الهيمنة العسكرية الأميركية كانت كارثية للشرق الأوسط وأميركا
الهيمنة العسكرية الأميركية على الشرق الأوسط كانت كارثية للمنطقة وللولايات المتحدة نفسها. ولا يقتصر الأمر على أن الإستراتيجية لم تنجح فحسب، بل إنها جعلت أميركا أقل أمانا، ولذلك فإن البدء بالانسحاب من المنطقة عسكريا ليس القرار الصائب فقط، بل كان واجبا منذ مدة طويلة.
هكذا استهل خبير العلاقات الأميركية الإيرانية والجغرافيا السياسية للشرق الأوسط تريتا بارسي مقاله في مجلة ناشونال إنترست (National Interest) مشيرا إلى الشرق الأوسط شهد وضوحا شديدا في سجل السلام الأميركي (Pax Americana) – وهو مصطلح لاتيني يقصد به فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بسبب من طغيان النفوذ الأميركي فيها- حيث عانت المنطقة من 5 صراعات مسلحة عام 1998. وبحلول عام 2019 ارتفع هذا العدد إلى 22.
وذكر أن هذه الصراعات ليست بالضرورة خطأ الولايات المتحدة، ولكن بصفتها القوة المهيمنة الفعلية، فقد جعلت واشنطن نفسها مسؤولة عن استقرار المنطقة. ومن خلال تفضيلها المضلل تقع على عاتقها المسؤولية.
وأضاف أنه لا ينبغي استبعاد ذلك لأن العديد من هذه الصراعات هي آثار غير مباشرة من حرب العراق، والتي كانت بالتأكيد من خطأ الولايات المتحدة.
لكن المشكلة كما يراها الخبير أعمق من مجرد إستراتيجية خاطئة لأن واشنطن طالما كانت مرتبكة بشأن ماهية مصالحها الفعلية في الشرق الأوسط، وخط سياستها الخارجية سيعطي قائمة طويلة من المصالح -من حماية إسرائيل إلى حماية موارد الطاقة بالمنطقة إلى “الوقوف مع حلفائنا”- دون القدرة على التمييز بين تلك التي تبرر استخدام القوة العسكرية وتلك التي لا تفعل ذلك.
علاوة على ذلك، فإن المصلحة الشاملة المتمثلة في “الوقوف مع حلفائنا” تجعل أي نقاش حول المصالح الأمنية الأميركية بلا معنى، حيث تُخضع الولايات المتحدة فعليا مصالحها المحددة بشكل غامض لمصالح شركائها الأمنيين (المتهورين غالبا) كما وصفهم الخبير.
ومن ثم، كما يرى الخبير، فإن خصوم شركاء أميركا يصبحون أعداءها، بغض النظر عما إذا كانوا يشكلون بالفعل تهديدا لمصالحها الحقيقية. ومع تراكم الأعداء بالتبعية، ينتهي الأمر بالولايات المتحدة لمزيد من الحروب والصراعات، القليل منها ضروري لتعزيز الأمن الأميركي.
وبناء على ذلك تنشئ الولايات المتحدة المزيد من القواعد العسكرية وتبيع المزيد من الأسلحة إلى الدول المستبدة في المنطقة وتلتزم بتوفير الأمن لمزيد من البلدان، في حين تجعل القوات الأميركية في الشرق الأوسط أهدافا سهلة للقائمة المتزايدة من الكيانات الإقليمية التي لديها مظالم ضدها، والتي معظمها متجذر في الوجود العسكري الأميركي غير المرغوب فيه بالمنطقة في المقام الأول.
وأشار الخبير إلى أن محدودية مصالح أميركا الجوهرية في المنطقة تلك التي يمكن أن تبرر استخدام القوة العسكرية، وأن أهدافها الإستراتيجية المتمثلة في حمايتها من الهجوم وتسهيل التدفق الحر للتجارة العالمية لا تستلزم وجود قواعد عسكرية دائمة في المنطقة، ناهيك عن الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط.
واختتم مقاله بالقول إن الوجود العسكري الأميركي عرقل الجهود المحلية لحل النزاعات الإقليمية، مما أضر كثيرًا بالاستقرار الإقليمي. وإذا أثبتت أفغانستان الخطوة الأولى في انسحاب أوسع للولايات المتحدة، فسوف يقع الزخم على دول المنطقة لتحمل عبء الاستقرار الإقليمي بنفسها. ويمكن للولايات المتحدة -ويجب عليها- دعم الجهود الدبلوماسية لتحقيق هذه الغاية، لكن هذا عمل الدبلوماسيين وليس الجنود.