يتكون من سبيكة من 5 صواريخ من طرازي “الحسين” و”الفتح” اللذين كانا يعتبران من أفضل الأسلحة العراقية آنذاك.
وعن ردود الفعل الدولية عقب إطلاق الصاروخ، يتحدث العبوسي عن غضب عالمي تجاه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ابتداء من إنذار الولايات المتحدة بقيادة الرئيس جورج بوش الأب الذي أكد على أن الصاروخ قادر على حمل أقمار صناعية للفضاء الخارجي.
كما دعت وزارة الدفاع الأميركية العراق لالتزام الحذر في مراحل تطوير برنامج الصاروخ الفضائي، وذكر بيت وليامز المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأميركية أن الصاروخ يتضمن تكنولوجيا تدخل في إنتاج صاروخ عابر القارات، وحذر من أخطار انتشار مثل هذه الصواريخ في مناطق التوتر وتهديدها للعلاقات الدولية، وتابعتها بريطانيا بقيادة مارغريت تاتشر التي طالبت بضرورة وقف البرنامج الفضائي العراقي.
ويستدرك العبوسي بأن فرنسا رأت أن صناعة العراق لصاروخ العابد قد وضعته في نادي الكبار، وقد بلغ تطويره ليناهز صاروخ “إريان” الأوروبي، لكن إسرائيل تعمدت إطلاق قمر التجسس “أفق.1” ردا على العراق الذي أعلن عن قدرته على تصنيع صاروخين جديدين هما “أبابيل” و”سجيل” للأرصاد الجوية والاتصالات.
من جانبه، يرى الكاتب والباحث العراقي صادق الطائي أن تطور قدرات العراق في مضمار الصناعات العسكرية إبان سنوات الحرب العراقية الإيرانية في عقد الثمانينيات، هي حالة طبيعية في بلد يخوض حربا شاملة مع وجود ضغوط دولية حاولت إيقاف صفقات تسليح طرفي النزاع للضغط باتجاه إيقاف الحرب.
ويبيّن الطائي أن العراق سخّر كل إمكاناته وأمواله وعقوله في مجال التطوير العسكري وخدمة المجهود الحربي، بما فيها منظومات الصواريخ، إذ عملت منشأة القعقاع على تطوير وإعادة تصنيع صواريخ سكود الروسية، والعمل على زيادة مدياتها لتصل إلى 650 كلم، إلا أنها كانت تعاني من مشكلات في منظومات التوجيه مما تسبب في عدم دقة إصابتها للأهداف.
ويؤكد الطائي -الذي كان مهندسا سابقا في منظمة الطاقة الذرية- أن التقنيات التي عمل بها العراق كانت في الغالب محلية وبجهود هندسية عراقية، مع طلب المساعدة في بعض الأحيان من خبراء أجانب، لكن تطوير منظومات الصواريخ كانت عراقية بنسبة كبيرة جدا، عملت بعض خطوط تطوير وتصنيع المنظومات الصاروخية على توفير صواريخ يمكن تحميلها برؤوس غير تقليدية.
نهاية المشروع
بدوره، اعتبر أستاذ العلوم السياسية الدكتور أسعد كاظم شبيب أن مبادرة العراق في وقت مبكر على مستوى المنطقة العربية والشرق الأوسط بالانتقال للمجال الفضائي، تعد عملا متقدما وإستراتيجيا. وقد تمثّل المشروع الفضائي في العراق على مستويات مختلفة، منها العمل على تطوير المركبات الفضائية، وكذلك في تقدم الصناعات الصاروخية العابرة للقارات ومنها صواريخ العابد التي عدت من أفضل الأسلحة في العراق.
وعن أسباب منع العراق من دخول مضمار الأبحاث الفضائية، يقول شبيب إن الدول العظمى المهيمنة لا تريد النهضة لدولة مثل العراق ذات أبعاد قومية مناهضة للمشروع الإسرائيلي، خوفا من أن تتحول تلك النهضة إلى مخاوف دائمة لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، لأن التقدم الفضائي معناه دولة قوية مكتفية ذاتيا بكفاءات محلية.
ويرى أن خطوة العراق المبكرة في العمل الفضائي فإنها كانت ذات أبعاد إستراتيجية، في أن يكون العراق دولة رائدة وقوية في منطقة الشرق الأوسط.
ويشير شبيب إلى أن الحصار الاقتصادي والضربات الجوية المتوالية أدت إلى تدمير ترسانة العراق الصاروخية وعلى رأسها صاروخ العابد، وبعد الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003 جرى تدمير ترسانة العراق العسكرية.
ويعرب عن اعتقاده أن وزارة الدفاع بمؤسساتها المختلفة لها القدرة على حماية تراثها العسكري، ولا تزال تحتفظ بأرشيف صواريخ العابد ومراحل تطوره، وينبغي التفكير الجدي في ترصين القوة الفضائية والصناعات العسكرية لحماية الدولة على مستوى الردع.