متى تُحقق تركيا استقلالها في منظومات الدفاع الجوي؟
أثناء تقديمه لعرض حول ميزانية الرئاسة التركية لعام 2022 أمام البرلمان التركي قبل أيام، شارك نائب الرئيس فؤاد أُقطاي معلومات مهمة حول المشاريع الجارية المتعلّقة بالصناعات الدفاعية، وبالأخصّ منظومات الدفاعة الجوية، حيث أعلن أنّ منظومة “حصار O+” دخلت مرحلة الإنتاج التسلسلي، ومن المتوقع أن يكتمل تسليم المنظومة للجيش التركي بحلول عام 2024.
وكجزء من جهود تركيا لإنشاء مظلّة دفاع جوي متعددة الطبقات بإمكانيات وطنية خالصة، تسلّم الجيش التركي منتصف العام الجاري منظومة “حصار A+” للمدى المنخفض، وبينما ستبدأ سلسلة الإنتاج المتسلسل للمنظومة متوسطة المدى بداية العام الجاري، تستمرّ الاختبارات على المنظومة الواعدة “سيبار لوك 1” للمدى الطويل، والموجهة بالترددات اللا سلكية المعززة.
من جانبها ترى تركيا أن حاجتها إلى مظلّة دفاع جوي حديثة ومتطورة بجانب تفعيل منظومة “S-400” التي تملكها هي مسألة غاية في الأهمية لحماية مصالحها وأمنها القومي، كونها تتوسط منطقة تكثر فيها الصراعات العسكرية وتنشط بالقرب منها منظمات إرهابية مدعومة بسلاح أمريكي، بالإضافة إلى الصراع المتنامي شرق المتوسط وتعزيز اليونان لسلاحها الجوي بمقاتلات “رافال” الفرنسية ونيّتها شراء مقاتلات “F-35” الأمريكية.
منظومة “حصار”
حصار (HİSAR) هو اسم منظومة الدفاع الجوي التركية محليّة الصّنع قصيرة ومتوسطة المدى. والمنظومة هي نتاج تعاون مشترك بين شركتَيْ “روكتسان” و”أسيلسان” التي تولّت تطوير وإنتاج المنظومة منذ إنطلاق المشروع عام 2007، في حين يتولّى معهد بحوث وتطوير الصناعات الدفاعية التابع لمؤسسة البحث العلمي والتكنولوجي التركية (TÜBİTAK SAGE) إنتاج الرؤوس الحربية لصواريخ المنظومة.
وتأتي منظومة “حصار” ضمن فئتين مختلفتين، الأولى “حصار إيه +” (HİSAR A+) ومداها 15 كلم، في حين يبلغ مدى الثانية “حصار أو +” (HİSAR O+) 25 كلم وتعمل بالتوجيه بالأشعة تحت الحمراء. حيث يمكن للنظام الكشف عن الأهداف وتتبعها على مسافة من 40 إلى 60 كلم، فضلاً عن إمكانية تتبع أكثر من 60 هدفاً في آن واحد.
وبينما دخلت منظومة الدفاع الجوي منخفِض الارتفاع الخدمة ضمن معدّات الجيش التركي منذ بداية يوليو/تموز الماضي، يُنتظر أن يتسلّم الجيش التركي المنظومة متوسطة المدى بعد انتهاء مرحلة الإنتاج التسلسلي بحلول عام 2024.
وتتميّز منظومات “حصار” بالقدرة على العمل في مختلف الظروف الجوية بفاعلية ضدّ الطائرات الحربية والمروحيات وصواريخ جو-أرض والمُسيّرات وصواريخ كروز، وذلك من أجل حماية القواعد العسكرية والموانئ والمرافق من التهديدات الجوية. فيما تتمتع منظومتاها قصيرة المدى ومتوسطة المدى بقدرة تأثير 360 درجة والتعامل مع 6 أهداف في آن واحد.
“سيبار”.. مشروع واعد
ضمن مشروع الدفاع الجوي المحلي والوطني، اختبرت تركيا بداية الشهر الجاري بنجاحٍ صاروخ الدفاع الجوي طويل المدى “سيبار” (Siper) الذي وصل مداه إلى 70 كلم، والذي طوّرته نفس الشركات التي تُطوِّر وتُنتِج منظومتَيْ حصار للمدى القصير والمتوسط.
ويُلبّي صاروخ “سيبار” الذي سيصل مداه من 30 إلى 150 كلم حاجة ماسّة لدى أنقرة لتطوير قدراتها الدفاعية الجوية محليّة الصّنع، إذ يتمتّع الصاروخ بإمكانيات عالية. وتعمل منظومة “سيبار” على نحوٍ متكامل ومزوَّد برادار الإنذار المبكّر الذي طوّرته شركة “أسيلسان” التركية للصناعات الدفاعية، بالإضافة لرؤوس متفجرة من تطوير “TÜBİTAK SAGE”.
وستعمل المنظومات الثلاث: “حصار A+” و”حصار O+” إلى جانب “سيبار بلوك 1” الذي يُصنَّف في مستوى يمكّنه من منافسة منظومة “S-400” الروسية، على تشكيل نظام دفاعي متعدّد الطبقات قادر على حماية المنشآت الاستراتيجية من هجمات العدو في إطار الدفاع الجوي الإقليمي.
تركيا تسلك المسار الصحيح
في ظلّ توسّطها منطقة صراعات عسكرية بشكل مستمر، أدركت أنقرة منذ عقود حاجتها إلى امتلاك منظومة حديثة ومتطوّرة للدفاع الجوي قادرة على صدّ أي هجوم جوي أو باليستي قادم من الخارج، فيما ازدادت الحاجة وأصبحت ماسَّة بعد اشتعال الأزمة السورية قبل عشر سنوات، قبل أن تتنامى بسرعة بعد تفجُّر أزمة شرق المتوسط وما رافقها من مساعٍ يونانية ترمي إلى تعزيز سلاحها الجوي بمقاتلات “F-35” الأمريكية، فضلاً عن خطر اندلاع حرب بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى في أي وقت.
وعلى الرغم من امتلاك تركيا منظومة “S-400″ التي تتكون من 4 بطاريات يمكن وضعها في 4 نقاط مختلفة، والتي تمنح تركيا قدرات دفاعية لم تكن تملكها حتى وقت قريب، فإن البطاريات الأربع لن تكون كافية لتوفير الحماية اللازمة، لعدم توافر منظومات دفاعية أخرى مربوطة بـ”S-400” تساعدها في مهامّ المراقبة والحماية، وهنا يأتي دور المنظومات المحلية.
فقد باتت تركيا اليوم أقرب من أي وقت مضى لتوطين صناعة أنظمة الدفاعات الجوية، وذلك من خلال الجهود التي بذلتها، وتبذلها، شركات الصناعات الدفاعية التركية التي تمكّنت في فترة قصيرة من تطوير الرادارات والصواريخ والرؤوس الحربية اللازمة للخروج بأنظمة وطنية تنافس نظيراتها العالمية وتساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي لتركيا في الأنظمة الدفاعية التي شهدت نقصاً حاداً قبل أن تلجأ أنقرة إلى شراء منظومة “S-400” الروسية، وتُعطي زخماً كبيراً لمشاريعها الوطنية.