سقف الدين الأمريكي يهدد العالم بكارثة اقتصادية
يترقب الأمريكيون نتيجة صراع مرير بشأن رفع سقف الدين العام، وهو ما سيتوجب على المشرّعين في الكونغرس الاتفاق بشأنه خلال مدة قصيرة، إذ يترتب عليه سداد العديد من المستحقات المالية المترتبة على أكبر اقتصاد في العالم، سواء لجهات محلية أو دولية، ما يجعل الأمر محل اهتمام عالمي.
وسيكون لتخلف الولايات المتحدة عن السداد، وهي سابقة، عواقب وخيمة مع تداعيات على الاقتصاد العالمي بكامله، بحسب تقرير لموقع قناة “الحرة” الأمريكية.
ويحظر سقف الدين الحالي، ما لم يتم رفعه، استدانة أكثر من الحد الأقصى البالغ 28.4 تريليون دولار، فيما سيؤدي العجز عن التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن تحت قبة الكونغرس، خلال 17 يوما فقط، إلى كارثة اقتصادية حقيقية، داخليا وخارجيا.
سيؤدي عدم رفع سقف الدين إلى احتمال عدم دفع رواتب موظفي الحكومة أو المقاولين المتعاقدين معها، وكذلك قد تتوقف عن منح القروض الممنوحة للشركات الصغيرة أو طلاب الجامعات، والتوقف عن دفع الفواتير المستحقة بذمتها وهذا يعني من الناحية الفنية أنها في حالة تخلف عن السداد.
كما يتوقع أن يتسبب التخلف عن السداد في انزلاق الولايات المتحدة في ركود اقتصادي ناجم عن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4 بالمئة تقريبا.
وسيؤدي ذلك أيضا لفقدان حوالي ستة ملايين وظيفة، مما يسبب ارتفاعا في معدل البطالة ووصولها لنحو 9 بالمئة.
أما على الساحة الدولية، فسيكون لهذا التخلف عواقب اقتصادية وخيمة، إذ سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتقليل قيمة الدولار مقابل العملات العالمية الأخرى وإصابة الأسواق العالمية بحالة من الذعر وربما الركود.
وسيدفع الركود المستهلكين والشركات الأمريكية لتقليل كمية السلع والخدمات التي يشترونها من خارج البلاد، ما يعني أن بلدان الأسواق الناشئة التي تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة للحصول على جزء كبير من دخلها ستكون الأكثر تضررا.
وسيكون، كذلك، للانخفاض المتوقع لقيمة الدولار تأثير مماثل، إذ سيجعل شراء الإمدادات من الخارج أكثر تكلفة على الشركات الأمريكية، وبالتالي يتسبب بانخفاض حجم التبادلات التجارية على مستوى العالم.
وسيؤثر انخفاض قيمة العملة الأمريكية على البلدان التي يرتبط اقتصادها بالدولار، والتي ستشهد تقليصا في القوة الشرائية لمخزونها الحالي من العملة.
ببساطة تقوم حكومة الولايات المتحدة، حالها حال باقي دول العالم، بالاقتراض عندما تنفق أموالا تفوق قيمتها حجم الإيرادات، وذلك عن طريق إصدار سندات خزينة.
سقف الدين، الذي وضعه الكونغرس قبل أكثر من 100 عام، هو الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن للحكومة اقتراضه، والذي يبلغ حاليا، كما أسلفنا، 28.4 تريليون دولار.
ويمثل السقف الحد الأقصى الذي لا تستطيع الدولة تجاوزه في الاقتراض، وبالتالي يصبح عليها أن تعتمد على سيولتها النقدية للوفاء بمدفوعاتها، من رواتب العسكريين وحتى خطابات اعتمادها.
تصدر الحكومة الأمريكية سنويا سندات خزينة بالدولار من أجل الاقتراض، وذلك عبر طرحها في الأسواق بفائدة معينة.
يمكن للدول الأجنبية والأفراد والشركات والهيئات والمؤسسات المحلية داخل الولايات المتحدة شراء هذه السندات.
وصل مستوى الدين الحكومي الأمريكي حاليا لأقل بقليل من 28.5 تريليون دولار، أي أكثر بنحو 29 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام.
نحو ربع هذه الأموال تدين بها الحكومة لنفسها، حيث تستثمر إدارة الضمان الاجتماعي 2.9 تريليون من فائض أرباحها في السندات الحكومية، ويحتفظ الاحتياطي الفيدرالي بأكثر من 5 تريليونات دولار في سندات الخزينة الأمريكية.
في المقابل، تمتلك الدول الأجنبية والشركات والأفراد 7.5 تريليونات دولار من ديون الحكومة الأمريكية، حيث تعد اليابان والصين أكبر المستثمرين بواقع تريليون دولار لكل منهما.
أما باقي السندات فمملوكة لمواطنين وشركات أمريكية وولايات وحكومات محلية.
قبل عام 1917، كان الكونغرس يأذن للحكومة باقتراض مبلغ ثابت من المال لفترة محددة، وعندما يتم سداد القرض لا يمكن للحكومة الاقتراض مرة أخرى ما لم يُسمح لها بذلك.
تغير هذا بعد أن تم تشريع قانون جديد في عام 1917 وضع سقفا للديون وسمح بتمديد مستمر لعملية الاقتراض دون موافقة الكونغرس.
سن الكونغرس هذا الإجراء للسماح للرئيس آنذاك وودرو ويلسون بإنفاق الأموال التي اعتبرها ضرورية لخوض الحرب العالمية الأولى دون انتظار المشرعين الذين غالبا ما يكونون غائبين، أو لا يستطيعون حضور الجلسات لبعد المسافات بين الولايات وصعوبة الوصول في حينه.
ومع ذلك، لم يرغب الكونغرس في كتابة شيك على بياض للرئيس، لذلك حدد الاقتراض بـ 11.5 مليار دولار، واشترط أن يكون هناك تشريع جديد في حال الرغبة بزيادة المبلغ.
ومنذ ذلك الحين، تم رفع سقف الدين عشرات المرات، وتم تعليق العمل به في عدة مناسبات، كان آخرها في آب/ أغسطس 2019، عندما علق الكونغرس الحد حتى 31 تموز/ يوليو 2021.
الأسبوع الماضي حذرت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين من كوارث مالية محتملة قد تلحق بالبلاد في حال لم يرفع سقف الدين ولم تتمكن الولايات المتحدة من سداد ديونها مع حلول المهلة المحددة.
وقالت يلين إنه “في غضون أيام، سيفتقر ملايين الأمريكيين إلى النقود، وقد تنقطع شيكات الضمان الاجتماعي عن نحو 50 مليون مسن. وقد تتوقف رواتب الجنود”.
واستذكرت يلين أزمة ديون عام 2011، مشيرة إلى أن سياسة وضع الولايات المتحدة على حافة الحد الأقصى للدين “دفعت بأمريكا إلى شفير أزمة”.
وشددت يلين على أن التحرك في أسرع وقت ممكن، سيمكن البلاد من تجنب النتائج الأسوأ التي شهدتها سنة 2011.
وكانت الولايات المتحدة خلال الأزمة المرتبطة بمناقشة الدين في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما أقرب من أي وقت مضى إلى التخلف عن السداد.
ودفع ذلك منظمة “ستاندرد آند بورز” إلى خفض تصنيف ديون الولايات المتحدة إلى “أيه أيه أيه”، ما أحدث هزة في الأسواق.
وقالت يلين إن ذلك “سيقوض الثقة في الدولار كعملة احتياط” و”كملاذ آمن”. وأضافت: “سنكون أمام أزمة مفتعلة فرضناها على هذا البلد الذي يمر بفترة صعبة للغاية وهو في طريقه للتعافي”.
ويصر الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأمريكي على رفض تأييد أي زيادة لسقف الديون أو تعليق العمل بهذا السقف، على الرغم من أنهم ضغطوا في هذا الاتجاه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
فقد عرقلوا الاثنين محاولة الديموقراطيين الموافقة على تعليق السقف لمدة 14 شهرا مع ميزانية مؤقتة.
ويستخدم زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل سقف الديون كأداة سياسية للاحتجاج على خطط الإنفاق التي وضعها الرئيس جو بايدن.
ولا يؤدي رفع سقف الدين إلى زيادة الإنفاق، ولكنه يسمح ببساطة لوزارة الخزانة بتمويل المشاريع التي وافق عليها الكونغرس من قبل، بما في ذلك تريليونات الدولارات من المساعدات التي تقررت خلال جائحة كوفيد-19.