الصين تخنق أميركا في المعادن النادرة
منذ أيام إدارة جيمي كارتر وأزمة النفط في السبعينيات، حاولت الولايات المتحدة الأميركية تحقيق استقلالها الطاقي. لكن أزمات النفط المتتالية، واضطراب أسعار النفط، والانتقال العالمي إلى الطاقة النظيفة، أظهر أن واشنطن لن تستطيع أبدا تحقيق الاستقلال الطاقي الحقيقي من خلال الاعتماد فقط على مصادر الطاقة الأحفورية.
في تقرير نشره موقع “أويل برايس” (oilprice) الأميركي، أشار الكاتب أليكس كيماني إلى أن أغلب الأميركيين يعتقدون أنه على الحكومة “التركيز على تطوير مصادر بديلة للطاقة بدلاً من الاعتماد أساسًا على مصادر الطاقة الأحفورية”، وذلك بهدف الحد من التغير المناخي.
وفي الوقت الذي يكتسب فيه الانتقال إلى الطاقة النظيفة والمتجددة زخما كبيرا، تواجه الولايات المتحدة معضلة أخرى تتمثل في تبعيتها بشكل شبه كامل تقريبًا للصين فيما يتعلق بالمعادن النادرة، التي تستخدمها لبناء أنظمة طاقة نظيفة.
توفر الصين 80% من احتياجات الولايات المتحدة للمعادن النادرة المستخدمة في تصنيع ألواح الطاقة الشمسية، والطواحين الهوائية، وبطاريات السيارات الكهربائية، والهواتف المحمولة، وأجهزة الحاسوب، وأنظمة الدفاع الوطني، والمعدات الطبية، وحتى في صناعة تكنولوجيا النفط والغاز.
وهذه الوضعية تضع الولايات المتحدة في موقف خطر، خاصة في ظل التوترات التجارية القائمة بين البلدين بشكل متواصل. وفي ذروة الحرب التجارية السنة الماضية، أثارت زيارة الرئيس الصيني إلى مصنع مغناطيس المعادن النادرة شكوكًا حول إمكانية لجوء الصين إلى قطع الإمدادات من هذه المواد الحيوية عن الولايات المتحدة وما يمكن أن ينجم عن ذلك من شلل محتمل لقطاعات كبيرة من الصناعات.
وبدأت الولايات المتحدة تشعر بقبضة الصين الخانقة على الصناعة في الوقت الذي يتهيأ فيه بايدن للدخول إلى البيت الأبيض، وتزيد احتمالات تنفيذ صفقته الخضراء الطموحة.
اعتماد كبير
وتُعرف المعادن النادرة بـ “فيتامينات الكيمياء” وهي مجموعة من العناصر المستعملة في تصنيع عدة تجهيزات باستعمال كميات محدودة ذات فعالية ناجعة. تُستخدم المعادن النادرة (مثل لانثانوم، نيوديميوم، براسيوديميوم، غادولينيوم، يوروبيوم) على نطاق واسع في تصنيع الهواتف الذكية، والبطاريات، والليزر، والمدافع الكهرومغناطيسية، وكذلك في تصنيع الصواريخ، وأجهزة استشعار الأسلحة المتقدمة، وتكنولوجيا التخفي، وتقنيات التشويش، وغير ذلك من التجهيزات الضرورية الحساسة.
استأثرت الصين بإنتاج أكثر من 90% من حاجيات العالم من هذه العناصر على مدى العقد الماضي، علما بأن هذه النسبة تراجعت إلى 71.4% العام الماضي.
ففي 2018، حددت هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية 35 معدنًا نادرا مهمًا لاقتصاد البلاد وأمنها القومي. وتعتمد أميركا بشكل كبير على واردات هذه المعادن، لأنها لا تنتج سوى عُشر إمدادات العالم، بينما تستورد نصف ما تستهلكه. وهذه التبعية المعمقة، تعكس ضعف الولايات المتحدة، وقد تزيد من هيمنة الصين في المستقبل.
من المتوقع أن تتضاعف صناعة المعادن النادرة العالمية من 8.1 مليارات دولار عام 2018 إلى 14.4 مليار دولار عام 2025، في الوقت الذي يتزايد فيه الطلب على المركبات الكهربائية والهواتف المحمولة والشرائح الإلكترونية.
واستباقا لهذا النمو الهائل، تعهد بايدن بإنشاء أكثر من 500 ألف محطة شحن جديدة للسيارات الكهربائية بحلول 2030، التي يبلغ عددها حاليا 26 ألف محطة.
هزيمة الصين
وأشار الكاتب إلى أن سيطرة الصين على هذه الموارد لا تعني بالضرورة أنها “ورقة رابحة في يدها”، كما ادعت صحيفة “غلوبال تايمز”. على العكس من ذلك، فإن الولايات المتحدة في الواقع في وضع قوي لتقويض سيطرة الصين على هذه الصناعة وتحقيق الاستقلال في مجال المعادن النادرة.
يدرك بايدن جيدًا هذا التحدي، ولهذا تعهد بدعم الاستكشاف المتزايد لليثيوم والنحاس والنيكل والمعادن النادرة الأخرى لتوفير احتياجات البلاد من المعادن الضرورية لصناعة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والمركبات الكهربائية. وكثفت حكومة الولايات المتحدة من جهودها لتوسيع دائرة التنقيب عن المعادن النادرة.
كما توفر إطارًا مشجعًا للاستثمار في مجال استغلال وتطوير المعادن النادرة عبر تقديم حوافز ضريبية للشركات التي تستثمر في هذا المجال.
وأكد الكاتب أن الولايات المتحدة لا تفتقر تمامًا إلى المعادن النادرة الأساسية. فعلى سبيل المثال، يوفر جبل “بير لودج” في ولاية “وايومنغ” احتياطي 18 مليون طن من المعادن النادرة، وهي كمية تكفي لتزويد البلاد لأعوام.
وإذا قامت الصين بحظر تصدير هذه الموارد إلى الولايات المتحدة دون سابق إنذار، فإن البلاد تستطيع أن تعول على بلدان أخرى مثلما فعلت اليابان قبل عقد من الزمان، أو بإمكانها إعادة تدوير المعادن المستعملة.
إعادة التدوير
ومع أن عملية التدوير تبقى محدودة جدا في الوقت الحاضر، فإن إمكانيات الولايات المتحدة في هذا المجال واعدة، إذ يمكن أن تتطور نسبة التدوير من 1% إلى 20% وحتى 40%، وهو ما يعادل 5% من احتياجاتها من هذه المعادن أو ما يقرب من نصف إنتاج المناجم السنوية في الولايات المتحدة، وذلك حسب ورقة نُشرت عام 2014.
وحسب سايمون جويت، الأستاذ المساعد في جامعة نيفادا في لاس فيغاس، يمكن للولايات المتحدة إعادة تدوير أكثر من 40% من عناصر المعادن النادرة اعتمادًا على معدلات اعتماد تقنيات مثل المركبات الكهربائية.
ولكن يرى الكاتب أن إعادة تدوير هذه الكمية من المعادن النادرة ليست بالأمر الهين. فإعادة تدوير الأنواع المتنوعة من الإلكترونيات لن توفر بالضرورة ما يكفي من المعادن النادرة. وفي كثير من الحالات، لا يتحمل المصنعون عادةً مسؤولية إنجاز عمليات التدوير، مما يعني أنهم قد يجهلون ربما طبيعة المكونات التي تحتوي عليها هذه المواد.
وتحتاج الولايات المتحدة في مجال المعادن النادرة إلى اتباع النهج الأوروبي، حيث إن “توجيه النفايات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية” الصادر عن الاتحاد الأوروبي لا يفرض على مصنعي الأجهزة الإلكترونية إعادة تدوير تلك الأجهزة أو تمويل هذه العملية فحسب، بل يقضي أيضًا بمطالبة البائعين بتقديم خدمة جمع النفايات الإلكترونية بالمجان.
المصدر: الجزيرة