أسيرة الصحراء التي أسلمت
عندما وصلت صوفي بترونين (75 عاما) -آخر رهينة فرنسية- في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وبعد 3 سنوات و9 أشهر من الاحتجاز في صحراء جمهورية مالي؛ توقع الجميع رؤية امرأة منهارة، سعيدة بالرجوع إلى عائلتها شاكرة لكل من أسهم في إطلاق سراحها، إلا أنها جاءت على عكس التوقعات، فقد غيرت اسمها إلى مريم واعتنقت الإسلام، وشكرت آسريها، وقالت إنها ستدعو الله لمالي.
بهذه الجمل، لخصت مجلة “لوبس” (L’Obs) الفرنسية كتابا وصفته بالمثير لمراسل إذاعة فرنسا الدولية وقناة فرنسا 24 السابق في مالي أنتوني فوشار الذي قال -متأسفا لما حل بهذه المرأة الإنسانية التي أمضت 25 عاما في مالي ترعى الأيتام والفقراء- إنها رفضت تسمية مختطفيها بـ”الجهاديين”، وتحدثت عن رغبتها بالعودة في أسرع وقت ممكن إلى مالي حيث تركت ابنتها بالتبني.
غير أن الأدهى والأمر -في نظر ناتاشا تاتو التي استعرضت الكتاب- هو أن هذه العجوز السبعينية التي بذلت الدولة الفرنسية في سبيل تحريرها الكثير، وأطلقت مقابلها العشرات ممن سمتهم “الجهاديين”، لم توجه أية كلمة شكر لبلدها ولم تبد أي تعاطف مع الجنود الفرنسيين المشاركين بعملية برخان في الساحل الأفريقي، الذين قُتل 50 منهم في هذه المنطقة على أيدي الجماعات المسلحة، بل إنها تساءلت أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -الذي جاء للترحيب بها- عن دور هؤلاء الجنود في العثور عليها، منبهة إلى قضية شعب الطوارق المهمة بالنسبة لها.
وتساءلت المجلة هل ما فعلته صوفي بترونين عقوق أم أنها مصابة بـ”متلازمة ستوكهولم” أم أنها ببساطة فقدت عقلها أثناء أسرها في الصحراء؟ وأشارت إلى أن صورها التي كانت تتردد على القنوات الإخبارية وجملها القصيرة، جعلتها فجأة تصبح الرهينة التي يكرهها الجميع في فرنسا، وخاصة شبكات الجماعات المتطرفة.
ولاستجلاء أمر هذه العجوز التي يبدو أنها نادمة على إطلاق سراحها؛ تعود بنا المجلة إلى كتاب “يكفي وجود أمل” (Il suffit d’un espoir) الذي أعاد فيه فوشار بناء القصة، بعيدا عن تشويش وسائل الإعلام، مشيرة إلى أن هذا الصحفي يعرف القضية أفضل من أي شخص آخر، لأنه تابع الموضوع من كل جوانبه منذ صيف 2017.
غوص في دبلوماسية الظل
ووصفت المجلة التحقيق -في الوقت الذي أعلنت فيه فرنسا عزمها على فك الارتباط مع مستنقع الساحل بوضع حد لعملية برخان- بأنه غوص مثير للاهتمام في مياه الدبلوماسية الآسنة وعالم الأجهزة السرية، وفيه من الرسائل الإلكترونية والوثائق السرية ما يجعله أقرب إلى الرواية الجاسوسية، ولكنه في نفس الوقت رواية رومانسية، لأنه يحكي قصة سيباستيان ابن صوفي الذي يتحرق حزنا على والدته، وهو مستعد لفعل المستحيل من أجل العثور عليها.
ويعرض الكتاب قصة سيباستيان، صاحب المطعم الصغير المقيم في سويسرا مع زوجته وأطفاله، الذي يلقي بنفسه فجأة في حملة مجنونة تتجاوزه رهاناتها، لينغمس مدة 4 سنوات تقريبا في ألغاز الدبلوماسية السرية والسياسة الواقعية الخاصة بمناطق الحرب، وليس معه من سلاح سوى العزم والتصميم من أجل العثور على والدته الأسيرة في صحاري مالي.
وتختتم لوبس بأن سيباستيان ذهب عدة مرات من أجل هذه المهمة إلى باماكو ونيامي ونواكشوط، مدعوما أحيانا من قبل الخارجية الفرنسية التي تمول أسفاره، وأحيانا تتخلى عنه عندما يذهب في تهوره بعيدا، وقد حاول -عبر خيوط كاذبة ووسطاء مريبين- التسلل إلى عالم الخاطفين وإرسال الأموال لهم والحصول على دليل على حياة والدته، وسعى لمقابلة “الجهاديين”، ولكن دون جدوى.