غرق الإسكندرية بين تحذيرات بوريس جونسون وجهود مصرية
مخاوف جمة وجدل كبير بين المصريين أثارته تصريحات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حول احتمال اختفاء مدينة الإسكندرية بسبب التغيرات المناخية وارتفاع منسوب مياه البحر، وهو الجدل الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة، وقابلته تأكيدات من مسؤولين مصريين حول مخاطر التغيرات المناخية على البلاد.
وقبل يومين وخلال قمة المناخ العالمية بمدينة غلاسكو الأسكتلندية، أطلق جونسون تحذيرا صادما، قال فيه “استعدوا لفراق أحبابكم”، محذرا من اختفاء 3 مدن على مستوى العالم، من بينها الإسكندرية، وذلك في حال لم يتم اتخاذ إجراءات للحيلولة دون ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض.
وفي تعليقاته على تحذير رئيس الوزراء البريطاني، قال محافظ الإسكندرية محمد الشريف إن المدينة تتعرض لسيول وفيضانات مكثفة منذ عام 2015، مشيرا إلى أن السيول والأمطار تزداد كل عام، وتسبب مشكلات كبيرة، وخاصة النوات (موجات من الرياح والسيول) التي تؤدي إلى أمواج عاتية.
وأكد الشريف في تصريحات متلفزة أمس الثلاثاء، أن الدولة تعمل جاهدة لوضع حواجز إسمنتية لحماية الشواطئ في العديد من المناطق كمنطقة القلعة (قايتباي) والمناطق التي تشهد زيادة في ارتفاع منسوب المياه، حسب قوله.
وأشار محافظ الإسكندرية، وهو ضابط شرطة سابق، إلى توجيه رئاسي بصرف 1.3 مليار جنيه (الدولار أقل من 16 جنيها) لمنظومة الصرف الصحي في الإسكندرية، وبدء وزارة الإسكان في العمل على تعديلات الصرف الصحي لمواجهة الأمطار والنوات والمياه الزائدة.
34 مليون دولار معونات فقط
من جانبها، أكدت وزيرة البيئة المصرية ياسمين فؤاد، أن وزارة الموارد المائية والري تقوم ولسنوات طويلة بمجهودات كبيرة في عملية الإنذار المبكر لعمليات السيول وارتفاع مستوى سطح البحر والأمطار والعواصف، وخصصت أكثر من 7 مليارات جنيه لعمل إجراءات حماية في الشواطئ المصرية خاصة منطقة الإسكندرية.
وقالت ياسمين فؤاد في مداخلة هاتفية لفضائية “إم بي سي مصر” المملوكة للسعودية، أمس الثلاثاء، إن وزارة الري قامت بعمل إجراءات حماية منذ سنوات لحماية قلعة قايتباي من الاختفاء، نظرا لأنها كانت مهددة بسبب ارتفاع منسوب سطح البحر مع السيول في الإسكندرية كل عام.
وأوضحت وزيرة البيئة أنه رغم وجود اتفاق بين دول العالم على أن حماية المناخ مسؤولية مشتركة بين الجميع، فإن مصر لم تحصل من تمويل المناخ سوى على 34 مليون دولار لإنشاء وعمل خطط لإجراءات حماية الشواطئ، مؤكدة أن انبعاثات مصر من تلوث الهواء لا تصل إلى 1%، من انبعاثات العالم، فمصر تعمل بسرعة للتكيف المناخي ومواجهة التغيرات المناخية.
وفي هذا السياق، طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس الثلاثاء، الدول المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار سنويا للدول النامية لمساعدتها في مواجهة تغيّر المناخ، وذلك خلال مشاركته في قمة المناخ، حيث قال إن مصر انتهت من إعداد “الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050” وإن مصادر الطاقة المتجددة تمثل اليوم نحو 20% من مزيج الطاقة في مصر، والعمل جار للوصول بها إلى 42% بحلول 2035.
جهود حكومية
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الري المصرية محمد غانم، إن مصر بدأت في تدشين مشروعات حماية الشواطئ ومنها مدينة الإسكندرية، مشيرا إلى تنفيذ 120 كيلومترا، والعمل على تنفيذ 110 كيلومترات أخرى لحمايتها من التغيرات المناخية.
وأكد غانم، في مداخلة هاتفية مع قناة “صدى البلد”، الثلاثاء، أن مصر تعلم حجم هذه التغيرات، مضيفا أن السيول في مصر أصبحت أكثر خطرا عن السابق، وأن منطقة شمال الدلتا هي الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية، مشيرا إلى أنه تم إعداد ألف منشأة للحماية من أخطار السيول بالمحافظات للمساعدة في تفادي الكوارث، وذلك من خلال إنشاء سدود وبحيرات صناعية، وتنظيف مخرات المياه.
ولفت إلى أن منسوب سطح البحر سيستمر في الارتفاع حتى عام 2100، مشددا على ضرورة اتخاذ خطوات استباقية لتلافي الخسائر البشرية والاستثمارات، خاصة أن ثلث مساحة الدلتا معرض للغرق بسبب ارتفاع منسوب سطح البحر، مطالبا دول العالم بالتحرك في ملف التغيرات المناخية على المياه.
وفي أغسطس/آب الماضي، وصف تقرير أممي التغيرات المناخية في العالم بغير المسبوقة، محذرا من ارتفاع أسرع من المتوقع لدرجات الحرارة سوف تستمر تداعياته آلاف السنين، وهو ما اعتبره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بمثابة “إنذار أحمر” للعالم.
تحذيرات سابقة
الحديث عن غرق الدلتا يتجدد على مدار السنوات السابقة، مثل تصريحات متكررة خلال الشهور الماضية لرئيس هيئة الأرصاد المصرية السابق أحمد عبد العال، الذي حذر من تأثير التغيرات المناخية على شمال البلاد نتيجة ذوبان القطب الشمالي وارتفاع مستوى البحار والمحيطات.
ورجّح عبد العال أن يحدث ذلك بعد 50 عاما حال لم يتم اتخاذ إجراء من الدولة بردم مساحة من البحر المتوسط بمسافة تصل إلى 10 كيلومترات لحماية الدلتا.
وفي الأسبوع الماضي، أكد وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي، أن أكثر من ثلث دلتا نهر النيل معرض للغرق بسبب التغيرات المناخية.
وبحسب ما نقلته جريدة الأهرام الحكومية، أتت تصريحات الوزير المصري خلال جلسة فنية لعرض ومناقشة مشروع “التكيف مع التغيرات المناخية في الساحل الشمالي ودلتا النيل” في ثاني أيام أسبوع القاهرة الرابع للمياه، والذي عقد بالعاصمة المصرية خلال الفترة الممتدة بين 24 و28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعنوان “المياه والسكان والتغيرات العالمية.. التحديات والفرص”.
كما شارك عالم الفضاء المصري بوكالة ناسا الأميركية عصام حجي، في دراسة عملية أكدت أن غرق مناطق شمال الدلتا سيتكرر في المستقبل، وسيكون أشد وطأة نتيجة التآكل المستمر للشواطئ، وهو ما أرجعه للتخطيط العمراني غير السليم.
وبحسب الدراسة المنشورة في 27 يناير/كانون الثاني الماضي بمجلة “نيتشر ساينتفك ريبورتس ” (Nature Scientific Reports)، فإن المناطق الساحلية للدلتا المكتظة بالسكان أكثر تعرضا للهشاشة، بنسبة تصل إلى 70% بالمقارنة بأي منطقة ساحلية أخرى شرق حوض البحر المتوسط.