الحوار في موريتانيا يتعثر والإسلاميون والحزب الحاكم يتبادلون الاتهامات
تمر التحضيرات المتعلقة بالحوار السياسي الشامل بين أطراف المشهد السياسي الموريتاني ببعض العثرات، حيث لم تتواصل، كما كان مقرراً، جلسات التحضير التي أطلقها نظام الرئيس محمد الشيخ الغزواني قبل أسبوعين بحضور ممثلين عن الأحزاب المرخصة لدى وزارة الداخلية الموريتانية وعددها خمسة وعشرون حزباً، إلى جانب المترشحين الأربعة الخاسرين في انتخابات 2019 الرئاسية.
وبينما كان المنتظر هو عودة الأطراف السياسية للقاء جديد يقدم خلاله كل طرف ممثليه ومقترحاته الخاصة بتنظيم وبجدول أعمال الحوار، طفت على الساحة موجة من الاتهامات المتبادلة بين الحزب الحاكم الذي تلتف حوله أحزاب الأغلبية، وحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (المعروف اختصاراً باسم “تواصل” والمحسوب على الإخوان) الذي يقود أحزاب المعارضة المتشددة.
فقد أكد محمد محمود ولد سيدي، رئيس حزب التجمع، في مهرجان “ناقوس الخطر” آخر الأسبوع الماضي، أن أحزاب المعارضة اجتمعت وناقشت وأعدت رؤيتها، لكنها لم تجد أي تجاوب من الطرف الآخر.
وقال: لقد كرروا الدعوة للحوار، وأعلنوا أكثر من مرة استعدادهم له، وتشبثهم به، لكننا لم نجد حواراً، ولم نجد شيئاً”. وأضاف: “أين هو الحوار الذي تحدثت عنه أعلى سلطة في البلد وأكدت أنه لن يستثني موضوعاً ولن يقصي مشاركاً؟ أين هو الحوار الذي يناقش مشاكل البلد للوصول إلى حلول لها؟.
وقد رد عدد من قادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في تصريحات متفرقة أن حزب التجمع هو الذي يعرقل الحوار، وأنه هو الذي يضع المطبات أمامه.
في هذا الصدد، رد حزب التجمع على الاتهامات التي وجهت إليه في بيان شديد اللهجة أصدره السالك سيدي محمود، نائب الرئيس الناطق الرسمي باسم الحزب، أكد فيه أنه لاحظ كما لاحظ جل المتابعين، خلال الأيام الماضية، تصريحات متتالية لقيادات متعددة في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، تضمنت ادعاءات لا أساس لها، واتهامات باطلة، بأن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل”، هو من يعرقل الحوار، ويؤجل انطلاقته.
وقال: لقد حدث سيل من التصريحات رغم أن الرئيس الدكتور محمد محمود ولد سيدي في خطابه في مهرجان “ناقوس الخطر”، اكتفى بالحديث دون تفصيل عن الغموض الذي يلفي بظلاله على انطلاقة الحوار، وتساءل أين هو؟ محذراً من المخاطر المحدقة بالبلاد، والتي لا يمكن أن تحل إلا عبر الحوار.
وتوضيحاً للحقيقة، يضيف ولد سيدي محمود، واحتراماً لحق الرأي العام فيها، وتصويباً للأخطاء والمغالطات، أؤكد أن حزب “تواصل” تلقى دعوة من حزب الاتحاد لحضور أول جلسة تحضيرية للحوار، ورغم تحفظه على الجهة الداعية، وصفة وطبيعة ما دعي له، فقد استجاب دون تردد للدعوة، وحضر إلى جانب بقية الأحزاب السياسية.
وتابع: أثناء الجلسة التحضيرية المنعقدة في الأكاديمية الدبلوماسية، ناقش المجتمعون تشكيل لجنة للإشراف على الحوار، وكانوا بصدد حسمها، غير أن حزب الاتحاد طلب تأجيل الأمر لتنسيقه عبر اتصالات لاحقة، وحدد أجل عشرة أيام لحسمها، وهي الاتصالات التي لم تتم إلى الآن رغم تضاعف الأجل.
وزاد: بادرت أحزاب المعارضة للاجتماع، والتلاقي، ونقاش ملفات الحوار، في ظل عدم تلقي أي اتصال من الجهة الأخرى، وتوصلت لمقترحات حول عدة نقاط، ومن ضمنها لجنة الإشراف، وقد قدمتها للجانب الآخر الذي ما زال يتحفظ عليها، وخصوصاً إسناد رئاسة لجنة الإشراف على الحوار إلى شخصية مستقلة ومحايدة.
ولم يغب حزب تواصل قط عن اجتماعات المعارضة، يضيف ولد سيدي محمود، أو يتأخر عن مواكبة أنشطتها إلا لأسباب موضوعية كالاجتماع الذي تزامن مع تحضيرات مهرجان الحزب الأسبوع الماضي.
وقال: إن كل المواضيع المتعلقة بالحوار وملفاته، ما يزال التعاطي فيها مع حزب الاتحاد، وليس مع الحكومة، أو الرئاسة، وهو أمر يتطلب تجلية وتوضيحاً للأطراف السياسية المشاركة. وبهذه المناسبة، يقول الناطق الرسمي باسم حزب التجمع، يهمني التذكير والتأكيد أن حزب “تواصل” ظل على الدوام يطالب بالحوار ويدعو له، إبان فترة النظام السابق، وخلال سنتي النظام الجديد، وفي كل مرة، وبمناسبة ومن دونها، كان الحزب يذكر كل الموريتانيين، ومن في الحكم منهم، أن مشاكل هذا البلد المتراكمة وتبايناته المتزايدة لا يمكن أن تحل إلا عبر حوار يجمع الجميع، ويناقش كل الملفات.
وأضاف: إننا نرفض المزايدة السياسية، واتهام النيات، ومغالطة الرأي العام، ومحاولة التلاعب به عبر تقديم معلومات غير مؤسسة، ومعطيات غير دقيقة، ونعتبر أن هذه الاتهامات غير المؤسسة، وقبلها القرارات المتخذة في مجالات وملفات كان ينبغي أن ينتظر بها الحوار لتناقش ضمن أجندته (المقاطعات الجديدة – التشاور حول التعليم – موضوع الحريات العامة) مؤشرات غير مبشرة على مستقبل الحوار، ولا على جديته، ومصداقيته.
وجدد الناطق باسم التجمع التأكيد على أن وضع البلاد العام والأوضاع المحيطة بها تفرض على كل المحبين لهذا البلد والحادبين على شعبه “دق ناقوس الخطر” والتوجه نحو حوار جاد وعاجل لتعزيز لحمته وضمان وحدته، وتوجيه بوصلته الوجهة السليمة.
وضمن اهتمامات الساسة والمفكرين بقضية الحوار، أكد الوزير السابق عبد القادر محمد، رئيس الأكاديمية الدبلوماسية الموريتانية، في مقال تحليلي، أن أهم ما يمكن للساسة الحصول عليه من تشاور كهذا هو الاتفاق على توطيد الديمقراطية الموريتانية من خلال تنظيم انتخابات تشريعية في الموعد المحدد سلفاً أو قبله طبقاً لمعايير الشفافية المتفق عليها دولياً.
وقال: صحيح أن هنالك إشكاليات عويصة طال التجاذب حولها، وطالما أدت إلى تأزم المشهد السياسي، وهي إشكاليات تتعلق أساساً بقضايا الماضي وبالثوابت الوطنية وبدولة القانون والمؤسسات، لكنه من الصعب الاتفاق على حلها في تشاور كهذا، ولعله من الأنسب أن تتم معالجتها من طرف هيئات الدولة الملزمة بالاستماع إلى أصوات كل الموريتانيين ومحاولة إيجاد حلول حسب الممكن للمشاكل لكل المشاكل التي يطرحونها.
وأضاف: لا معنى للتشاور إذا لم يؤد إلى إجماع وطني حول المصالح العليا لموريتانيا المتعلقة بأمنها الوطني وبعلاقاتها الخارجية ولا مكان في التشاور لسياسي موريتاني يعمل لجهات خارجية ضد مصالح موريتانيا.
وزاد: في انتظار ذلك، على الحكومة أن تقوم بواجبها وأن تتحمل مسؤوليتها كاملة أمام الرأي العام الوطني الذي يبدو حسب ما يتوفر من مؤشرات، أنه غير راض عن الوضع. وعلى المعارضة أن تقوم بدورها المشروع لكن بعيداً عن المزايدات.