إنترسبت: فيسبوك تنظر إلى المسلمين على أنهم الخطر الأكبر
كشف تقرير نشره موقع إنترسبت (The Intercept) الأميركي الإخباري النقاب عن قائمة سرية سوداء وضعتها شركة فيسبوك (Facebook)، تضم أفرادا ومنظمات وصفتهم بالخطرين.
ونسب الموقع إلى خبراء القول إن القائمة تمثل تجسيدا واضحا لأولويات السياسة الخارجية الأميركية، بحيث من الممكن أن تسفر عن فرض رقابة غير متكافئة على الفئات المهمشة.
وجاء في التقرير الذي أعدّه سام بيدل -وهو صحفي متخصص في تناول مواضيع تتعلق بالمخالفات والتعسف في استخدام السلطة في مجال التكنولوجيا- أن فيسبوك ظلت لسنوات عديدة تحظر المستخدمين من التحدث بحرية عن أشخاص وجماعات تقول إنهم يروجون للعنف، في محاولة منها لدرء الاتهامات ضدها بالترويج “للإرهابيين”.
ويبدو أن القيود التي فرضتها الشركة تعود إلى عام 2012، عندما اضطرت -في مواجهة القلق المتزايد داخل أروقة الكونغرس والأمم المتحدة من عمليات تجنيد “الإرهابيين” عبر الإنترنت- إلى إدراج حظر منظمات ذات سجل إرهابي أو نشاط إجرامي عنيف ضمن معايير مجتمع فيسبوك (Community Standards). ومنذ ذلك الحين، تحوّل هذا المعيار “المتواضع” إلى ما يعرف اليوم بـ”سياسة الأفراد والمنظمات الخطرين”، وهي مجموعة واسعة من القيود يمكن أن يرى قرابة 3 مليارات من مستخدمي فيسبوك أنها تشمل قوائم متزايدة باضطراد لكيانات تُعد متجاوزة لحدود المعقول.
وفي السنوات الأخيرة، استُخدمت هذه السياسة بوتيرة أسرع -حتى ضد رئيس الولايات المتحدة- وأضفي عليها ما يشبه القدسية في شبكة التواصل الاجتماعي، حيث ظلت تُطرح لطمأنة عامة الجمهور كلما اندلعت نوبات عنف وتم ربطها بفيسبوك، مثل مذبحة ميانمار ضد المسلمين واقتحام مبنى الكونغرس الأميركي من قبل متطرفين بيض.
وأضحت سياسة الأفراد والمنظمات الخطرين -كما يرى منتقدوها- نظاما غير خاضع للمساءلة، تُعاقب بموجبه مجتمعات بعينها على نحو غير متكافئ. ويستند النظام على قائمة سوداء تضم ما يربو على 4 آلاف شخص وجماعة، من بينهم سياسيون وكُتَّاب وجمعيات خيرية ومستشفيات ومئات المهرجانات الموسيقية وشخصيات تاريخية طواها الموت منذ زمن طويل، مثل وزير الدعاية في ألمانيا النازية جوزيف غوبلز، وحاكم إيطاليا الفاشية بينيتو موسوليني.
وناشدت مجموعة من رجال القانون ودعاة الحرية المدنية شركة فيسبوك نشر القائمة، حتى يتسنى للمستخدمين معرفة أنهم معرّضون لخطر حذف تدويناتهم أو تعليق حساباتهم بسبب مدحهم شخصا ما بها.
ووفقا لتقرير سام بيدل، فإن الشركة رفضت مرارا نشر تلك القائمة بدعوى أنها قد تُعرِّض موظفيها للخطر وتسمح للكيانات المحظورة بالتحايل على السياسة.
ورغم هذا الادعاء، فإن مجلس الإشراف على محتوى فيسبوك “المختار أعضاؤه بعناية”، أوصى رسميا في العديد من المناسبات -كان آخرها في أغسطس/آب الفائت- بنشرها من أجل المصلحة العامة.
من جانبه، أرفق موقع إنترسبت القائمة المكونة من 100 صفحة على هيئة “بي دي إف” (PDF) في متن التقرير الذي أعده بيدل.
وتضمنت القائمة أسماء منظمات، مثل: حركة طالبان، وتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، وجماعة لشكر طيبة الباكستانية، وأسماء عدد من الشخصيات.
ونقل التقرير عن فايزة باتيل المديرة المشاركة لبرنامج الحرية والأمن القومي في مركز برينان للعدالة، قولها إن فيسبوك وضعت مستخدميها في موقف شبه مستحيل، بإبلاغهم أنه لا يمكنهم نشر مواد عن جماعات وأفراد تصنفهم الشركة خطرين، لكنها ترفض بعد ذلك الإفصاح علنا عمَّن تعتبرهم خطرا.
ويمضي التقرير إلى القول إن كل من ورد ذكره من أفراد ومنظمات في القائمة تقريبا هم في نظر أميركا أو حلفائها عدوا أو يشكل تهديدا. ويتألف أكثر من نصف القائمة من “إرهابيين أجانب مزعومين”، حيث يخضع النقاش الحر بشأنهم إلى رقابة صارمة من قبل فيسبوك.
وتفرض الشركة -بموجب سياسة الأفراد والمنظمات الخطرين- قيودا مرنة على التعليقات بشأن مليشيات البيض المناهضة للحكومات، أكثر من تلك التي تطبقها على الجماعات والأفراد المدرجين “إرهابيين”، والذين ينحدر غالبيتهم من الشرق الأوسط وجنوب آسيا والمسلمين، أو ممن يُقال إنهم جزء من تنظيمات “إجرامية عنيفة” ومعظمهم من السود واللاتينيين، كما يشير الخبراء.
وعلى الرغم من أن الخبراء الذين اطلعوا على القائمة السوداء يرون أن سياسة فيسبوك تُحجَب دون مبرر من المستخدمين وتتخذ ضدهم إجراءات عقابية، فإن ذلك يشي بمعضلة حقيقية تواجهها الشركة.
وبحسب الخبراء الذين يستشهد موقع إنترسبت بأقوالهم، فإن القائمة والقواعد المصاحبة لها تبدو تجسيدا واضحا للهواجس الأميركية والمخاوف السياسية وقيم السياسة الخارجية التي تبنتها الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على مدينتي نيويورك وواشنطن.
وتظهر المعلومات التي اطلع عليها الموقع الإخباري أن فيسبوك تمارس “سلطة ونفوذا” على بعض المجتمعات، بينما تتعامل مع المجتمعات الأخرى بحرص أكبر، على حد تعبير أنخيل دياز المحاضر في كلية القانون بجامعة كاليفورنيا الذي كتب عن تأثير السياسات التي تتعامل بها فيسبوك مع المجتمعات المهمشة.
وذكر مدير سياسة مكافحة الإرهاب والمنظمات الخطيرة في فيسبوك برايان فيشمان -في بيان مكتوب- أن “الشركة تبقي على القائمة طي الكتمان وتحاول أن تكون شفافة بقدر الإمكان، مع إيلاء الأهمية القصوى للأمن وتقليل المخاطر القانونية وحرمان الجماعات من الالتفاف على قوانيننا”.
وأضاف أن فيسبوك لا ترغب في أن يكون هناك وجود “للإرهابيين، أو الجماعات التي تبث الكراهية أو المنظمات الإجرامية” على منصتها، وهذا ما يدعونا لحظرهم وإزالة أي محتوى يسبغ عليهم المديح أو يمثلهم أو يناصرهم.
وأكد فيشمان أنهم يعملون حاليا على حظر أكثر من 250 من جماعات العنصريين البيض.
ويشير التقرير إلى أن القائمة السوداء صنّفت الأفراد والمنظمات الخطرة إلى مجموعات منفصلة، تمثل دعاة الكراهية، و”الإرهاب”، والحركات الاجتماعية ذات الطابع العسكري، وجهات فاعلة عنيفة لا تنتمي لدولة بعينها.
ثم قُسِّمت تلك المجموعات إلى 3 مستويات، ولا يُسمح لمن هو مدرج في القائمة السوداء بأن يكون له وجود على منصات فيسبوك، كما لا يسمح للمستخدمين من تمثيل أنفسهم على أنهم أعضاء في أي مجموعات مصنفة وفق سياسة الشركة.
على أن تلك المستويات تحدد أيا من مستخدمي فيسبوك الآخرين مخول بالتعليق على الكيانات المحظورة.
ويتضمن المستوى (1) قيودا صارمة للغاية، إذ لا يجوز للمستخدمين التعبير عن أي شيء ينطوي على مدح أو تأييد للجماعات أو الأفراد المدرجين في إطار هذه الفئة.
ويشمل هذا المستوى الجماعات والأعضاء ممن يزعم أنهم يمارسون الإرهاب والكراهية والإجرام. ويتم تعريف الإرهاب بموجب هذا المستوى على أنه أي عمل يتضمن “التنظيم أو الدعوة إلى العنف ضد المدنيين”.
أما الكراهية فتعني “الحط من إنسانية الأشخاص أو الدعوة إلى إلحاق الأذى” بالأشخاص ذوي الخصائص المشتركة المحميين قانوناً من التعرض للأذى أو المضايقة أو التمييز ضدهم.
ويقول سام بيدل في تقريره إن هناك ما يقارب 500 مجموعة كراهية ضمن المستوى (1)، أكثر من 250 منها منظمات تؤمن بتفوق الجنس الأبيض.
وفي المستوى (2) جهات فاعلة عنيفة من غير الدول، وتتألف أغلبها من مجموعات مثل المتمردين المسلحين المناهضين للحكومات ولا يستهدفون المدنيين، كما تشمل أيضا العديد من الفصائل المنخرطة في الحرب السورية.
أما المستوى (3) فهو للجماعات غير العنيفة، لكنها تنخرط باستمرار في خطاب الكراهية ويبدو أنها على أهبة الاستعداد لتمارس العنف في وقت قريب، أو أنها تنتهك سياسات فيسبوك للأفراد والمنظمات الخطرين.
ويبدو أن تلك التصنيفات -كما تعتقد فايزة باتيل من مركز برينان للعدالة- أوجدت نظامين متباينين، حيث تُنزل أقصى العقوبات على المناطق والمجتمعات ذات الأغلبية المسلمة.
وتوحي الفوارق في التركيبة السكانية بين المستويين (1) و(2) أن فيسبوك -كشأن الحكومة الأميركية- تنظر إلى المسلمين على أنهم “الخطر الأكبر”، بحسب وصف باتيل.