تركيا تتجه نحو الاكتفاء العسكري الذاتي
بوتيرة متسارعة باتت تركيا تعتمد على الإنتاج المحلي في جزء كبير ومهم من متطلباتها في الصناعات العسكرية بعدما كانت تعتمد على الاستيراد بشكل شبه كامل، حيث اختبرت وزارة الدفاع مؤخرا بنجاح إطلاق صاروخ “أتماجا” المضاد للسفن وكاسحة الألغام “ممات” المحليين.
ومن المقرر أن يكون صاروخ “أتماجا” بديلا لصواريخ هاربون الأميركية، كما اجتازت كاسحة الألغام “ممات” كل الاختبارات الدولية، وحصلت على النقاط الكاملة في التقييم، وفق وزارة الدفاع التركية.
وصاروخ “أتماجا” (أي الصقر) أرض-بحر من إنتاج شركة “روكتسان” التركية المعروفة بإنتاج مختلف أنواع الصواريخ الموجهة وغير الموجهة والليزرية، وهو قادر على إصابة الأهداف الثابتة والمتحركة من على بعد 220 كلم، ويمكن أن يحمل رؤوسا شديدة الانفجار يصل وزنها إلى 250 كيلوغراما.
كما يمكن للصاروخ الوصول إلى الهدف على المستويين الخطي والعمودي، ويمكن تغيير هدفه حتى بعد إطلاقه، وهو مزود بنظام حماية من التشويش الإلكتروني.
وذكر وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى ورانك أن مهندسين أتراكا طوروا محركا تم تصميمه للاستخدام في الصواريخ المضادة للسفن متوسطة المدى، وهو يحمل أهمية كبيرة للارتقاء بالصناعات الدفاعية.
وأشار إلى أنه على الرغم من صغر حجم المحرك فإنه قادر على إنتاج قوة تناهز نحو 400 حصان.
أما كاسحة الألغام “ممات” فاجتازت كل الاختبارات بنجاح، واسمها يأتي اختصارا لجملة “معدات ميكانيكية لإزالة الألغام”.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية أن شركة “أسفات” (ASFAT) التابعة لها بدأت تصدير 20 كاسحة ألغام مصنعة بإمكانات محلية إلى أذربيجان من أجل أداء مهامها في إزالة الألغام.
وتأسست شركة تشغيل المصانع العسكرية والترسانات التركية “أسفات” مطلع 2018، وهي تؤدي دورا مهما في تسويق المنتجات الدفاعية بإمكانات محلية بالكامل.
الصناعات الدفاعية
ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم جعل تطوير صناعة الدفاع هدفا طويل الأجل، وفي ظل متابعة مباشرة من الرئيس رجب طيب أردوغان أصبح حوالي 70% من هذا القطاع مصنَّعا محليا مقارنة بـ20% عندما صعد إلى السلطة في عام 2003.
وتأتي هذه الطفرة تطبيقا لطموحات خطة التنمية الوطنية “رؤية 2023” التي تسهم الشركات العامة والخاصة فيها بنصيب كبير، وذلك من خلال الاستثمار بكثافة في أنشطة البحث والتطوير، ودعم جهود الحكومة لتنويع منتجاتها الدفاعية.
ولا تقف الطموحات التركية عند هذا الحد، بل تهدف أنقرة إلى تصدير منتجات عسكرية تتجاوز قيمتها 25 مليار دولار سنويا بحلول 2023 مدعومة بجهود حثيثة تبذلها الشركات التركية لتطوير أنظمة قتالية وأسلحة موجهة.
وتظهر تقارير الصادرات العسكرية التركية أن الولايات المتحدة أكبر المستوردين للسلاح من تركيا بقيمة 748 مليون دولار، ثم ألمانيا بقيمة 242.21 مليون دولار، وحلت سلطنة عمان ثالثا، تلتها قطر ثم الإمارات وهولندا وبريطانيا والهند وبولندا وفرنسا.
ويمثل الإنتاج الصناعي المورد الأهم للعملة الصعبة، حيث تمكنت تركيا خلال السنوات الخمس الماضية من تصدير أسلحة وطائرات مسيرة ومركبات دفاع عالية التقنية إلى الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا وتركمانستان والسعودية وقطر وعُمان.
وأضحت “بيرقدار أقنجي” ومن قبلها شقيقتها “بيرقدار” “تي بي2” (TB2) أسماء عالمية لطائرات مسيّرة تفخر بها تركيا، ولا سيما أنها انتقلت بها من مرحلة الاكتفاء الذاتي في إنتاج محركات “الدرون” إلى تصديرها ودخول باب المنافسة العالمية.
كما أصبحت ولاية قيريق من أهم مراكز الصناعات الدفاعية في تركيا، حيث تضم مؤسسة الصناعات الكيميائية والميكانيكية “إم كيه إي كيه” (MKEK)، واستثمارات للقطاع الخاص في أول منطقة صناعية متخصصة في تصنيع الأسلحة تم تأسيسها بالولاية عام 2014.
تصنيف عالمي
وتواصل شركات الصناعات الدفاعية التركية تعزيز موقعها في قائمة أفضل 100 شركة منتجة للأسلحة والمعدات العسكرية على مستوى العالم.
واستطاعت 4 شركات تركية عملاقة دخول قائمة مجلة “ديفينس نيوز” (Defense News) الأميركية التي تصنف سنويا أفضل 100 شركة عالمية في مجال الصناعات الدفاعية، وهي: أسلسان التركية، وشركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (توساش)، وشركة “إس تي إم” (STM) لهندسة وتصميم وتحديث المعدات العسكرية البحرية والطائرات المسيرة وتكنولوجيا الفضاء والرادار، وأخيرا شركة “روكتسان” المتخصصة في صناعة الصواريخ والقذائف.
وفي السياق، قالت الصحفية المختصة بالشؤون العسكرية إجلال إيدنغوز إن تركيا تعيش عصرها الذهبي في مجال الصناعات الدفاعية، موضحة أن نجاح مشاريعها الوطنية في المجال العسكري انعكس إيجابا على نتائج معاركها في مواجهة الإرهاب.
وقالت إيدنغوز في تقرير لها على صفحة القناة الرسمية التركية إن تركيا ظلت تواجه تعقيدات كبيرة في الحصول على السلاح الغربي لمقاتلة أعدائها من خلال فرض الحظر وإلغاء الصفقات أو ربط الموافقة عليها بقوائم لا منتهية من الشروط الصعبة، حتى قررت التوجه عوضا عن ذلك لمشاريع إنتاج السلاح الوطني، وصاروخ “أتماجا” وكاسحة الألغام “ممات” يأتيان استكمالا للثورة الصناعية الدفاعية التركية.
المصدر : الجزيرة