تنظيم الدولة الإسلامية يتوسع بأفريقيا.. موزمبيق وتنزانيا والكونغو ملعبه الجديد
في خضم انشغال العالم بالحرب على المجموعات المتطرفة في منطقة الساحل الإفريقي، برز فرع جديد لتنظيم الدولة الإسلامية في موزمبيق جنوب شرقي القارة السمراء، وينتشر في الكونغو الديمقراطية ويهدد تنزانيا.
سيطر عناصر التنظيم في ما أصبح يعرف بـ”ولاية إفريقيا الوسطى”، على مدينة ساحلية استراتيجية وقرى في موزمبيق.
كما اقتحم عناصر التنظيم سجنا كبيرا في الكونغو الديمقراطية، وأطلقوا سراح مئات السجناء بينهم عناصر متشددة.
وتمدد نشاطهم إلى غاية جنوبي تنزانيا (شرق القارة)، عندما هاجم المئات منهم مركزا أمنيا بمدينة حدودية مع موزمبيق.
تصاعد نشاط تنظيم الدولة الإسلامية بموزمبيق
شهدت موزمبيق في 2017، تصاعد هجمات مسلحة لتنظيم أطلق على نفسه “أنصار السنة”، ويلقبه السكان المحليون بـ”أنصار الشريعة”، وتعود بدايات نشاطه غير المسلح إلى 2007.
لكن جماعة أنصار السنة في موزمبيق أعلنت في 2018 ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي لم يتبنها رسميا إلا في نيسان/ أبريل 2019، في تسجيل صوتي لأحد قادته.
وأخطر عملية لتنظيم الدولة الإسلامية في موزمبيق، سيطرته على ميناء “موكيمبوا دا برايا” الرئيسي والغني بالغاز الطبيعي (شمال)، والذي يقع بمدينة يقطنها أكثر من 100 ألف نسمة، وذلك في 12 آب/ أغسطس 2020.
وتقول “بي بي سي”، إن الحكومة فقدت السيطرة على 3 مناطق ساحلية، وعلى الرغم من الحملة العنيفة التي شنتها القوات الحكومية ضدهم في “موكيمبوا دا برايا” فإنها لم تنجح في طردهم، مثلما فعلت ذلك مرتين، أولها في تشرين الأول/ أكتوبر 2017.
وسيطر التنظيم على القرى المحيطة بالمدينة، وهاجم القوارب البحرية على طول سواحل موزمبيق بحسب مركز صوفان، وسيطر على جزيرتين بالمحيط الهندي، وحاول اقتحام مدينة بالما، التي توجد بها قاعدة تطوير الغاز الرئيسية (60 كلم شمال موكيمبوا دا برايا)، وتمكن من عزلها، بحسب وسائل إعلام.
شركات تستثمر المليارات تحت التهديد
في 2010 اكتشف حقل ضخم للغاز الطبيعي قبالة سواحل مقاطعة كابو ديلغادو، التي ينشط بها التنظيم، وتضم عددا كبيرا من المسلمين، الذين يبلغ تعدادهم 4 ملايين نسمة، يمثلون نحو 20 بالمئة من سكان موزمبيق.
وتعول موزمبيق، المصنفة أمميا ضمن أفقر 10 دول في العالم، على استغلال حقل الغاز، الذي من المنتظر أن يُدر استثمارات بنحو 60 مليار دولار، بحسب وسائل إعلام، للخروج من دائرة الفقر.
كما سبق لها وأن اكتشفت في 2009، أحد أكبر مناجم الياقوت في العالم، ما يشكل دخلا إضافيا للبلاد عند استغلاله.
وفساد الحكومة والحزب الحاكم، وعدم انعكاس هذه الاكتشافات على حياة الناس، وفر بيئة مناسبة لتنظيم الدولة الإسلامية لنشر أفكاره بين الفقراء والكادحين الغاضبين، خصوصا وأنه قدم لهم إغراءات مادية لاستقطابهم، بحسب وسائل إعلام.
وسيطر التنظيم على ميناء غازي استراتيجي، قريب من حقل الغاز البحري، يهدد ليس فقط طموحات حكومة موزمبيق بل أيضا الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات المستثمرة بالمنطقة.
فإلى جانب إيني الإيطالية، التي اكتشفت الحقل الغازي نجد أناداركو الأمريكية وتوتال الفرنسية، وحتى شركة البترول الوطنية الصينية (سي.ان.بي.سي)، وشركات أخرى من بريطانيا وهولندا واليابان وجنوب إفريقيا والفيتنام.
وتصل احتياطيات موزمبيق من الغاز الطبيعي إلى 150 تريليون قدم مكعّب، ما يعادل 24 مليار برميل من النفط، تتأهّب موزمبيق لتكون المسرح العالمي للطاقة العالمية.
وهذه الكمية الهائلة تعادل تقريبا احتياطيات الجزائر من الغاز الطبيعي التقليدي (159 تريليون قدم مكعب)، و5 أضعاف احتياطيات حقل الظهر المصري في البحر الأبيض المتوسط.
وهذه الثروة الهائلة، استقطبت عشرات المليارات من الدولارات من شركات عالمية ومتعددة الجنسيات لتطوير صناعة الغاز في موزمبيق، ما قد يحولها إلى قطب جديد في تصدير الغاز المسال في العالم، إلى جانب روسيا وقطر والجزائر.
لكن هذا الحلم للشركات الأجنبية يصطدم بسيطرة التنظيم على أجزاء واسعة من شمالي البلاد، ويقترب من مراكز صناعة الغاز ومناجم الياقوت الأزرق والوردي، بل وشن هجمات على مصالح الشركات الأجنبية، ما قد يؤدي إلى اشتعال أزمة عنيفة في هذه المنطقة بسبب التنافس على الغاز والياقوت.
وفي مطلع كانون الثاني/ يناير 2021، اضطرت شركة توتال الفرنسية لإجلاء بعض عمالها بعد هجوم عناصر التنظيم على منطقة داخل نطاق امتياز مشروع الغاز الطبيعي المسال التابع لها.
وقبلها تعرضت قافلة لشركة أناداركو في شباط/ فبراير 2019، لهجوم مسلح على الطريق بين موسيمبوا دا برايا بمركز بالما الحساس للصناعة شمالي البلاد.
ورغم التهديد الكبير الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية في موزمبيق على الشركات الغربية إلا أن التدخل الدولي لمساعدة الحكومة على مواجهته يبدو محدودا.
لكن مرتزقة شركة فاغنر الروسية، هاجموا عناصر التنظيم شمالي موزمبيق، بحسب مركز صوفان للدراسات.
لكن ليس واضحا حجم تواجد مرتزقة فاغنر، والجهة التي استدعتهم، وما إذا كان ذلك سيفتح جبهة صراع جديدة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، أم أن التهديد المشترك لتنظيم الدولة الإسلامية سيدفعهم للتعاون مقابل تقاسم المصالح.
تنزانيا والكونغو الديمقراطية تحت التهديد
مع تمدد تنظيم الدولة الإسلامية شمالي موزمبيق، وصل إلى الحدود مع تنزانيا، وهاجم في 14 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مركزا أمنيا في مدينة كيتايا، بمنطقة متوارا (جنوب).
وقال قائد الشرطة في تنزانيا سيمون سيرو، في مؤتمر صحفي، حينها، إن “نحو 300 قادمين من موزمبيق هاجموا مركزنا جنوب البلاد.. وقتلوا عدة أشخاص”.
فتنظيم الدولة الإسلامية لا يعترف بالحدود، بل يسعى لاستغلال المناطق الحدودية للتحرك بمرونة أكثر، حيث يضم في صفوفه مواطنين من موزمبيق وآخرين من تنزانيا وكينيا وحتى الصومال.
وفي الكونغو الديمقراطية، التي تعد ثاني أكبر بلد إفريقي مساحة بعد الجزائر، ينشط التنظيم بوتيرة أقل من فرع موزمبيق، لكنه أعلن عن نفسه في هجوم شنه في نيسان/ أبريل 2019، على قرية حدودية مع الجارة الشرقية أوغندا، وقتل 8 من أفراد الشرطة.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هاجم سجنا كبيرا شمال شرقي البلاد، وتمكن من إطلاق سراح 1300 سجين، مئات منهم من الإسلاميين، مما يرجح أنه يسعى لتجنيد مزيد من العناصر.
ولم يتمكن التنظيم في الكونغو الديمقراطية من الاستيلاء على بلدات مهمة، لكنه شن هجمات متفرقة، على مناطق شرقي البلاد، تنتشر فيها 12 جماعة مسلحة أخرى.
وتعاني الكونغو الديمقراطية من تردي أوضاعها الأمنية منذ سنوات طويلة، ويستغل التنظيم هذا الوضع لتصعيد هجماته.
ولا يستبعد أن يحاول التنظيم التمركز في الساحل الإفريقي، وحول بحيرة تشاد، ويشكل مثلث موزمبيق تنزانيا الكونغو الديمقراطية (منطقة البحيرات الكبرى)، بؤرة ثالثة للنمظيم، رغم أنها كانت بعيدة عن مسرح العمليات إلى وقت قريب.
ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى استقطاب جيوش الدول الكبرى إلى منطقة البحيرات الكبرى لحماية استثمارات شركاتها، خاصة في حقول الغاز ومناجم الياقوت بموزمبيق، ما سيجعل هذه الدول محل تنافس بين قوى كبرى تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
المصدر: عربي 21