حرائق تركيا.. تضليل وحملات مشبوهة تستهدف الدولة وحكومتها
سواء ناحية قضايا محلية أو إقليمية ودولية، أو باتجاه تأليب الرأي العام تجاه قضايا داخلية، قد تؤدي إلى إسقاط حكومات أو تشويه شخصيات، أو إحداث ثورات وغيرها.
في كارثة حرائق تركيا المستمرة منذ عدة أيام، في مناطق جنوب البلاد، انطلقت العديد من الأخبار والحملات التي تتضمن أخباراً كاذبة وتضليلاً وتهويلاً، حول الحدث، ومدى استعداد الحكومة التركية لمواجهة الحرائق. أما الهدف فهو زعزعة مكانة الحكومة التركية وصورة الرئاسة لدى الرأي العام التركي أولاً، والتأثير ثانياً على صورة تركيا الخارجية، وإظهارها دولة ضعيفة، وعاجزة، وغير قادرة على إخماد الحرائق، وبالتالي ضرب موسم السياحة.
في الأثناء تفجرت اتهامات سياسية وإعلامية من المعارضة للحكومة بعدم استعدادها لمواجهة الكارثة وتقصيرها في مواجهة الحرائق، التي اعتادت عليها تركيا في هذه الأوقات من كل عام، بفعل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة. وبطبيعة الحال لم تخف تركيا فرضية إمكانية تورط بعض الجهات المشبوهة في إشعال الحرائق، كما ألمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام.
المعارضة تمارس التحريض
العديد من أحزاب المعارضة شنت حرباً سياسة وإعلامية على الحكومة والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واتهمتهما بالتقصير في مواجهة الكارثة التي أتت على عشرات الأحياء السكنية، ودمرت قرى بأكملها. وبدلاً من الاصطفاف إلى جانب الدولة في أزمتها، انقضت هذه الأصوات على مؤسسة الرئاسة والحكومة في تصريحات تحريضية، واتهمتهما بالعجز وطلب العون من الخارج، فضلاً عن اتهامهما بعدم الاستعداد لمواجهة الأزمة والتمنع عن استخدام طائرات إطفاء الحرائق التركية، خاصة بعد اضطرار الحكومة لاستئجار أسطول خارجي من الطائرات الحديثة، وتلقيها الدعم من عدد من الدول لإخماد الحرائق.
على سبيل المثال نشر كمال كليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، فيديو لطائرات إطفاء الحرائق، تم استعراضها في معرض للطيران سابقاً وعلق عليه بالقول: “لقد ظهرت في المعرض للاستعراض ولم تساهم في إطفاء الحرائق”. من جهته هاجم تمل كرمولو أوغلو، زعيم حزب السعادة، أردوغان، واتهمه بامتلاك أكبر أسطول طائرات رئاسية، وبأنه لم يفكر في تأمين طائرات إطفاء حرائق لتركيا.
من جهة ثانية، تعمد البعض من المحسوبين على المعارضة أيضاً، تهويل الحدث أكثر ممَّا هو عليه من سوء، وتصوير المناطق التي أصابتها النيران على أنها مناطق منكوبة بالكامل، وأن النيران أحرقت حتى البشر. من بين هذه الأصوات رئيس بلدية أنطاليا “محيي الدين بوجيك”، الذي ظهر في مقطع فيديو على المنصات الرقمية، يقول فيه إنه لا يوجد طيران لإخماد الحرائق، وإن الناس يحترقون. الفيديو كان يرافقه صوت هدير طائرة في المنطقة، وهو ما دعا البعض لوصف ما يردده بأنها مجرد أخبار كاذبة.
بطبيعة الحال، ما تناسته هذه الأصوات المعارضة، أو غضت الطرف عنه، هو الإنجازات التي تمكنت الحكومة من إحرازها خلال الأيام الماضية، إذ تمت السيطرة على الغالبية العظمى من الحرائق التي لم تشهد البلاد لها مثيلاً من حيث مساحة الانتشار، منذ أعوام. كما تجاهلت المعارضة الحرائق المنتشرة في العديد من الدول، مثل كندا وفنلندا وروسيا وفرنسا وإيطاليا، وصعوبة السيطرة عليها بسرعة.
ما نقصده هنا، أن تركيا ليست البلد الوحيد الذي يُعاني من الحرائق وصعوبة إخمادها في ظل التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة وسرعة الرياح، كما أنها ليست الدولة الوحيدة التي تتلقى الدعم لوقف الحرائق، وليس ذلك أمراً معيباً في العلاقات الدولية، لكن المعارضة على ما يبدو تسعى لاستثمار الحدث سياسياً، للتحريض على الحكومة والرئاسة وتأليب الرأي العام التركي عليهما.
حملات مجهولة ومشبوهة
اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، مساء الأحد، بعض الحملات المضللة التي تستصرخ دول العالم لتقديم المساعدة لتركيا وإرسال الطائرات لإخماد الحرائق، وقد تضمنت هذه الحملات صوراً مرعبة للحرائق، تتضمن بعض الهاشتاغات مثل Global call# و #Help Turkey.
لكن توقيت هذه الحملات ومضامينها تثير الكثير من الشك حول مصدرها والهدف من وراء إطلاقها، حتى إن كانت في ظاهرها تطلب المساعدة، إذ صدرت هذه الحملات عن حسابات وهمية، مجهولة المصدر، في توقيت زمني واحد، بعد اندلاع الحرائق بأيام قليلة.
وما يزيد من شبهة هذه الحملات أن محتواها الذي يطعن في تركيا كدولة قوية، ويُظهرها بمظهر العاجزة واليائسة، انتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل، ما يعني احتمالية فعالية هذه الحملات وتأثيرها في المتلقين والناشرين لها. ففي يوم واحد انتشرت أكثر من 2.5 مليون تغريدة تتضمن وسوم هذه الحملات.
الصحفي التركي أنس يلماز، في مقطع فيديو على منصة “إنستغرام”، حذر من هذه الحملات وتداول الهاشتاغات الخاصة بها، باعتبارها صادرة عن حسابات وهمية غير رسمية، ولعدم طلب الحكومة أصلاً أي مساعدات خارجية. واعتبر يلماز أن الهدف من إطلاق هذه الحملات في الفضاء الرقمي هو تضليل الناس، وتشويه صورة تركيا بإظهارها دولة ضعيفة وغير قادرة على معالجة الأزمة، وأن الشعب هو من تولى زمام المبادرة، بطلب المساعدة من الخارج ومؤسسات المجتمع الدولي المختلفة.
وكانت الحكومة انتقدت هذه الحملات الإلكترونية، حيث دان “فخر الدين ألتون”، مدير دائرة الاتصال التابعة لقسم الرئاسة، هذه الحملات، ووصفها بالأخبار الكاذبة والمضللة، والتي نُظمت بدوافع أيديولوجية لإضعاف تركيا وإظهارها دولة عاجزة أمام العالم.
في تحليله لعينة من متداولي الوسوم الخاصة بتلك الحملات على تويتر، يُثير المختص في دراسات الشرق الأوسط والإعلام الرقمي، “مارك جونز”، تساؤلات مهمة حول مصدر هذه الحملة، ويتوصل إلى نتائج مثيرة، منها أن أكثر الحسابات النشطة في تداول هذه الوسوم نشأت يوم الحملة أو بعدها، وبأسماء غير حقيقية، كما تخلو صفحاتها من أي تغريدات ذات مضامين أخرى.
الأهم من ذلك أن هذه الحسابات عمدت لحذف تغريداتها بعد وقت قصير من نشرها، أو تبديل مفاتيح الوصول إليها، في محاولة على ما يبدو لتجنب اكتشاف مصدر الحملة والمساعي من خلفها.
بالمحصلة، من الواضح أن هناك الكثير من التلاعب في حملات طلب المساعدة لتركيا، مصدرها ما يزال مجهولاً، ما يضع علامات استفهام حول الهدف منها.
ورغم ضبابية مصدر تلك الحملات، فإنها وجدت تفاعلاً من أسماء حقيقية على مواقع التواصل. كما دعم العديد من المشاهير والمؤثرين الأتراك الحملة، من خلال مشاركتها على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتناقلها الكثير من المتضامنين العرب والأجانب، عن حسن نية في الغالب، وذلك لجهل مصدر هذه الحملات التي تُظهر تركيا دولة ضعيفة.
مع ذلك أثارت تلك الحملات عاصفة مضادة من التغريدات، تحمل وسوماً ذات طابع قومي، بما في ذلك “تركيا القوية” و”لسنا بحاجة إلى المساعدة”.
في النهاية، تُساهم الأخبار التضليلية والحملات مجهولة المصدر، عادة، في تكوين صورة نمطية عن تركيا وإظهارها دولة غير قوية أمام الجماهير الخارجية، فيما تؤلب هذه الحملات الرأي العام التركي وتُثيره على الدولة ومؤسساتها الرسمية. كما تؤثر في اتجاهاته الفكرية والسياسية. وقد تُرجمت هذه الأهداف من خلال الكم الهائل من تعليقات الأتراك المسيئة للحكومة عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي تتهم الأخيرة بالتقصير، وغض البصر وصم الآذان عن حجم الكارثة التي تتعرض لها المناطق الجنوبية، وترك النيران تلتهم غابات تركيا وتقضي على الحياة فيها. مع ذلك، رفضت شريحة واسعة من الأتراك توجيه أصابع الاتهام للحكومة في ما يتعلق بعدم القدرة على السيطرة على النيران.
وعن غير قصد، وربما عن جهل أو سوء نية، سارعت الكثير من المواقع الإعلامية العربية والغربية إلى نقل تصريحات المعارضة المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي وتبنيها، رغم ما تحمله في طياتها من تحريض مقصود على الحكومة التركية. كما صورت العديد من المواقع الإعلامية الخارجية المناطق الجنوبية على أنها منكوبة ومغلقة بالكامل، وهو ما قد يعزز من رواية المعارضة لدى الرأي العام الخارجي حول ضعف الدولة التركية، وعدم قدرتها على حماية السكان، وبالتالي صعوبة توفير الحماية لمن يسعى لزيارتها. فمن شأن مثل هذه الأخبار إثارة الخوف في نفوس السياح الأجانب ومنعهم من السفر لتركيا بصورة عامة. إلا أن ذلك لم يحدث لأن تركيا قوية وقادرة.
ووفق آخر المعلومات الرسمية، فإن الدولة نجحت حتى الآن في محاصرة 145 حريقاً من أصل 154 اندلعت في أكثر من 35 ولاية خلال الأيام الستة الماضية. وشاركت في عمليات إخماد الحرائق 16 طائرة و9 طائرات مسيّرة و52 مروحية، إضافة إلى 129 سيارة إطفاء و57 عربة إسعاف، ومشاركة أكثر من 5 آلاف إطفائي. كما وزعت الحكومة آلاف الطرود الغذائية على المتضررين، وأقامت مراكز إيواء للآلاف منهم.