انسحاب أمريكي محرج من أفغانستان وخروج من الباب الخلفي بدون احتفال
قالت صحيفة “أوبزيرفر” إن الانسحاب الأمريكي وقوات الناتو هو انسحاب رثٌّ وعلى حياء يترك البلد في حالة من الفوضى والحرب الأهلية والإرهاب.
فالحرب الأمريكية في أفغانستان هي أطول الحروب في تاريخ الولايات المتحدة، ولكنها قاربت على النهاية، ومن المتوقع أن يعلن الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن عن نهايتها هذا الأسبوع. وسينتهي مع الخروج الأمريكي أيضا التورط البريطاني وحلف الناتو الذي جاء بعد هجمات القاعدة على الولايات المتحدة في 11 أيلول/سبتمبر 2001.
وما تغير هو أن الحلفاء الغربيين قرروا نفض أيديهم من المشكلة. فمن خلال إعلانه بعد دخوله الرئاسة بفترة قصيرة عن انسحاب غير مشروط بالانسحاب الكامل في موعد الذكرى العشرين للهجمات، فقد أدى الرئيس جوزيف بايدن إلى تدافع غير ضروري على الخروج انضمت إليه قوات الناتو ومعظم القوات البريطانية. وعلى ما يبدو خرجت اليوم معظمها بدون احتفال أو ضجيج، ومن الباب الخلفي تقريبا.
وقالت الصحيفة إن الرابع من تموز/ يوليو هو يوم الاستقلال الأمريكي، وربما سيُذكر بأنه يوم التخلي عن أفغانستان. وتحدثت عن الصمت الذي يصم الآذان داخل المؤسسة البريطانية الحاكمة، المبرر، وهذا مفهوم بالاعتبارات الأمنية ولكن بالإحراج. فحكومة بوريس جونسون تعتمد وبشكل كامل على عطايا إدارة بايدن، ولا تتجرأ على انتقادها. ولكن الوزراء والقادة العسكريين يعرفون أن قرار الخروج قبل أن يتحقق السلام أو حتى وقف إطلاق النار غير مسؤول وخطير.
وأضافت أن الانسحاب من أفغانستان فتح الباب أمام الرعب والفوضى والتفكك. وهناك كارثة في طريقها للحدوث. مؤكدة أن هذه ليست توقعات من نقاد يجلسون على كراسيهم، بل من قائد القوات الأمريكية الجنرال أوستن ميلر، الذي حذر في الأسبوع الماضي من اندلاع الفوضى في أفغانستان، حيث قال: الحرب الأهلية هي الطريق الذي يمكن توقعه ولو استمرت على هذا المسار فهي حقيقة وعلى العالم أن يقلق.
وقالت الصحيفة البريطانية إن الرئيس الأفغاني السابق حامد كرازي عبّر عن تشاؤمه قائلا: أنظر للمشهد، نحن في حالة فوضى والبلد في نزاع، هناك معاناة ضخمة. ومَن جاءوا قبل 20 عاما باسم مكافحة التطرف والإرهاب، لم يفشلوا بوقفهما بل وازدهر التطرف تحت سمعهم وبصرهم، وهو ما أصفه بالفشل.
وأشارت الصحيفة إلى تقرير أعدته مراسلتها إيما غراهام هاريسون من بلدة “أوبي” التي سقطت بيد طالبان، والذي يدعم تقييم الرئيس الأفغاني السابق. فقد تجنبت طالبان بدهاء المواجهة المباشرة مع قوات الناتو المنسحبة، لكنها قامت في الوقت نفسه بحملات للسيطرة على مناطق، وأخذت منطقة بعد الأخرى. وباتت نصف المناطق الريفية بيدها. وأصبحت العواصم الإقليمية وربما كابول على مرمى حجر. وتبدو حكومة أشرف غني، عاجزة، حيث أُجبرت قوات الحكومة التي دربها الناتو على الهروب أو الاستسلام. وفي مواجهة هذا العجز، بدأت الميليشيات المحلية بإعادة تنظيم نفسها. وهددت الجماعات غير البشتونية في الشمال بإعادة تشكيل قواتها والعودة لمقاومة طالبان كما فعلت في التسعينات من القرن الماضي. وأكد بايدن لغنّي التزام الولايات المتحدة بتقديم المساعدة المالية والدعم، لكن نقص القواعد العسكرية في الدول الجارة سيعقّد من عملية المساعدة في الوقت المناسب. وقالت البنتاغون إن الأولوية هي مواجهة مقاتلي القاعدة وتنظيم “الدولة” الذين سيبدأون بالتحرك في المناطق البعيدة عن سلطة الحكومة المركزية.
وأثار قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالهزيمة وإن بشكل سري مخاوف القادة العسكريين البريطانيين والحاليين. وقال الجنرال سير نيك كارتر، قائد القوات البريطانية: لم يكن قرارا متوقعا.
ومن المزعج أكثر أن بايدن الذي عبأت بلاده الناتو وبريطانيا في 2001، قرر الخروج بدون مشاورة. وبعد فشل محادثات السلام الأمريكية في الدوحة، طالب الدبلوماسيون البريطانيون في كابول بزيادة الأمن والتعاون السياسي بين حكومتي أفغانستان وباكستان التي تعد داعما مهما لطالبان ومؤثرا عليها.
ومن المفارقة أن المغادرة تأتي بعد الصخب والدعاية المبالغ فيها حول “عودة” أمريكا، حيث تركت بريطانيا لمواجهة الفوضى. وبالنسبة للأفغان، فمنظور عودة الفوضى مثير للرعب، وباتت المكاسب المحدودة مثل الحكم الديمقراطي وحرية التعبير والتحسن في القطاع الصحي والتعليم والحقوق المدنية والمرأة، في خطر. وكذا تضحيات عشرات الآلاف من المدنيين والجنود الأفغان والأجانب أو مَن تركت الحرب آثارها عليهم.
وتقول الصحيفة: انتهى حلم الحصول على العدالة لمن قُتلوا بطريقة غير شرعية أو عذبوا بطريقة غير قانونية في السجون السرية التي أقامتها سي آي إيه في قاعدة باغرام الجوية. وبالنسبة للدول الغربية التي فرضت تغيير النظام في كابول ووعدت ببناء دولة على صورتها، فنهاية الأسبوع هي لحظة تأنيب لها.
ومن يعرف ماذا سيكتب المؤرخون عن حملة جورج دبليو بوش المتعجلة والمكلفة في أفغانستان؟ وكما هي الأمور الآن، فمن غير المحتمل أن يغامر أي مسؤول غربي بمقامرة كهذه.
وقالت “أوبزيرفر” إن وفاة دونالد رامسفيلد الذي أشرف على حرب العراق وأفغانستان هي تذكير بالضرر الرهيب والقاتل والدائم الذي لا يمكن تقديره وتسبب به مع زمرة المحافظين الجدد الأيديولوجيين المتهورين في حقبة بوش- تشيني، ولم تتم محاسبة أي منهم.
وتختم الصحيفة بالقول إن مستقبل أفغانستان مثل العراق الذي ترك ببرود ليواجه قدره المظلم.