الصناعات العسكرية التركية: مكاسب اقتصادية وباب جديد للتجارة الخارجية
تتعدى مكاسب نهضة الصناعات الدفاعية التركية النواحي السياسية والعسكرية إلى مكاسب اقتصادية مهمة، في ظل ما يعانيه الاقتصاد التركي من تضخم وديون تراكمية وانخفاض في قيمة العملة الوطنية؛ بسبب عوامل داخلية بنيوية، وأخرى سياسية خارجية.
وتشير المقاييس الاقتصادية الى أن شركات الصناعات الدفاعية التركية حطمت أرقاما قياسية مع حجم مبيعاتها خلال عام 2020 مقارنة مع نظيراتها الدولية.
مكاسب اقتصادية
في السياق نفسه، أكد مدير الدراسات الاقتصادية في مركز أورسام بأنقرة، رجب يورولماز، أن سوق الدفاع العالمي يشكل أحد أهم المدخلات الاقتصادية للدول المصدرة للأسلحة، ومنها تركيا.
ولفت إلى أن الصناعات الدفاعية التركية لا تتكون من تجارة الأسلحة فحسب؛ بل تتكون من مزيج من المجالات المختلفة مثل التعليم، والقوى العاملة المدربة، ومجالات التوظيف الجديدة، والبنية التحتية الاستثمارية القطاعية الواسعة، والتطورات العلمية والتكنولوجية، وتوسيع نطاق المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، وتغذية القطاعات الأخرى.
وأوضح يورولماز أن الصناعات الدفاعية تحولت من استثمار عديم الجدوى إلى مكسب اقتصادي طويل الأجل.
وقال: ساهمت سياسات التأميم التي اتبعتها حكومة حزب العدالة والتنمية، التي وصلت إلى السلطة بعد الأزمة المالية عام 2001، والإصلاحات الاقتصادية التي طُرحت في هذا الاتجاه، في تطوير الصناعات الدفاعية.
وأضاف الخبير الاقتصادي التركي أن “حجم الإنتاج وصادرات الصناعات الدفاعية يكشف مساهمة هذا القطاع في تنمية اقتصاد تركيا، وحل مشكلة عجز التجارة الخارجية، وهي أحد أكثر العوامل هشاشة في اقتصاد البلاد، كما ساهم مؤخرا في ارتفاع قيمة العملة التركية بشكل غير مباشر”.
اكتفاء ذاتي وانخفاض الواردات
طبقا لدراسة نشرها مركز “ستراتفور” (STRATFOR) للدراسات، فإن الإحصائيات الرسمية التركية تشير إلى أن الصناعات الدفاعية التركية المحلية باتت فعليا تلبي 70% من متطلباتها العسكرية، مقارنة بحوالي 20% فقط عندما صعد حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2003، مما جعلها أكثر قدرة على مواجهة حظر الأسلحة، ومكنها من الظهور بقوة والاستعداد للبقاء، بعد أن خاضت تجربة مؤلمة في عمليات الحظر، التي كان آخرها الحظر الأوروبي والأميركي جراء عملية نبع السلام في الداخل السوري.
وارتفع عدد الشركات التركية في قائمة “أفضل 100 شركة للصناعات الدفاعية” الأكثر شهرة عالميا، إلى المرتبة السابعة، وتشير الإحصاءات إلى انخفاض واردات الأسلحة التركية خلال الفترة ما بين عامي 2015 و2019 بنسبة 48% مقارنة بخمس سنوات سابقة، بالرغم من حربها ضد تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني، وعملياتها في كل من سوريا وليبيا.
زيادة الصادرات
حققت تركيا قفزات ملحوظة في صادرات الصناعات الدفاعية؛ إذ بلغت صادراتها 2.2 مليار دولار عام 2018، بنسبة زيادة بلغت 17% عن العام السابق، وتزايدت إلى 3 مليارات دولار بنهاية عام 2019، وهو الرقم الذي أهل أنقرة لتشغل المرتبة 14 بين العواصم الأكثر تصديرا للأسلحة في العالم، وفق تقرير “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” (SIPRI)، الذي أشار كذلك إلى أن صادرات الأسلحة التركية ارتفعت بنسبة 170% خلال السنوات العشر الماضية.
وتشغل الولايات المتحدة الأميركية مركز المستورد الأول للأسلحة من تركيا، تليها ألمانيا ثم سلطنة عمان في المركز الثالث، فضلا عن الطفرة الكبيرة في الصادرات إلى دول صديقة مثل قطر، حيث بلغت قيمة صادرات تركيا من الصناعات الدفاعية والجوية إلى قطر، 138 مليونا و753 ألف دولار منذ مطلع العام الحالي، محققة زيادة بنسبة 1336.6% مقارنة بالعام الماضي.
وتم إبرام العديد من صفقات الأسلحة الكبرى مع باكستان، بما في ذلك صفقات تسليم 30 طائرة مروحية مقاتلة، و4 سفن حربية من نوع “فرقاطة “(Frigate).
كما باعت تركيا مئات المدرعات المضادة للألغام من طراز “كيربي” (Kirpi) إلى تونس وتركمانستان، وصدّرت حاملات جنود مدرعة من طراز “كوبرا” (Cobra) إلى دول مثل البحرين، وبنغلاديش، وموريتانيا، ورواندا، كما اتفقت تركيا وأوزبكستان على إنتاج ألف مدرعة من نوع التنين على الأراضي الأوزبكية، وهو ما يسهم في انفتاح الصناعات الدفاعية التركية على الأسواق الآسيوية.
خطة إستراتيجية
في نهاية 2018، أصدرت الرئاسة التركية للصناعات الدفاعية خطتها الإستراتيجية للفترة 2019-2023، التي تهدف إلى زيادة إيرادات قطاع الدفاع التركي إلى 26.9 مليار دولار، وزيادة الصادرات إلى 10.2 مليارات دولار، وتلبية 75% من الاحتياجات العسكرية للبلاد محليا في 2023، مقارنة بـ65% في 2018.
واستنادا لبيانات رابطة مصنّعي صناعة الدفاع والطيران التركية للعام 2019، التي تمّ نشرها في أبريل/نيسان 2020، زادت صادرات القطاع في 2019 بنسبة 40.2% لتصل إلى 3.1 مليارات دولار، مقارنة بـ2.2 مليار دولار في 2018.
كما زادت المبيعات الإجمالية بنسبة 24.2% لتصل إلى 10.9 مليارات دولار، مقارنة بـ8.8 مليارات دولار عام 2018.
وحددت تركيا أهدافا إستراتيجية بحلول عام 2053، مثل جعل الصناعات الدفاعية التركية مستقلة بنسبة 100%، وشغل 10 شركات تركية قائمة أكبر 100 شركة دفاعية في العالم، وزيادة قدرتها التصديرية إلى 50 مليار دولار.
جائحة كورونا
كان لتفشي فيروس كورونا، تأثيره على الصناعات الدفاعية كما القطاعات الأخرى. وقدمت الشركات الرائدة ذات المساهمات الكبيرة في الصناعات الدفاعية دعمها للقطاعات المحتاجة من خلال خطوط إنتاجها أثناء أزمة الوباء، فمثلا حولت شركة الآلات والصناعات الكيميائية “إم كيه إي كيه” (MKEK)، التي تنتج معدات للقوات المسلحة التركية، جهودها للتركيز مؤقتا على معدات الحماية والمعدات الطبية عبر مصانعها.
وعملت شركة التكنولوجيا “نانوبيز” بالتعاون مع رئاسة الصناعات الدفاعية ووزارتي التكنولوجيا والصحة على إنتاج أجهزة للكشف عن فيروس كورونا.
وتعاونت شركتا “أسيلسان” (ASELSAN) و”بايكار” (BAYKAR) مع شركتي “أرتشليك” (Arçelik) و”بيوسيس” (BIOSYS) لإنتاج أول جهاز تنفس صناعي محلي الصنع في تركيا.
صفقات جديدة
استمرت الشركات التركية في عقد صفقات دفاعية جديدة، وتقديم أنظمة للعملاء خلال فترة الوباء، ففي 23 مارس/آذار الماضي، وقعت الهند صفقة بقيمة 2.3 مليار دولار مع مجموعة “تي إيه آي إس” (TAIS) التركية لبناء السفن، يتم بموجبها بناء 5 سفن معاونة يبلغ وزنها 45 ألف طن لصالح البحرية الهندية.
ووقعت أسيلسان اتفاقيات مع البحرين وكازاخستان ودولة عضو في الناتو لم يتم الإفصاح عن اسمها لمنظومات أسلحة متطورة يتم التحكم بها عن بعد.
وتم مؤخرا توقيع عدد من الاتفاقيات مع أوكرانيا في مجال إنتاج ومشاركة تكنولوجيا سفن “فرقيطة” (أكبر من فرقاطة) والطائرات المسلحة بدون طيار.
بيرقدار
وخلال السنوات العشر الأخيرة، نمت صناعة الطائرات بدون طيار محلية الصنع بشقيها الاستكشافي والمسلح؛ لتحتل تركيا موقعا بين أول 4 دول في العالم في هذا المجال.
وتقول التقارير الرسمية التركية إن سلاح الطيران المسيّر المحلي بات يفرض نفسه بديلا عن التكنولوجيا المتطورة لدى الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تخطط أنقرة لتصدير المسيرتين “بيرقدار آقنجي” (Bayraktar Akıncı) إلى أكبر عدد من الدول.
المصدر: الجزيرة