الصين تكثف تسليح باكستان
سلط تقرير لمجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية الضوء على ما قالت إنه نشاط مكثف تمارسه الصين لتحويل باكستان إلى “قوة عسكرية إقليمية”.
ووصفت المجلة، في تقريرها، الذي ترجمته “عربي21″، العلاقة بين البلدين بأنها منطقية؛ فالصين “ترغب بوجود حليف في المنطقة للمساعدة في تحقيق التوازن ضد الهند، بينما تحتاج باكستان إلى مورد أجنبي للأسلحة وتقنياتها”.
ويشترك البلدان بهدف مشترك، يتمثل في مواجهة الهند، التي يخوض كلاهما معها صراعات على الحدود والنفوذ والموارد.
ولفتت “ناشيونال إنترست” إلى تعمق العلاقات الدفاعية بين الصين وباكستان بشكل تدريجي منذ أن بدأت علاقات الأخيرة مع الولايات المتحدة بالتدهور في السنوات الأخيرة.
وأشارت المجلة بشكل خاص إلى طرازين من الدبابات الباكستانية؛ “الضرار” و”الخالد 1 و2″؛ اعتبرت أنهما يختزلان مشهد تطور التعاون الدفاعي بين البلدين على حساب الشركاء التقليديين لإسلام أباد.
انعكاس المعادلة
شكلت باكستان نقطة ارتكاز أمريكية في المنطقة لعقود، وارتبطت العلاقة بمواجهة الاتحاد السوفييتي، وبرزت بشكل خاص إبان الحرب الأفغانية (1979- 1989).
وفي المقابل، ورغم “عدم انحياز” الهند، إلا أنها اعتمدت في تسلّحها بشكل خاص على الاتحاد السوفييتي، وروسيا الاتحادية لاحقا.
لكن المعادلة أخذت بالانعكاس تدريجيا على مدار سنوات، وخاصة مع توالي الاتهامات الأمريكية لباكستان بدعم حركة “طالبان” الأفغانية” بعد غزو عام 2001.
واتسعت الفجوة بين الجانبين بشكل خاص منذ تولي باراك أوباما الرئاسة عام 2009، حاملا مشروع الانسحاب من أفغانستان والشرق الأوسط، و”التمحور في المحيط الهادئ”؛ وصولا إلى إيقاف الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية لباكستان عام 2018، مقابل تفعيل تحالف رباعي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يجمع الولايات المتحدة والهند، إلى جانب اليابان وأستراليا، في مواجهة القوة الجديدة القادمة من الشرق.
وردا على ذلك، قطعت إسلام أباد اتصالاتها الاستخباراتية مع واشنطن، وصعدت تعاونها مع بكين، وهو ما شكل مشروع “الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني” علامته الأبرز.
كما أن نيودلهي بدأت بخطوات سريعة باحتلال موقع مهم في معادلة الملف الأفغاني، وهو ما سلطت “عربي21” الضوء عليه في تقرير سابق.
اختلال التوازن
وفي الواقع، فإن واشنطن لم تتخل عن نيودلهي طوال سنوات شراكتها الاستراتيجية مع إسلام أباد. ولكن، ولدى انعكاس المعادلة، فقد اختل التوازن بشكل ملحوظ.
وبحسب رصد “عربي21″، فقد حرص عدة رؤساء أمريكيين متعاقبين، منذ دوايت أيزنهاور (1953- 1961)، على إجراء زيارات إلى كلا القوتين في شبه القارة الهندية؛ وهو ما فعله كذلك كل من ريتشارد نيكسون وبيل كلينتون وجورج بوش الابن.
لكن اختلالا واضحا بدأ بالظهور منذ تولي باراك أوباما عام 2009، حيث زار نيودلهي مرتين خلال حكمه، ثم دونالد ترامب الذي احتفى به الهنود بشكل صاخب في شباط/ فبراير 2020؛ دون أي زيارة إلى إسلام أباد.
ومع تصاعد التنسيق بشكل غير مسبوق بين الولايات المتحدة والهند، في إطار التحالف الرباعي ضد الصين، بات مستقبل العلاقات الأمريكية الباكستانية محل تساؤلات، وخاصة مع دخول واشنطن مرحلة جديدة بتولي جو بايدن الرئاسة.
وردا على سؤال بهذا الخصوص، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، الشهر الماضي: “أعتقد أن النقطة التي نرغب في توضيحها هي أن الولايات المتحدة لديها علاقات مهمة مع الهند، ولكن أيضا مع باكستان. هذه العلاقات قائمة بذاتها من وجهة نظرنا”، مؤكدا أن التوجهات بهذا الخصوص في سياسة واشنطن الخارجية “ليست صفرية”.
باكستان غير مستعدة للتخلي عن أمريكا
ورغم انخفاض مستوى “التطمين” الأمريكي، وعدم اكتراث بايدن بإسلام أباد في تحركاته الأولية على الساحة الدولية، إلا أن باكستان في المقابل غير مستعدة للتخلي عن حليفها التقليدي والارتماء تماما في أحضان الصين، بحسب تقرير لموقع “نيكاي” الياباني.
ولفت التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى تصريح مثير أدلى به “آصف غفور” المتحدث باسم الجيش الباكستاني، عندما كان عائدا، عام 2017، من رحلة إلى بريطانيا، استمرت أسبوعا، رفقة قائده “قمر جاويد باجوا”؛ لإرسال رسالة إلى واشنطن عبر لندن.
وبوضوح، قال غفور لصحفيين كانوا على متن الطائرة إن بلاده “غربية التوجه”، و”تشبه” الولايات المتحدة؛ “لا أصدقاءنا في الشرق”؛ مسهبا في الحديث عن اشتراك الباكستانيين والأمريكيين في التقاليد العسكرية التي خلفها الاستعمار البريطاني للبلدين.
وأضاف غفور: “يرجى تذكر أننا كنا معا خلال الحرب الباردة”، مشددا على ضرورة أن لا تدفع الولايات المتحدة بلاده إلى “التخندق مع الصين”.
وينقل التقرير الياباني عن “كمال علم”، الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث تموله الحكومة البريطانية في لندن، إشارته إلى أن 20 جنرالا باكستانيا رفيعا أجروا زيارات إلى لندن بين 2015 و2019، لنقل رسائل مشابهة إلى واشنطن.
وفي المقابل، فإن الردود التي تلقاها الباكستانيون تمثلت في الحث على تطبيع العلاقات مع الهند، وهو ما يعني ضمنا التخلي عن الصين وكشمير وربما كذلك النفوذ في أفغانستان، وهو ما سينعكس بسخط كبير في الشارع الباكستاني.
ولم تقدم نيودلهي في المقابل فرصة لإسلام أباد للقبول بالصفقة خلال السنوات الماضية، بل وصعّدت إجراءاتها في كشمير، وشهدت الحدود بين البلدين توترات كبيرة تهدد بحرب رابعة بين القوتين النوويتين (1947، 1965، 1971، 1999 ).
ولكن أخيرا، نهاية آذار/ مارس الماضي، هنأ رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي باكستان بحرارة في عيدها الوطني، معربا عن أمله في إنهاء العداء القديم بين الجانبين في المنطقة.
ولفت التقرير إلى وجود عدة مساعي “في الكواليس”، وبوساطة “أصدقاء مشتركين”، لإنهاء ملفات توتر ساخنة بين الجانبين.
ومن الناحية التكتيكية، وفق تعبير التقرير، فإن “الانسحاب العسكري الأمريكي المتوقع من أفغانستان (بموجب شروط واشنطن على طالبان وكابول) المجاورة يجبر باكستان على اللعب بشكل جيد”؛ لأنها لا تريد التحول إلى “دولة معزولة وشبه منبوذة بدون أصدقاء أو آفاق كثيرة”، ومجرد وكيل للصين.
ووفق التقدير الياباني، فإن المشهد يدفع باكستان إلى عدم الانحياز على الأقل في التجاذب متعدد الأطراف مع الصين، لا سيما مع تقلص نطاق المناورة، وانسحاب شركاء تقليديين، ومن بينهم السعودية والإمارات، نحو تعاون أكبر مع الهند.
ومن شأن اهتمام أكبر من قبل نيودلهي بتفاهم مع إسلام أباد تفويت الفرصة أمام بكين لتدارك خسارتها الشريك المهم في شبه القارة الهندية، وستكون نتائج المباحثات الجارية حاليا خلف الأبواب المغلقة، بين الهنود والباكستانيين، حاسمة لمستقبل المنطقة.