العقارب تسمم المئات بأسوان المصرية وتضارب بشأن الإصابات
خرجت تبحث عن الدفء الذي فقدته في جحورها الجبلية، ودفعتها العواصف والسيول إلى المنازل الواقعة أسفل الجبال، لتستدفئ بالبيوت القريبة، ولم يكن ثمة أمان هنا أيضا؛ فالإنسان موجود، فأشرعت ذيلها وهي تبصر بأعين كليلة شبح عدوها القديم، لتغرس في أقرب البشر إليها ما استطاعت من سم.
ووقع مئات من سكان أسوان (جنوبي مصر) ضحايا لدغات العقارب، وتضاربت الأرقام الرسمية بشأن المتوفين والمصابين منهم، حيث يدور الرقم الإجمالي للمصابين المؤكدين بلدغات العقارب حول 500 إصابة.
وتضاربت الأنباء بشأن الوفيات، إذ نقلت صحيفة الأهرام الرسمية عن وكيل وزارة الصحة بمحافظة أسوان إيهاب حنفي أن “3 أشخاص لقوا مصرعهم وأصيب 450 آخرون بلدغات العقارب نتيجة الطقس السيئ الذى ضرب أسوان الجمعة وأحدث فيضانات”، في حين نقلت وسائل إعلام محلية أخرى عن وزير التعليم العالي والقائم بأعمال وزير الصحة خالد عبد الغفار أنه لا توجد وفيات، وأن أكثر من 500 شخص تلقوا الأمصال المضادة في أسوان بعد تعرضهم للدغ العقارب التي هجرت جحورها بسبب السيول”.
وحرصت وزارة الصحة على طمأنة السكان بشأن كفاية مخزون الأمصال المضادة، مشيرة إلى أنه يبلغ في محافظة أسوان فقط 3350 جرعة”، وقالت السلطات المحلية إن محافظ أسوان أشرف عطية -وهو ضابط سابق بالجيش- قام بجولة ميدانية لتفقد جهود احتواء التداعيات التي أصابت المنطقة جراء العواصف الترابية والسيول.
وأبلغ عدد من سكان القرى المجاورة للجبال أطباء المستشفيات في مناطق دراو وكوم أمبو بشعورهم بآلام شديدة وبارتفاع درجة حرارة الجسم فضلا عن التعرق والتقيؤ والإسهال، وارتعاشات عضلية، وحركات غير معتادة في الرأس، مما دعا الأطباء إلى المسارعة بحقنهم بلقاحات مضادة لسم العقارب.
وتحفل مناطق أسوان الجبلية بنوع شديد السمية من العقارب يسميه الأهالي “ذات الذيل العريض”، وضحيتها قد يموت في غضون ساعة من تعرضه للدغ.
ويسمى عقرب أسوان “العقرب العربي ذو الذيل السمين”، وتنتشر في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حسب موسوعات المعرفة، أو العقارب السوداء، وهي عقارب تحفر الجحور وتنام فيها محبة للعيش منفردة، وفي الليل تسري للبحث عن فريسة.
ويبلغ إجمالي طول العقرب من 8 إلى 10 سنتيمترات، وتعاني حواسها من ضعف الإبصار والسمع والشم، وتعتمد على الذبذبات الصوتية والاهتزازات لمعرفة اتجاه فريستها التي تلدغها بذنبها، المليء بالسم.
وشهدت محافظة أسوان مساء الجمعة سقوط أمطار مصحوبة برعد وبرق، سبقها هبوب عاصفة ترابية، تسببت في إصابة حركة المواصلات بالشلل، حسب ما ذكرته وسائل إعلام محلية، كما صاحب ذلك ظهور عدد كبير من العقارب، التي هاجمت عددًا من السكان بعد أن جرفتها السيول والرياح من أوكارها في الجبال والتلال المحيطة بالمدينة.
وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي موجة تعاطف مع أهالي أسوان، الذين اشتهروا “بالطيبة والبساطة والكرم”، حسب مغردين، مطالبين الحكومة بالمسارعة لنجدتهم، لا سيما أنهم في أقصى الطرف الجنوبي للبلاد، أي بعيدًا عن العاصمة التي تحظى بالاهتمام الأكبر.
وأعرب مغردون عن دهشتهم من وقوع مثل هذه الكارثة في محافظة يفترض أن تكون مستعدة للطوارئ، لا سيما أنها من أهم المقاصد السياحية بمصر.
وقال أستاذ الجغرافيا بجامعة القاهرة عاطف معتمد -الذي كان موجودًا بمدينة أسوان وقت وقوع العاصفة- “في أقل من نصف ساعة من بدء العاصفة كان الشجر يتساقط والنوافذ ترتطم والمطر الغزير يدخل البيوت”.
وأشار الأكاديمي المصري إلى أن “المشهد المتعثر في المدينة يؤكد أن إدارة المحافظة ليست مستعدة لمثل هذا النوع من الأحداث”.
وأشار معتمد إلى أن “أهل محافظة أسوان لم يصعدوا الجبل محبة في العقارب ورغبة في السكن بجوار الصخور الجرانيتية والرملية الفظة، بل فعلوا ذلك تضحية براحتهم ليحافظوا على كل شبر من الأشرطة الضيقة من الأرض الطينية التي تنتج الغذاء”.
وتاريخيًا عانى الصعيد -خاصة أسوان- من هجمات العقارب التي كانت تقتل سنويًّا نسبة كبيرة من أطفال منطقة إدفو بأسوان وحدها، حسب مصادر تاريخية، منها تقرير لكلية الطب المصرية عام 1905م، أظهر أن العقارب المصرية كانت تنقسم لـ3 أنواع: وهي الأصفر الرملي، الذي يكثر في الصعيد وكان يتسبب في مقتل 60% من الأطفال في منطقة إدفو بأسوان حسب صحيفة الأهرام الرسمية، والنوع الثاني الليموني الذي كان يكثر في القاهرة وحول الإسكندرية، والنوع الثالث الذي يطلق عليه “المراكشي”، وهو أسود ويكثر في مريوط (غرب الإسكندرية).
وتمثل العقارب مصدر رزق للبعض، الذين يحرصون على اصطيادها حية بالملاقط، بعد إغراق الجحور بالمياه كي تطفو، ثم يباع سمومها لمراكز السموم واللقاحات.
أما العقار المضاد لسم العقارب فهو يؤخذ غالبًا من دم الحصان بعد حقنه بنسبة من السم، حيث يُفرز الحصان مضادات للقضاء على هذا السم.