أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر: الحراك الشعبي أسقط ورقة التوت عن الجيش
قال أستاذ العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر، البروفيسور إسماعيل معراف، إن “الحراك الشعبي الذي اندلع في 22 شباط/ فبراير 2019 حقق حتى الآن الكثير من الإنجازات والمكاسب، ولعل أهمها هو إسقاط حاجز الخوف من قاموس الجزائريين، حيث أصبحوا أكثر نضجا في التصدي لألاعيب السلطة”.
وأضاف، في مقابلة مع “عربي21″، أن “الحراك نجح أيضا في إسقاط أوراق التوت عن الجيش الجزائري الذي كان يمارس السياسة بواسطة واجهة مدنية، وكان يحاول امتصاص غضب الشعب من خلال تغيير هذه الواجهات المدنية، لكن هذا الأمر لم يعد ينطلي على شعبنا المجيد”.
وأشار الأكاديمي الجزائري إلى أن “الحراك أيضا قدّم صورة مغايرة عن الجزائر الذي كان يُنعت بأنه عنيف وبربري، لكن الثورة السلمية قدّمته بشكل مبهر جعلت العالم كله ينبهر بذلك. هذا دون أن ننسى أنه بفضل ضغط الحراك تم فتح ملفات الفساد، رغم ما لدينا من تحفظات عليها”.
وبعد نحو شهر، تحل الذكرى الثانية لاندلاع الحراك الشعبي في الجزائر، والذي كان انتفاضة سلمية دعمتها قيادة الجيش، وأدت إلى تنحية الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعد 20 سنة قضاها في الحكم، وذلك بعدما كان يعتزم الترشح لولاية خامسة.
ومنذ ذلك التاريخ، كانت المظاهرات والاحتجاجات الأسبوعية تتواصل كل يوم جمعة دون انقطاع، إلا أنها توقفت في عامها الثاني بسبب تفشي جائحة كورونا، لكن لا يزال المحتجون يتمسكون بمطلبهم الخاص بضرورة إحداث تغيير جذري للنظام. وغير مؤكد حتى الآن إذا ما كانت ستنطلق دعوات احتجاجية جديدة لاستئناف الحراك، من أجل إحياء الذكرى الثانية له.
كانت وزارة الصحة الجزائرية قد أعلنت، مساء الثلاثاء، أن إجمالي الإصابات بفيروس كورونا ارتفع إلى 104 آلاف و341 حالة إصابة، بينما ارتفع إجمالي الوفيات إلى ألفين و843 حالة وفاة، وبلغ إجمالي الحالات التي تماثلت للشفاء بلغ 70 ألفا و933 حالة.
وضع تبون الصحي حرج للغاية
وأشار “معراف” إلى أن “عودة الرئيس عبد المجيد تبون إلى ألمانيا بداعي استكمال العلاج جراء إصابته بفيروس كورونا دلالة مؤكدة أن وضعه الصحي حرج للغاية.
وقال إن عودته الأخيرة كانت بطلب من العلبة السوداء المُكونة من كبار ضباط الجيش والمخابرات وبعض اللوبيات الأجنبية التي ترعي استمرارية هذا النظام، وذلك حتى لا تقع تلك العلبة السوداء تحت طائلة انتهاك الدستور الذي يفرض في حالة غياب الرئيس بمدة تفوق 45 يوما من دون تبرير أن يتم اللجوء إلى إعلان حالة شغور منصب الرئيس، وبالتالي التوجه نحو تنظيم انتخابات رئاسية جديدة.
وأيضا حتى لا تدخل في نفق المطالبة الشعبية بضرورة تفعيل مواد الدستور القاضية بإعلان الشغور بسبب غياب الرئيس لظروف صحية”.
وأوضح “معراف” أن “الدستور الجديد جعل كل الصلاحيات في يد الرئيس، لكن هذا الأخير هو في يد الجيش الذي يتحكم في مختلف القرارات، وفي تسيير دواليب الحكم، ومن ثم فمرض تبون أو غيابه لا يعني أي شيء في بلد تابع في قراره للدوائر الأجنبية، وأيضا باعتماده على الديكتاتورية كنظام حكم وغير مبالي بإرادة الشعب في التغيير”.
واعتبر الأكاديمي الجزائري إشادة تبون بالمؤسسة العسكرية قبل سفره لألمانيا أمر طبيعي، لأن “العسكر هم مَن جاؤوا به في انتخابات مزورة ومشبوهة. كما أن تبون هو نفسه يعرف بأنه مجرد واجهة تتحكم فيه جنرالات الفساد والعمالة للخارج”، وفق قوله.
ولفت إلى أن “المادة 30 من الدستور تكلمت عن دور للجيش في الحفاظ علي الاستقرار والأمن، وكل ذلك شعارات ومغالطات يُراد بها تغطية دور العسكر في حماية الفساد، وإدامة حكم القمع والاستبداد، ناهيك عن أن الجيش في الجزائر مازال بعيدا عن الطابع المؤسساتي، وبقي مجرد لُعبة في يد مجموعة من الجنرالات همهم الوحيد هو نهب خيرات البلد والوقوف ضد إرادة الشعب في بناء دولة مدنية تستند إلى الديمقراطية والمشاركة الشعبية”.
الانتخابات طُعم لتفكيك الحراك الشعبي
وهاجم “معراف”، وهو من رموز الحراك الجزائري، أداء البرلمان الحالي، قائلا: “نحن إلى الآن في الجزائر لا نملك برلمانا بمعنى الكلمة، حيث أن هذا الأخير يُعتبر من مخلفات مرحلة حكم العصابة، ولذلك بقي مجرد واجهة تبرر أخطاء منظومة الحكم الفاسدة”.
وقال إن “الانتخابات المحلية والنيابية المزمع تنظيمها خلال الفترة المقبلة هي مجرد طُعم المراد منه هو تفكيك الحراك الشعبي من خلال جر الشباب وإقحامه في هذه العملية الهزلية، كما أن تنظيمها هو محاولة أخرى لتجسيد حكم استمرار العصابة، ولمحاولة منع أي تغيير حقيقي يفضي إلى بناء دولة الحق والقانون، بمعنى أن هذه الانتخابات المزعومة هي تغطية على فشل السلطة في تحقيق مطالب وتطلعات الشعب”.
كانت الرئاسة الجزائرية قد أعلنت، الثلاثاء، مسودة أولية لقانون انتخابات جديد، ضمن مساعيها لإنهاء “الفساد السياسي” في الانتخابات خلال عهد نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ووزعت الرئاسة مسودة القانون على الأحزاب السياسية بالبلاد لإبداء الرأي فيها، قبل اعتمادها بشكل نهائي.
وتضمنت المسودة 313 مادة، اعتمدت لأول مرة في البلاد نظام “القائمة المفتوحة” في الانتخابات البرلمانية والمحلية.
المرحلة الانتقالية هي الحل
وعن رؤيته للخروج من الأزمة الراهنة، قال “معراف”: “تبقي المرحلة الانتقالية هي الحل الذي يطالب به أنصار الحراك، لكونها الأضمن للخروج من المأزق الحالي، بحيث يتم فيها فتح حوارا سيدا يسمح للجميع بالتعبير عن أفكاره، والاتفاق علي أرضية عمل متوافقة تساعد على وضع مؤسسات انتقالية تكون بمثابة الانطلاقة الحقيقية للتغيير المنشود”.
عودة الدولة العميقة
ونوّه إلى أن “تبرئة قائد المخابرات الجزائرية الأسبق، الفريق محمد مدين، المعروف باسم الجنرال توفيق، وغيره، هو بمثابة الإيذان بعودة الدولة العميقة، والبدء في مرحلة إنقاذ العصابة، والسماح بوضع إستراتيجية مُحكمة لتطويق الحراك وعدم السماح له بالعودة في ظل الحديث عن تمدد هذا الحراك وتحوّله إلى ثورة شعبية حقيقية قد تعصف بخطط هذه العصابة”.
وفي 2 كانون الثاني /يناير 2021، قضت محكمة الاستئناف العسكرية الجزائرية بولاية البليدة (شمال) ببراءة كل من سعيد بوتفليقة، والجنرال توفيق مدين، والجنرال عثمان طرطاق، مديري المخابرات السابقين، ولويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال، من تهمة التآمر ضد سلطة الجيش.
وأثار خبر تبرئة الجنرال توفيق، الذي ترأس إدارة المخابرات والأمن لمدة 25 عاما (1990-2015)، ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر؛ إذ يحمّله كثيرون مسؤولية الأزمة التي تعيشها البلاد، في ظل المخاوف من احتمالات عودته للمشهد مرة أخرى.
وشدّد الأكاديمي الجزائري على أن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة انتهى، ولم يعد صالح كموضوع للنقاش، وبالتالي فإن إثارة قضية تحت مزاعم وجوده قيد الإقامة الجبرية من قِبل شقيقه السعيد هدفه الاستهلاك حتى يغير من وجهة محاكمته، ومن ثم فالحديث عنه لا قيمة له على الإطلاق”.
المصدر: عربي 21