حرب العصابات تمزق فرنسا من الداخل
قالت صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية إن ما تشهده البلاد -من ارتفاع في نسبة الجريمة المنظمة- ليس سوى جزء من حرب سرية بين العصابات المتشاكسة، بحيث يمكن أن يندلع الرصاص، في عمليات تصفية حسابات بينها في أي وقت، تحت نوافذ المواطنين، مما يتسبب في ضحايا جانبيين.
وفي تقرير حصري بقلم كريستوف كورنيفين، قالت الصحيفة إن معلومات استقتها من تقرير صادر عن المديرية المركزية للشرطة القضائية، تفيد بأن البلاد شهدت 75 حالة عقاب بالقتل (تصفية حساب) و359 جريمة قتل أو محاولة قتل عام 2020، مما ينذر بأجواء في فرنسا تعيد إلى الأذهان “الغرب المتوحش” في أميركا.
وكمثال على هذه الأجواء، أشارت الصحيفة إلى اكتشاف جثتين متفحمتين بسيارة في مرسيليا، وفي بوردو، كما أودت حملة عقابية بحياة شاب يبلغ من العمر 16 عاما، وخلفت 4 جرحى بطلقات نارية. وفي غرونوبل، التي تحولت إلى “شيكاغو فرنسا”، اندلعت حوادث إطلاق النار في وضح النهار.
وحسب تقرير المديرية المركزية للشرطة القضائية، تم تسجيل ما لا يقل عن 75 تصفية حساب سنة 2020، بزيادة 12 عملية في عام واحد، وقد أسفرت هذه الخصومات الدموية عن 108 ضحايا بينهم 42 قتيلا، إذا اكتفينا فقط بالاغتيالات التي تستهدف البلطجية المنتمين لعالم الجريمة المنظمة والقتل بسبب قضايا تتعلق بالجريمة المنظمة.
ميل إلى استخدام السلاح
وهذا -تقول الصحيفة- تضاف إليه موجة جديدة من جرائم القتل ومحاولات القتل من جميع الأنواع، تتم بدوافع غامضة في كثير من الأحيان، وفي إطار الاشتباكات بين العصابات المتنافسة، حيث يتضاعف إطلاق النار التحذيري والطعن بالسكاكين، وقد تم تسجيل 359 عملية عام 2020، أي أنه أقل بهجومين عن ذروة 2019، ولكنه يشكل قفزة بنسبة 30% بالنسبة لعام 2017.
وهذا ما يعكس -كما يقول يان سوريسو مفوض الشعبة رئيس المكتب المركزي لمكافحة الجريمة المنظمة- “زيادة في العنف بين الجناة ذوي الخبرة المحدودة وتصعيدا بالمدن الحساسة، حيث كانت هذه الخلافات في السابق تنتهي بالعنف الجسدي، إلا أن استخدام الأسلحة أصبح السمة المميزة للجريمة المنظمة، بحيث يمكن أن يرتكب الجناة اليوم جرائم القتل والشروع فيه دون أن يكونوا بالضرورة لصوصا متمرسين أو تجارا مرموقين”.
وقالت الصحيفة إن هناك جيلا جديدا من رؤساء العصابات الناشئين ليست لديهم قواعد ولا بوصلة، يمزق بعضهم بعضا بلا خجل، وأغلب ضحاياهم من الشباب، كما لاحظ خبراء الشرطة القضائية -كما يقول المكتب المركزي لمكافحة الجريمة المنظمة- أن “الفئة العمرية من 20-24 عاما كانت تمثل أكثر من الثلث منذ عام أو عامين”.
وأوضح مكتب مكافحة الجريمة أن نسبة 30 أو 40% من عمليات إطلاق النار تقع بين الثامنة صباحا والثامنة مساء، مما يعني جداول غير عادية وتغييرا في الأسلوب، مقارنة بجداول قطاع الطرق المخضرمين الذين يبدون أكثر حرصا وأكثر تحركا لضرب أهدافهم في الليل دون شهود أو حركة مرور.
وعلى الأرض -كما يشير سوريسو- تغيرت المواقع أيضا لأن “الأرباح الضخمة الناتجة عن الاتجار بالمخدرات قادت مجرمين يتمتعون بمعرفة حقيقية ومصداقية معينة بالخارج لتنظيم شبكتهم الخاصة في مدن أصغر” وأضاف أن تسوية الحسابات ترتبط بـ 80% من القضايا بمعارك النفوذ وسرقة المنتجات أو الأموال نتيجة هذا التشتت الجغرافي”.
مراقبة واعتقال
وأشارت لوفيغارو إلى مجموعة من عمليات تسوية الحسابات في أماكن متفرقة، سالت فيها الدماء بين تجار المخدرات، كما (أشارت) إلى توزيع بعض المجموعات في مناطق مثل باكا ومرسيليا، حيث تمت 26 عملية تسوية حسابات عام 2020، وسجلت 4 عمليات في منطقة رين الحضرية و6 في بوردو ومثلها في ديجون.
ويعود سوريسو ليقول “هناك نزاعات لا تتم تسويتها أمام المحكمة التجارية ولكن بقوة السلاح، لأن تصفية الحسابات تستجيب لدورات تتطور وفقا لوتيرة الجريمة المنظمة وإطلاق بعض السجناء الذين ينوون استعادة السيطرة على أراضيهم دون اللجوء إلى المفاوضات الدبلوماسية”.
وأشارت الصحيفة أن أزمة كورونا كان لها تأثير نسبي، إذ أدت إلى إثارة العصابات أوائل ربيع العام الماضي نتيجة تعثر تجارة المخدرات بسبب إغلاق الحدود. إلا أنه مع نهاية الحجر، خرج المجرمون من سباتهم النسبي لوضع عدد معين من “المشاريع” قيد التنفيذ، مما أدى إلى حدوث 24 عملية تصفية حسابات بين يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين.
وفي مواجهة هذه الآفة المقلقة، تكثف مجموعات الشرطة القضائية تحقيقاتها التي تتخللها المراقبة الفنية والمادية، في محاولة لاعتقال البلطجية قبل ارتكاب ما لا يمكن إصلاحه، مثل القبض على العديد من رجال العصابات في فال دو مارن، بعد أسابيع من المتابعة. وقد عثرت السلطات لديهم، خلال التفتيش، على بنادق هجومية وبندقية رشاشة وسترات واقية من الرصاص وسترات تحمل شعار “الشرطة”.
وفي أوج مكافحتها للجريمة المنظمة التي تنوي القضاء عليها، قامت الشرطة القضائية -كما تقول لوفيغارو- بإلقاء القبض على ما مجموعه 92 مشتبها بهم على صلة بعمليات الاغتيالات.
المصدر: لوفيغارو الفرنسية