شيخ المجاهدين وأسد الصّحراء الشهيد عمر المختار
إنّنا نقاتل لأنّ علينا أن نقاتل في سبيل ديننا وحريتنا حتّى نطرد الغزاة أو نموت، وليس لنا أن نختار غير ذلك.. الشهيد عمر المختار.
في عام 1931، نفذت قوات الاحتلال الإيطالي عقوبة حكم الإعدام بحق شيخ المجاهدين عمر المختار، بعد 20 عاما من الجهاد مرغ فيها أنف الاحتلال الإيطالي والبريطاني والفرنسي في ليبيا، ليصبح أسد الصّحراء ومنقذها من جشع أوروبا.
هو عُمر بن مختار بن عمر المنفي الهلالي، المنتمي للقبيلة العربية الشهيرة “بني هلال”، ولد في 20 آب/أغسطس 1858 وقيل 1862، بمنطقة الجبل الأخضر شرقي ليبيا، فقد والده وهو بسن صغيرة، التحق بالمدرسة القرآنية، ثم تدرج في العلوم الشرعية من فقه وحديث وتفسير، سقلت حياة الصّحراء شخصيته القيادية، وتدرب على فنون القتال، حاز بعدها على ثقة كبار شيوخ “الدعوة السنوسية” التي كانت تقوم على مبادئ الشريعة الإسلامية، وتحث على الجهاد ضد العدو.
سافر في العام 1899 إلى تشاد، لينشر تعاليم الدّين الإسلامي بتلك المناطق، ويشارك الكتائب السنوسية معاركها ضد الاحتلال الفرنسي للمنطقة الذي دام حتى عام 1902، وبعد سبع سنوات عاد إلى مسقط رأسه، ليعين قائدا عسكريا على منطقة الجبل الأخضر، وشهدت الأخيرة استقرارا وهدوء ممّا جعل الدولة العثمانية تثني على أدائه.
ذيع صيت المجاهد المختار، في الصّحراء الشاسعة وأصبح المنجد الذي يُلجئ إليه عند كل غزو على المنطقة، ففي عام 1908 قاتل الانتداب البريطاني على الحدود الليبية المصرية، كما أعلن الجهاد ضد إيطاليا.
أدار أعظم المعارك “خلال 20 عاما” ضد الغزو الإيطالي، وأصبح قائدا للمجلس الأعلى للعمليات الجهادية، بعد انسحاب الأتراك من ليبيا بموجب معاهد “لوزان” 1912، وألحق بالغزاة هزائم مريرة، وبقي صاحب مقولة “لئن كسر المدفع سيفي فلن يكسر الباطل حقّي”، يحارب الغزو الإيطالي حتى بعد انسحاب السنوسيين من ليبيا إلى مصر عام 1922.
لجأ إلى حرب العصابات بعدما حاصره المحتل، فأجبرهم على طلب مفاوضته عام 1929، لكنه رفض مطلبهم بوقف القتال، واستمر في القتال مترجلا مع ثلة قليلة من المجاهدين الذين آمنوا بفكره، وفي إحدى المعارك وبعد يومين من القتال المستميت، وقع شيخ المجاهدين وهو بسن 73 عاما أسيرًا في يد الغزاة الإيطاليين، يوم 11 أيلول/سبتمبر 1931.
نقل المختار في سيارة السجن تصحبه قوات مسلحة بالمدافع والرشاشات، من شدة الرعب الذي سببه للعدو رغم أنه كان حينها شيخ طاعن في السّن مجرد من سلاحه، ليعرض يوم 15 من نفس الشهر على محاكمة عسكرية صورية في مدينة بنغازي شرق ليبيا، وعندما ترجم الحكم إلى الشيخ المجاهد اكتفى بالقول “إنّ الحكم إلّا لله، لا لحكمكم المزيف، إنّا لله وإنّا إليه راجعون”، لينفذ فيه حكم الإعدام بالشنق أمام الملأ، صباح يوم 16 أيلول/سبتمبر 1931، وهو يردد: صاحب الحق يعلو وإن أسقطته منصة الإعدام.
رحل شيخ الشهداء، لكن تاريخه سيبقى ممجدا تتوارثه أجيال الحرية، وتأبى سيرته إلاّ أن تدون بخط من ذهب، وشهد لعظمة خصاله وعزته العدو قبل الصديق، فقال فيه الجنرال الإيطالي غراتسياني: ذنبه الوحيد أنه كان يكرهنا كثيرا، كان دائما معاديا لنا ولسياساتنا، ولا يلين أبدا، ولا يهادن، إلّا إذا كان الموضوع في صالح وطنه ليبيا، ولم يخن قيادته، فهو دائما موضع الاحترام رغم التصرفات التي تبدر منه في غير صالحنا.
في عام 2008 أقدم رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو برلسكوني، على الانحناء لنجل المختار، وتقبيل يده متعذرا عن كل المآسي التي تسببت بها بلاده للشعب الليبي، وشيدت له دولة فنزويلا تمثالا في العاصمة كراكاس، ووُثقت قصة كفاحه في فيلم بعنوان “أسد الصحراء”، للمخرج مصطفى العقاد عام 1981، أدى فيه الممثل العالمي أنتوني كوين دور شيخ المجاهدين.
تسترجع اليوم الشعوب العربية المتلهفة للحرية والعزّة في زمن الخنوع والمذلة، التي رسمها الحكام باتفاقاتهم المذلة مع أعداء الوطن، ومحاولتهم تركيع ما تبقى من مقاومة شريفة في فلسطين من خلال التحالف مع دولة العدو، كلمات المختار الخالدة بعد 90 عاما من استشهاده، حينما قال: “نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت، هذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أمّا أنا فإنّ عمري سيكون أطول من عمر شانقي”، “لا أغادر هذا الوطن حتى ألاقي وجه ربي”، ” كل مسلم الجهاد واجب عليه وليس منه، وليس لغرض أشخاص إنّما هو لله وحده”، “نحن الثّوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الآخر، ولا نسلم أو نلقي السّلاح”، “كن عزيزا وإيّاك أن تنحني مهما كان الأمر ضروريا، فربما لا تأتيك الفرصة كي ترفع رأسك مرة أخرى”.