30 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي.. فلسطين تنعى عمر البرغوثي
فقدت فلسطين، اليوم الخميس، واحدا من أبرز مناضليها في العقود الأربعة الماضية، وهو الأسير المحرر عمر البرغوثي، المعروف بـ”أبو عاصف”، والذي قضى نحو 30 عاما في سجون الاحتلال، وهو شقيق عميد أسرى فلسطين الأسير نائل البرغوثي الذي أمضى أكثر من 40 عاما في الأسر.
وأُعلنت وفاة عمر البرغوثي (67 عاما) في المستشفى الاستشاري قرب مدينة رام الله، بعد أسابيع من إصابته بفيروس كورونا، وقالت عائلته إنه عانى من ضعف في عضلة القلب بسبب ظروف اعتقالاته السيئة، وقد أفرج عنه من سجون الاحتلال في يناير/كانون الثاني بعد قضاء 9 شهور في الاعتقال الإداري.
وينحدر أبو عاصف من قرية كوبر شمال رام الله، ويعتبر واحدا من رموز المقاومة، وهو من أبرز قيادات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الضفة الغربية، وقد أعاد الاحتلال اعتقاله لساعات قبل شهرين وحذّره من ترشيح نفسه للانتخابات التشريعية.
قبل عامين، ارتقى أحد أبنائه شهيدا، بينما اعتقلت سلطات الاحتلال نجله الآخر، الأول صالح الذي اغتالته قوات إسرائيلية خاصة في ديسمبر/كانون الأول 2018، والآخر عاصم الذي اعتقلته قوات الاحتلال بتهمة تنفيذه عملية إطلاق نار أدت إلى مقتل وإصابة عدد من الجنود الإسرائيليين شمال رام الله بعد ساعات من اغتيال شقيقه.
على إثر ذلك، تعرض عمر البرغوثي وأفراد أسرته جميعا للاعتقال والتعذيب في سجون الاحتلال، كما هدمت إسرائيل منزلي نجليه، فما كان منه إلا أن رفع الأذان على أنقاضهما في رسالة تحدّ واضحة للاحتلال.
نضاله
اعتقل عمر البرغوثي للمرة الأولى في أبريل/نيسان عام 1978 بعد أيام من اعتقال شقيقه نائل الذي ما يزال معتقلا، وابن عمهما فخري، وحكم ثلاثتهم بالسجن المؤبد بتهمة قتل ضابط إسرائيلي شمال رام الله، وحرق مصنع زيوت وتفجير مقهى في القدس.
كان عمره حينها 23 عاما، وقد خضع للتحقيق والتعذيب في سجون الاحتلال، وكما روى هو نفسه في مقابلة سابقة، فقد تعرض للضرب العنيف وقلع المحققون شعره من رأسه، وجلدوه حتى فقد القدرة على الوقوف أو المشي.
وترافق اعتقال عمر وشقيقه نائل مع سجن والدهما صالح البرغوثي وكان في الستينيات من عمره، وقد أخضع للتعذيب أمامهما لمدة شهر وكان يُحمل على بطانية بعد انهيار جسده وقد فقد معظم بصره حينها.
تذكر شقيقته الوحيدة حنان البرغوثي يوم المحاكمة صيف 1978، كيف صاح القاضي الإسرائيلي غاضبا لعدم استجابة الأخوين وابن عمهما لأوامره بطلب الاستعطاف والرحمة، فضرب على منضدة صائحا “نائل، عمر، فخري، مؤبد مؤبد مؤبد”. ووقتها وقف ثلاثتهم يردّون على محاكمتهم من وراء القضبان بأغنية يحفظها كل أطفال قرية كوبر:
ما بنتحول ما بنتحول يا وطني المحتل
وردّت والدتهما فرحة البرغوثي، بزغاريد ضجت بها قاعة المحكمة.
إفراج ثم اعتقال
بعد 7 سنوات، حظي عمر البرغوثي بالحرية بعد الإفراج عنه في صفقة التبادل الشهيرة بين الجبهة الشعبية والاحتلال الإسرائيلي عام 1985، ليعاد اعتقاله ومعظم أقربائه مرارا بعد ذلك.
ومنذ منتصف التسعينيات وحتى الإفراج عنه قبل شهرين، تحولت اعتقالات البرغوثي إلى احتجاز متجدد وفق قانون الاعتقال الإداري، أي بلا تهمة ولا سقف أو موعد محدد للإفراج عنه.
ومن بين نحو 30 عاما في الأسر الإسرائيلي، أمضى 13 عاما في الاعتقال الإداري وتحت بند “الملف السري ” الذي يعدّه جهاز المخابرات الإسرائيلي لمحاكمة الأسير دون السماح له أو لمحاميه بمعرفة مضمونه، وبحجة أن كشفه ” يشكل خطرا على أمن إسرائيل”.
عام 2004 توفي والده، وعام 2005 وبعد أن اشتد عليها المرض، سمح الاحتلال لوالدته بزيارته أثناء اعتقاله وشقيقه في سجن عسقلان ولمدة نصف ساعة فقط بعد 5 سنوات من منع الزيارة.
يومها وصلت إليهما في سجن عسقلان على سرير الإسعاف، وكتب نائل البرغوثي عن حادثة الوداع، كيف حث أخاه عمر على التماسك “كي لا يزيدوا أوجاع أمهم المحتضرة، وكي لا يشمت السجان”، وعن وصيتها الشهيرة.. “درهم الشرف أفضل من بيت مال”.
الشعب يودع البطل
بعد الإعلان عن وفاته، توافد المئات من أهالي قريته وهرع فلسطينيون من مناطق مختلفة بالضفة، رغم ظروف الوباء الصعبة، إلى المستشفى، وقال النائب المقدسي محمد أبو طير، أحد رفاق درب البرغوثي: “غاب عنا اليوم قامة من قامات فلسطين والأمة العربية والإسلامية، ننعى إلى شعبنا وأمتنا رجلا صاحب إرادة صلبة، لم يُهزم أمام المحتل أبدا وقد رحل بعد أن أعطى الوطن كل ما يستحقه من جهاده وعمره ودم أبنائه”.
ونعت الحركة الوطنية الأسيرة والأسرى المحررون في فلسطين ونادي الأسير المناضل “أبو عاصف”، وقال النادي في بيان له: إن البرغوثي أمضى حياته مناضلا وفدائيا، وترك وعائلته إرثًا نضاليا سطر فيه أسمى آيات التضحية والفداء، إلى جانب شقيقه الأسير نائل البرغوثي الذي يقضي عامه الـ(41) في سجون الاحتلال الإسرائيلي ويحرم من وداع شقيقه الوحيد، كما حرم سابقا من وداع والديه.
كما نعت حركة المقاومة الإسلامية حماس البرغوثي، وقالت في بيان لها “إن فلسطين فقدت اليوم رجلا عزّ نظيره، قدّم كل ما يملك في طريق الجهاد والمقاومة”.