مأزق مالي ينذر بانفجار اجتماعي في تونس
بلغت تونس أعتاب مأزق مالي مؤرق ينذر بانفجار اجتماعي في ظل الضبابية السياسية التي تغرق فيها البلاد، إذ لم يتبق على نهاية هذا العام سوى 94 يوما، ومع ذلك لا أحد يعلم كيف يمكن تعبئة الموارد المالية المنقوصة بقيمة 3 مليارات دولار لصرف الأجور والنفقات المتبقية.
وبعد أكثر من شهرين على الإجراءات الاستثنائية التي أصدرها الرئيس التونسي قيس سعيد، أعلنت رئاسة الجمهورية اليوم الأربعاء تكليف نجلاء بودن رمضان -كأول امرأة في تاريخ تونس- برئاسة الحكومة، ومع ذلك لا تزال ملامح قانون المالية التكميلي لسنة 2021 غامضة.
وإلى الآن لم ير قانون المالية التكميلي النور لتوفير موارد مالية ممكنة أو تعديل فرضيات خاطئة بالموازنة الأصلية لسنة 2021، مثلما تم اعتماده كسعر مرجعي لبرميل النفط بقيمة 45 دولارا، في حين قفز سعره حاليا إلى 78 دولارا؛ مما ستنتج عنه نفقات إضافية.
مرحلة خطيرة
ويزيد تأخر صياغة قانون المالية التكميلي وتعطل المفاوضات مع صندوق النقد ومصاعب نفاذ تونس لأسواق المال العالمية جراء ضبابية الوضع السياسي وانفتاحه على جميع الاحتمالات نتيجة التدابير الاستثنائية؛ مخاوف الخبراء من الانهيار الاقتصادي والانفجار الاجتماعي.
ويقول الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان للجزيرة نت إن تونس كانت تعيش في خضم أزمة مالية واقتصادية خانقة قبل 25 يوليو/تموز الماضي، لكنها دخلت بعد ذلك التاريخ “مرحلة خطيرة” بسبب تخبطها في عدم القدرة على تعبئة الموارد الإضافية لإغلاق موازنة العام الجاري.
ولا يتوقع سعيدان أن تتمكن تونس من دخول أسواق المال العالمية أو الاقتراض على المستوى الثنائي من الدول، بسبب عدم وجود اتفاق للتداين من صندوق النقد الذي اهتزت لديه مصداقية الدولة التونسية لعدم التزام الحكومات المتعاقبة سابقا بتنفيذ إصلاحاتها وبرامجها.
وتظل التوقعات السيئة مفتوحة على مصراعيها بسبب خفض الترقيم السيادي لتونس 9 مرات منذ سنة 2011، في انتظار مراجعة قادمة أكثر حظا لصورة تونس؛ مما سيزيد تعقيد وضعها وصعوبة اقتراضها من الخارج، وهو ما قد يكون له تأثير على التزامها بسداد ديونها.
ومن المقدر أن ترتفع نسبة الدين العمومي لتونس نهاية العام الجاري 92.7%، وفي صورة ما أصبحت تونس عاجزة عن التداين بحكم ارتفاع مخاطرها، وسيقودها ذلك إلى عدم القدرة على سداد دينها؛ وهو ما سيجعلها تدخل في دوامة من إعادة جدولة الدين، وفق سعيدان.
ويتوقع الخبير أن تتجه تونس لأسوأ الحلول إذا لم تنجح في سد عجز الموازنة بقيمة 3 مليارات دولار من قبل الدول الصديقة، سواء عبر قروض أو هبات أو ودائع، ففي غياب هذا الحل لن يتبقى لديها سوى اللجوء لتمويل عجزها بالدينار التونسي من البنك المركزي التونسي.
وكلما تدخل البنك المركزي التونسي لشراء رقاع الخزينة قصيرة المدى التي تصدرها الدولة وقام بتمويل الموازنة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عبر البنوك؛ ازداد خطر انعدام التوازنات المالية وانهيار قيمة الدينار التونسي وارتفاع التضخم وغلاء الأسعار، حسب سعيدان.
ولا يستبعد سعيدان حصول انفجار اجتماعي مع فرضية تدهور القدرة الشرائية، خاصة لأولئك الذين لا يملكون وسيلة للدفاع عن أنفسهم ضد التضخم؛ مما ينذر بوقوع احتجاجات أكثر توسعا من قبل الطبقات الاجتماعية الضعيفة ممن لم تعد لها قدرة على التحمل.
اهمال الاقتصاد
وقراءة وزير المالية السابق حسين الديماسي لا تقل حيرة على وضع البلاد، إن تونس تعيش وضعية مالية خطيرة بسبب التراكمات السابقة، ومع ذلك يتواصل إهمال الملف الاقتصادي بعد 25 يوليو/تموز الماضي؛ تاريخ إعلان الإجراءات الاستثنائية.
ولا يعلم هذا الخبير كيف سيتم توفير موارد مالية إضافية لتغطية عجز الموازنة لما تبقى من العام الجاري بقيمة 3 مليارات دولار، لكنه لا يستبعد أن يلجأ من يحكم السلطة الآن إلى خيارين أحلاهما مر، متوقعا وقوع احتجاجات شعبية من قبل جزء من المناصرين لقيس سعيّد.
ويقوم أحد الحلول على لجوء السلطة إلى إجبار البنك المركز التونسي على ضخ السيولة لتعبئة موارد الموازنة، لكن هذا الخيار سيغرق البلاد في دوامة لا تطاق من التضخم المالي وانهيار سعر الدينار التونسي وضعف القدرة الشرائية واندلاع الاحتجاجات، على حد قوله.
أما الخيار الثاني فيتمثل -حسب تقديره- في لجوء السلطة الحالية إلى تنفيذ سياسة تقشفية -كما حدث في اليونان- من خلال خفض النفقات وخفض رواتب الموظفين، وحتى أعدادهم، ونفقات الدعم الحكومي على السلع الاستهلاكية؛ مما يقود لنفس نتيجة الاحتجاجات الشعبية.
ويرجع حسين الديماسي التباطؤ في صياغة قانون المالية التكميلي لإتمام تنفيذ موازنة 2021 وتصحيح التقديرات الخاطئة بموازنة العام الجاري إلى عدم القدرة على إيجاد مصادر لتعبئة الموارد الناقصة، مبينا أن البلاد مقدمة على مرحلة سيئة وشديدة المخاطر والتقلبات.
ولا يمكن التكهن ببوصلة البلاد بعد 25 يوليو/تموز الماضي، إذ تعيش تونس على وقع سلسلة احتجاجات سياسية ترفض ما تراه انقلابا على الدستور، في حين يسعى أنصار الرئيس سعيد للتظاهر يوم الثالث من أكتوبر/تشرين الأول المقبل لدعم قراراته الاستثنائية.