هل أصبح الإنتربول أداة في يد الأنظمة القمعية؟
هل أصبحت الشرطة الدولية الذراع الطويلة للأنظمة الديكتاتورية؟ سؤال طرحته صحيفة “الغارديان” في تحقيق مطول كتبه جوش جاكوبس وقال فيه إن اللائحة الحمراء التي عادة ما استخدمت في الماضي لملاحقة المجرمين وعصابات الجريمة المنظمة باتت تحتوي على أسماء لاجئين ومعارضين سياسيين.
وبدأ بالحديث عن رجل الأعمال الروسي أليكسي خاريس، الذي بحث في عام 2015 عن الأخبار ليقرأ خبرا أن الحكومة الروسية ستطلب اعتقاله عبر “منظمة شرطة الجريمة الدولية” (إنتربول). ودهش لأنه لم يعرف عن الإنتربول إلا من الأفلام والروايات. وحاول تطمين نفسه أن المحاولة الروسية هي عملية استفزاز وأن الشرطة الدولية لن تلاحقه. وظل خلال الأشهر اللاحقة يتابع اللائحة التي تضم آلاف الأسماء، إرهابيين ومجرمين وخاطفي أطفال.
ووجد خاريس نفسه في مواجهة السلطات عندما كان يدير شركة زاو روسدورسنبجين والتي حصلت على عقد من الحكومة عام 2010 لإصلاح حوض بناء السفن قرب مدينة فلاديفستوك، شرقي روسيا. وقال إن شريكه التجاري إيغور بوربوت أخبره عن مسؤول يقوم باختلاس المال من المشروع. وقال إنه استهدف بعدما هدد بالكشف عن الفساد الرسمي ولأنه رفض تقديم شهادة ضد بوربوت. وحسب روايته فقد أخبرته المخابرات الروسية أن شريكه سينهار ويمكنه مساعدتها وإلا سقط مثله. وكان يأمل بسذاجة أن يؤدي التحقيق الروسي لتبرئته لكن بلاغ انتربول أكد جرمه، الغش الذي يحمل معه سجن 10 أعوام في روسيا وأن خاريس هو جزء من “مجموعة إجرامية” سرقت عشرات الملايين من الجنيهات من شركته. واعتبر تيد بروماند، الذي قدم شهادة خبير أثناء محاكمته في روسيا أن الاتهامات عارية عن الصحة ولا جوهر فيها أيا كانت.
وتوصل بروماند الخبير في الشؤون الدولية بـ “هيرتيج فاونديشن” (مؤسسة التراث) اليمينية أن هذه هي محاولة أخيرة لروسيا من أجل استخدام انتربول كسلاح ضد معارضيها. وبحسب المعهد الأمريكي فريدم هاوس، فروسيا مسؤولة عن نسبة 38% من بلاغات انتربول الحمراء. وتوصل بروماند في شهادته أن الفدرالية الروسية ملأت طلب التسليم للإنتربول، لكن المنظمة رفضت التعليق على خاريس أكثر من الحديث أن هناك بلاغا أحمر ضده. ورفضت سلطات الهجرة الأمريكية المشاركة في رأيها حول طلب انتربول إلا أن وزارة الأمن الداخلي استخدمت الطلب للقول إنه “خطر على السفر” واحتجزته مدة 15 شهرا في سان فرنسيسكو عام 2017. ونشرت زوجته آنا، مدونة وصفت فيها حالة الانتظار والليالي الطويلة التي قضتها وقالت إنه زوج حنون.
وتم طرح فكرة إنشاء منظمة لمكافحة الجريمة الدولية عام 1914 ولكن تأسيسها الحقيقي جرى عام 1923، لمنع الأشخاص من ارتكاب جرائم في بلد والهروب إلى بلد آخر لتجنب العقاب. وحاولت الأنظمة الديكتاتورية إساءة استخدامها، ففي عام 1938 أطاح الحكم النازي برئيسها ونقل مقرها إلى برلين مما أدى لخروج معظم الدول الأعضاء، وظل هذا الوضع حتى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وتدعم الدول الأعضاء، 194 للبحث عن وملاحقة مجرمي الحرب ومهربي المخدرات والهاربين من العدالة، ولوائحها الحمراء هي أقرب لأمر دولي للقبض حيث يتم تحديد مكان آلاف الفارين كل عام. وضمت اللوائح الحمراء، أسامة بن لادن والساعدي القذافي، نجل الزعيم الليبي السابق. ومع زيادة حركة المجرمين وترابطهم وتوسع الحركات الإرهابية وتعاونها باتت انتربول مهمة.
وزاد عدد البلاغات الحمراء خلال العقود الماضية إلى 10 أضعاف من ما بين 1.200 – 2.000 إلى 12.000 في العام الماضي. وهناك بلاغات أخرى صفراء للمختطفين وسوداء للجثث المجهولة. وإلى جانب المطلوبين لاحظ خبراء القانون الدولي زيادة مثيرة للقلق في استخدام قائمة المطلوبين من دول تهدف للانتقام وملاحقة المعارضين واللاجئين والنقاد. ولا تعرف نسبة الطلبات ذات الدوافع السياسية على قائمة المطلوبين وعددها 66.000 شخص، إلا أن تقارير للكونغرس والبرلمان الأوروبي وأكاديميين قاموا بتوثيق عمليات إساءة استخدام الدول لانتربول خلال السنوات الماضية. وقال بروماند “لا جدال أن عدد البلاغات الحمراء التي يساء استخدامها في تزايد”. فمحاولة التلاعب بنظام انتربول لملاحقة الناقدين في الخارج هي سمة واضحة وتشمل على الاغتيال والتسميم وتقطيع الجثث والابتزاز والتجسس على الهواتف وتهديد أفراد العائلات التي تركت في الوراء. وربما اختلفت الأساليب ولكن الهدف واحد وهو إرسال رسالة شريرة: قد تترك البلاد ولكنك ستعاقب. وقررت الشرطة الدولية إعادة وضعية سوريا التي تعاني من حرب أهلية، بشكل تستطيع فيه الحصول على قاعدة بياناتها. وقال المحامي توبي كادمان الذي يعمل على حالات متعلقة بسوريا “نظام انتربول غامض، بدون رقابة أو محاسبة ويساء استخدامه بطريقة روتينية من دول مثل سوريا”. وقال إنه من السهل وضع اسم شخص على القائمة الحمراء لكن إزالة الاسم أصعب وبخاصة في بريطانيا وهولندا.
ولا يعرف الكثيرون عن شمول القائمة لأسمائهم إلا بعد قطع الحدود، فلاعب الكرة حكيم العريبي سجن عام 2018 في تايلاند بعدما غادر أستراليا التي قدم طلب لجوء فيها بعد هروبه من البحرين. وقضى العريبي 76 يوما في السجن وكانت حالته واحدة من عدة حالات أدت إلى شجب دولي. وهناك حالة المدافع الروسي عن البيئة بيتر سيلي. واتهم بالتخريب عام 2010 لتظاهره ضد بناء طريق سريع في غابة خيميكي قرب موسكو. وهرب عام 2012 إلى فنلندا لكن إسبانيا اعتقلته بناء على بلاغ من انتربول. وهناك أيضا بيني ويندا رسام الكاريكاتير من ويست باباوا والذي هرب من سجن في أندونيسيا وحصل على لجوء في بريطانيا. وقالت المستشارة أنغيلا ميركل “علينا عدم إساءة استخدام انتربول لهذه الأغراض” في تعليق على اعتقال السلطات الإسبانية الكاتب الألماني المولود في تركيا دوغان اكنالي عام 2017 بناء على أمر تركي. لكن السلطات المغربية اعتقلت الشهر الماضي الناشط الإيغوري إدريسي إيشان الذي تطالب الصين بترحيله. وألغت انتربول أمر القبض عليه بعد مراجعة حالته لكنه يواجه خطر الترحيل.
وقالت المحامية الأمريكية ميشيل إيستلاند التي مثلت عددا من الذين وردت أسماءهم ظلما على قائمة المطلوبين إنها شعرت بالصدمة من إساءة البلاغات الحمراء في انتربول. وأضافت أن صعود المعارضة عبر الإنترنت زاد من رغبة الحكومات لإسكات أصوات المعارضة. ويحظر دستور انتربول استهداف أي شخص لأغراض سياسية وأعلنت عام 2015 أنها ستحذف أي اسم ثبت أنه لاجئ. ويتم تحويل المطالب المثيرة للتساؤل إلى فرقة خاصة في مقر الشرطة الدولية في ليون، فرنسا. وقالت تركيا إن انتربول رفضت 773 طلبا لوضع أسماء عناصر في منظمة “خدمت” التابعة لفتح الله غولن المصنفة إرهابية في تركيا والمتهم بالمشاركة في المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016. وتدخل انتربول ضد تركيا هو واحد من الأمثلة، لكن الدول الأعضاء عادة ما تقدم معلومات صحيحة عن المطلوبين ثم تتهمهم بجرائم مالية أو إساءة استخدام المصادر والتربح.
ويعترف الأمين العام للانتربول خلال السبع سنوات الماضية يورغن ستوك بالتهديد الذي تمثله البلاغات الحمراء الإشكالية على سمعة المنظمة. وقال إن الدول لا تخبر انتربول عن وضعية اللجوء للشخص المطلوب وهي مسؤولية مشتركة.
وواجه مشاكل تتعلق بالوباء مثل اللقاحات المزيفة والهجمات الإلكترونية واتصالات مزيفة. ويرى ستوك، 62 عاما أن عمل المؤسسة الرئيسي هو مكافحة “انتهاك الأطفال والقتلة والغشاشين”. ويرى أن إساءة استخدام البلاغات الحمراء لأغراض سياسية وضد لاجئين لا تمثل إلا نسبة صغيرة من البلاغات الحقيقية. وحسب رأيه فالنسبة للبلاغات المدفوعة بدوافع سياسية لا تتجاوز 5%.
وفي النهاية تدار الشرطة الدولية من الدول الأعضاء فيها، وفي الشهر المقبل ستلتقي الدول في إسطنبول لاختيار رئيس جديد خلفا لستوك. ومن بين الذين يتنافسون على المنصب المرشح المثير للجدل: أحمد ناصر الريسي، المسؤول الأمني في الإمارات العضو في اللجنة التنفيذية لإنتربول. وتتهم منظمات حقوق الإنسان ومحامون الريسي بالإشراف على انتهاكات في السجون الإماراتية التي اعتقل فيها معارضون ونقاد للنظام الحاكم. وفي تقرير صدر هذا العام لمنظمة “انترناشونال هيومان رايتس أدفايزرز” أعده المحامي البريطاني والقاضي السابق ديفيد كالفيرت- سميث، لن يصادق ويؤكد رئيس إماراتي للإنتربول على سجل الإماراتي في حقوق الإنسان والعدالة الجنائية، ولكن بالإضافة لذلك، فالجنرال الريسي ليس مناسبا لهذا الدور، فهو على رأس نظام العدالة الجنائية في الإمارات وأشرف على الملاحقات المتزايدة للمعارضين والتعذيب المستمر وانتهاكات نظام العدالة الجنائية.