تَعرَّف قصة مهندسي “أسيلسان” الدفاعية الـ8 الذين ماتوا في حوادث غامضة
على وقع حادثة السير التي راح ضحيتها سيردار دمير رئيس التسويق والاتصالات في شركة “توساش” لصناعة الطيران والفضاء التركية يوم الأحد، أُثيرَ كثير من الجدل عبر وسائل منصات التواصل الاجتماعي في تركيا، فيما وصفها كثيرون بـ”المريبة”.
ولقي دمير مصرعه بعد حادثة سير وقعت في العاصمة التركية، حيث كان يقود سيارته عائداً إلى أنقرة بعد مشاركته في معرض “SAHA EXPO” للصناعات الدفاعية والفضاء الذي أقيم في إسطنبول، وذلك نتيجة فقدانه السيطرة على عجلة القيادة بعد أن اصطدمت سيارته بشاحنة على الطريق.
والحقيقة أن موت دمير بهذا الشكل فتح باب الشكوك على مصراعيه في تركيا، خصوصاً أن عدداً كبيراً من العلماء والمهندسين الأتراك ماتوا أو قُتلوا في حوادث مشابهة، أُغفِلَت حينها كأنها حوادث عرضية أو حالات انتحار.
إليكم في هذا التقرير قصص 8 مهندسين أتراك كانوا يعملون على مشاريع حساسة في شركة “أسيلسان”، فقدوا أرواحهم منذ عام 2006.
خلفية
في أعقاب عملية السلام القبرصية التي نفّذَتها القوات المسلحة التركية بأمر من رئيس الوزراء التركي آنذاك بولنت أجاويد عام 1974، وما تلاها من عقوبات أمريكية وغربية تحظر بيع السلاح لتركيا، شجّعَت الحكومة التركية على تأميم الصناعات الدفاعية في تركيا، ومن ضمن هذه المشاريع كان إنشاء شركة تركية تُعنَى بتطوير وتصنيع الإلكترونيات العسكرية وأنظمة الاتصالات المشفرة، أُطلقَ عليها اسم “أسيلسان”، وتعد اليوم إحدى أكبر شركات الصناعات الدفاعية في تركيا.
ومنذ إنشائها عام 1975 طوّرَت “أسيلسان” عديداً من الأنظمة والتقنيات الأمنية التي تحتاج إليها القوات المسلحة التركية في منصات عسكرية مثل الطائرات بلا طيار والدبابات والصواريخ وأنظمة القيادة والتحكم بالطائرات الحربية وغيرها، ولإنجاز كل ذلك وظّفت أفضل العقول التركية للعمل على هذه المشاريع الوطنية الواعدة.
ولتحقيق الاستقلال في أنظمة الاتصالات المشفرة في طائرة “F-16” الأمريكية التي كانت تخضع لرقابة أمريكية بشكل أو بآخر، عيّنَت شركة “أسيلسان” عام 2006 فريقاً من المهندسين للعمل على تعديل أنظمة الاتصالات الطائرة وتعزيز سريتها ما بين الطائرة ومقارّ القيادة في القواعد الجوية، إلا أن المشروع لم ينتهِ وقتها بسبب مقتل 8 مهندسين بشكل متوالٍ بطرق مريبة وغامضة.
حوادث موت مريبة
1- بعد مضيّ بضعة أشهر على تأسيس الفريق، صدمت الأخبار التي وردت صباح يوم 5 أغسطس/آب 2006 المجتمع التركي والقائمين على المشروع، بعد أن عُثر على المهندس المسؤول عن مشروع أسيلسان الوطني للدبابات، حسين باشبيلان، ميتاً داخل سيارته المقفلة من الداخل وقد قُطع حلقه ومعصم يده على بُعد 50 كيلومتراً من منزله في أنقرة، ليبدو الأمر كأنه انتحار، على الرغم من رفض أسرته وزملائه تصديق أنه أقدم على الانتحار، خصوصاً أن ملفات المشروع الذي كان يعمل عليه قد سُرقت ولم يبقَ لها أثر.
2- وبسيارة أخرى، وفي 17 يناير/كانون الثاني 2007، وُجد مهندس الإلكترونيات الذي بدأ العمل في شركة “أسيلسان” قبل 3 سنوات سنوات من تخرُّجه في جامعة الشرق الأوسط التقنية، مولسم أونال، ميتاً داخل سيارته بسبب رصاصة أطلقت على رأسه، قيل إنه هو من أطلقها.
3- ولم يمضِ سوى 9 أيام على وفاة أونال، حتى اهتزّت تركيا على نبأ وفاة مهندس آخر هو إيفريم يانتشكين، الذي زُعم وقتها أنه انتحر بالقفز من الطابق السادس من بنايته في منطقة باتيكنت بالعاصمة أنقرة في 26 يناير/كانون الثاني 2007، وزُعم أن يانتشكين كان يعاني مشكلات نفسية.
4- وفي 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2007، عُثر على المهندس برهان الدين فولكان ميتاً في مدرسة باندو العسكرية في العاصمة أنقرة، وكشفت التقارير وقتها أنه انتحر بإطلاق الرصاص على نفسه من بندقية. ووسط شكوك عائلة فولكان، ادعى والده في التحقيق أن ابنه حاول الانفصال عن تنظيمكولن الإرهابي، وأن موته عملية قتل لا انتحار.
5- في 10 مايو/أيار 2008، وفي أثناء أدائه خدمته العسكرية في إسطنبول، توُفّي مهندس الكهرباء والإلكترونيات الذي كان يعمل على أحد مشاريع “أسليسان”، ظافر أولوك، بعد تَعرُّضه لصعقة كهربائية في أثناء محاولته إصلاح محول الكهرباء في المعسكر. وبينما سُجلت وفاته على أنها حادثة، رفضت عائلته القبول بهذا الادعاء.
6- على الطريق الواصل بين مدينتَي أنقرة و إسكيشهير، توُفّي المهندس هاكان أوكسوز، الذي كان يعمل على مشاريع الإلكترونيات الدقيقة ومشروع مجموعة التوجيه الكهروضوئية، جراء حادثة سير يوم 25 يناير/كانون الثاني 2012.
7- أما المهندس إردم أغورد الخبير في المجال المغناطيسي، الذي كان يعمل في عديد من المشاريع المهمة مثل الطائرات بلا طيار ومشروع طائرة “F-16″، فقد عُثر عليه ميتاً وأنبوب الغاز في فمه، في منزله بأنقرة يوم 16 يناير/كانون الثاني 2015، حيث سُجّلت الحادثة كسابقاتها كأنها عملية انتحار.
8- حادثة الموت الأخيرة لمهندسي شركة “أسيلسان”، كان ما حدث في العاصمة أنقرة يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بعد أن استيقظت تركيا على خبر انتحار كريم باليدار خبير أنظمة الدفاع المحلية، الذي وجد على الأرض بعد أن سقط بطريقة غامضة من الطابق الرابع عشر من البناية التي يقطنها.
علامات استفهام كثيرة
رفضت عائلات الضحايا وأصدقاؤهم وزملاؤهم القبول بفرضية الموت جراء حوادث عرضية أو حالات انتحار، ورأوا منذ البداية أن موت المهندسين بشكل متوالٍ ما هو إلا جراء خطط ممنهجة ومدروسة لكبح جماح مشاريع “أسيلسان” الوطنية وغيرها من شركات الصناعات الدفاعية التركية.
وفي أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي نظّمها تنظيم كولن الإرهابي منتصف عام 2016، أعيد فتح ملفات موت مهندسي “أسيلسان” الثمانية وغيرهم، وحُقّق مع المدّعي العامّ السابق مراد دمير، الذي قُبض عليه بتهمة الانتماء إلى تنظيم كولن الإرهابي، والذي كان يحقّق في وفاة المهندسين في ذلك الوقت، إذ ادعى في شهادته أن تنظيم كولن الإرهابي منع التحقيق في هذه الحوادث.
وخلال الـ15 عاماً الذي تلت وفاة المهندس الأول، وبالأخص بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، عوقب عديد من الأشخاص داخل هيكلية “أسيلسان” بسبب انتمائهم إلى تنظيم كولن الإرهابي، وكُشف عن كثير من الروابط. ومع ذلك لا تزال علامات استفهام كثيرة تحوم حول سبب وفاة هؤلاء المهندسين، ومدى التواصل بين تنظيم كولن الإرهابي وشبكات الاستخبارات الأجنبية.