مذبحة السود في مدينة تولسا الأمريكية.. ما الذي حدث قبل 100 عام؟
يحيي الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم الثلاثاء ذكرى نُسيت منذ زمن بعيد، تعيد إلى الأذهان إحدى أعنف وقائع الإعدام في تاريخ الولايات المتحدة، إنها الذكرى المئوية لمذبحة تولسا التي قتل فيها مئات الأميركيين من أصل أفريقي وارتكبت قبل 100 عام، ولا يزال الناجون منها يطالبون بتعويضات لم تمنح لهم حتى الآن.
وقالت صحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية إن مراسم الذكرى المئوية لهذه المأساة ستقام اليوم بحضور بايدن، بعد أن نكأ الرئيس السابق دونالد ترامب جراحها في العام الماضي، عندما اختار مسرحها وتاريخها في مدينة تولسا في الأول من يونيو/حزيران لعقد أول اجتماع له منذ بداية وباء “كوفيد-19”.
وتعيد ذكرى تولسا إلى الأذهان حادثة إعدام مئات من الأميركيين من أصل أفريقي في أوكلاهوما يومي 31 مايو/أيار وأول يونيو/حزيران عام 1921، بعد أن أعاد المسلسل الأميركي “الحراس” (Watchmen) صياغة ساعاتها الرهيبة على الشاشة الصغيرة عام 2019 ليذكر بأبشع مذبحة تم تجاهلها طويلا، قبل أن يسلط عليها الضوء تقرير لجنة التحقيق الذي صدر عام 2001.
حادث المصعد يتدحرج
حسب سرد الصحيفة، تبدأ الأحداث التي سوّي في أثنائها حي بكامله بالأرض وقتل فيها نحو 300 من السكان، معظمهم من الأميركيين الأفارقة، عندما تعثر ملمّع الأحذية ديك رولاند (19 عاما) في المصعد -وهو في طريقه إلى أقرب منزل به مرحاض مخصص للسود في الطابق العلوي- فداس على قدم المشغلة أو أمسك بذراعها على قول، حسب الإصدارات الموثقة في تقرير جمعية أوكلاهوما التاريخية.
صرخت الفتاة البيضاء سارة بيج (17 عاما) من الألم أو الخوف، في حين كان يمكن أن يكون حادثا عرضيا، ولكن الأمور أخذت منحى دراميًّا، فقبض على الشاب في اليوم التالي وأودع في سجن المحكمة، وبعد الظهر نشرت صحيفة “تولسا تريبيون” (Tulsa Tribune) المحلية تقريرا عن الحادث واتهم ديك رولاند بالاعتداء الجنسي على الفتاة.
انتشرت الإشاعة في المدينة كالنار في الهشيم، فتجمع رجال البلدة البيض أمام المبنى، وبدأ القلق بشأن مصير الشاب يساور مجتمع السود، فالتقى الرجال السود، بمن فيهم قدامى المحاربين في الحرب العالمية الأولى، بدورهم أمام السجن لحماية الشاب، بخاصة أن هذه لم تكن أول عملية إعدام جماعي في هذه المدينة التي تتمتع فيها جماعة “كو كلوكس كلان” العنصرية بالقوة.
وفجأة -كما تقول الصحيفة- تنفجر طلقات نارية وتبدأ أعمال شغب بعنف لم يسمع بمثله، قتل الرجال والنساء والأطفال، واشتعلت النيران في كنيسة لجؤوا إليها.
وحسب ما نقلته الصحافة الفرنسية يوم الثالث من يونيو/حزيران بلغة ذلك الزمن، جاء في إحدى المراسلات أن “واحدة من أكثر أحداث الصراع مأساوية وقعت في كنيسة للزنوج، حيث تحصن نحو 50 زنجيا، وصدّوا اعتداءات عدة، لكنهم أخيرا، بعد أن أشعل المحاصرون النار في الكنيسة، اضطروا إلى إخلائها وغطوا انسحابهم بنيران كثيفة إلى حد ما، وقتل عدد من الزنوج. وتعتقد الشرطة أن كثيرا من الزنوج احترقوا في البيوت على أيدي البيض”.
حي بأكمله يذهب دخانا
وفي هذه المدينة التي ازدهر فيها مجتمع السود بفضل الثروة النفطية، استهدف البيض الذين سلحتهم السلطات المحلية حي غرينوود على الضفة الشمالية لنهر أركنساس، حيث يعيش 10 آلاف أميركي من أصل أفريقي، بينهم العديد من التجار والمحامين والأطباء، وفي غضون يومين سوّي الحي الملقب “بلاك وول ستريت” بالأرض، ونهب وحرق بالقنابل التي أسقطتها الطائرات الخاصة، ودمّر نحو 1200 مبنى، قبل أن تسنّ الأحكام العرفية لاستعادة الهدوء.
قامت السلطات بإحصاء بضع عشرات من القتلى، ونزعت القوات الفدرالية سلاح البيض، لكنها اعتقلت من تعدّهم مثيرين للشغب من أصل أفريقي، وبدا كأن المدينة تريد أن تنسى الحادث، إذ انطلق سكان غرينوود في إعادة بنائه.
وقد ذكرت صحيفة “الحدث” (L’Action) الفرنسية أرقاما أكبر مما أحصته السلطات، إذ تقول إن “المعركة التي وقعت في تولسا بأوكلاهوما، في أعقاب هجوم زنجي على امرأة بيضاء شابة، تركت المدينة كومة من الخراب، وتركت 15 ألف زنجي بلا مأوى وقُتل فيها 9 من البيض و65 من الزنوج، ويقال إن هذا الرقم أقل من الواقع، كذلك أصيب 100 من البيض وأكثر من 200 من السود. وأعلنت حالة الطوارئ، ولا يزال السكان البيض متحمسين جدا والزنوج الذين فروا من منازلهم المحترقة للاحتماء في الغابة لا يعودون إلى ديارهم إلا تحت ضغط الجوع وهم خائفون من الهجوم عليهم”.
وحسب الصحيفة فإن الأحداث تشير في الواقع إلى 300 قتيل، معظمهم من الأميركيين الأفارقة، وقد ألقيت كثير من الجثث في النهر، وكشفت الحفريات الأخيرة عن بقايا بشرية في مقبرة تولسا يمكن أن تكون لضحايا من عام 1921.
من جانبها، ذكرت صحيفة لاكروا أنها حذرت في الثاني من أغسطس/آب 1921 من تفاقم الوضع قائلة “ما دامت الحكومة الفدرالية والولايات لا تتولى الدفاع عن السود وتضمن حقوقهم مهما كان الثمن، فمن المؤكد أننا سنتوقع مزيدا من الاشتباكات الدموية”.