ما الذي يشجع أحزاب المعارضة التركية على المطالبة بانتخابات مبكرة؟
تكاد المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، لا تفارق ألسنة زعماء أحزاب المعارضة في تركيا خلال الأيام الأخيرة، متذرعين بأن الوضع الاقتصادي في تدهور مستمر، وأن الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) لم يعد قادرا على إصلاح أي شيء.
وبدأت أحزاب الشعب الجمهوري بزعامة كمال كليجدار أوغلو والجيد برئاسة ميرال أقشنر والمستقبل بزعامة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو والديمقراطية والنهضة برئاسة وزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان، بالمطالبة بانتخابات مبكرة، جاعلين من سوء الأوضاع الاقتصادية عنوانا لحملتهم ومدّعين بأن وزير الخزانة والمالية الحالي براءت ألبيراق أثبت فشلا ذريعا في تسيير الشؤون الاقتصادية للبلاد.
ولخدمة هذه الحملة، كثف كل من داود أوغلو وباباجان وأقشنر جولاتهم الميدانية في جميع أرجاء البلاد، وكأنهم زعماء لحزب واحد، حيث يلتقون مع التجار وأصحاب المحلات التجارية والحرفيين، لإقناعهم على دعم أحزابهم في أي انتخابات مبكرة قد تشهدها البلاد.
بالمقابل يصر حزب العدالة والتنمية الحاكم وداعمه الحركة القومية، على أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية لن تجري إلا في موعدها المحدد عام 2023.
ومن الملاحظ أن أحزاب المعارضة التي تدعو لانتخابات مبكرة بحجة تدهور الأوضاع الاقتصادية، لا تطرح أي حلول أو برنامج يبعث التفاؤل والأمل لدى الشارع التركي.
فالمعارضة تدعي تدهور الأوضاع الاقتصادية ولا تقدم برنامجا لإعادة هيكلية الاقتصاد، وتزعم بأن مبدأ حقوق الإنسان ينتهك من قِبل الحكومة والسلطة الحالية، ولا يطرحون ما يشير إلى قدرتهم على تحقيق الأمن والرخاء وحرية التعبير للمواطن.
المعارضة في تركيا تكتفي بالانتقاد وسرد أرقام لا يدري أحد من المواطنين مدى صحتها، فهم يدّعون بأن المشاريع الكبرى التي نفذتها الحكومة التركية خلال السنوات السابق من طرقات وجسور وأنفاق ومستشفيات ومطارات ومنشآت رياضية وفق نظام “أنجز، شغّل، سلّم للدولة”، قد زادت من ديون الخزينة وجعلت تركيا أسيرة 5 مقاولين مقربين من الحزب الحاكم.
لكن أحزاب المعارضة لا تقدم بدائل من شأنها إقناع الناخب التركي ودفعه للإدلاء بصوته لهم، فحزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد يهاجمان الحكومة من الجانب الاقتصادي، بينما يتهجم داود أوغلو باباجان على الحكومة من بوابة الحريات الشخصية والتضييق على الشعب.
من جانب آخر تشير معظم استطلاعات الرأي التي تجري في البلاد كل أسبوع تقريبا، إلى تقوف تحالف الجمهور المكون من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، على تحالف الأمة المكون من حزبي الشعب الجمهوري والجيد، والذي قد يتسع لاحقا ليضم حزبي المستقبل والديمقراطية والنهضة.
فعلى ماذا تعتمد المعارضة في المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة، رغم إدراكها بفطنة الشعب التركي وقدرته على التمييز بين من يتكلم وبين من تتكلم أفعاله وإجراءاته نيابة عنه.
الحكومة التركية الحالية تصارع حاليا في عدة جبهات خارجية سواء على الصعيد الدبلوماسي أو العسكري، في ليبيا وشرق المتوسط وسوريا والقوقاز وتغامر بمستقبلها السياسي من أجل الدفاع عن حقوق تركيا وشمال قبرص التركية، ورغم أنها تدرك بأن ثمن هذه التضحيات قد تكون باهظة، إلا أنها لا تترد في الإقدام على خطوات جريئة.
والمعارضة لا تقددم شيئا للشعب التركي فيما يخص سياسات البلاد الخارجية، وتكتفي فقط بالقول، “لماذا تتواجد قواتنا في سوريا وليبيا والعراق”، “لماذا نؤسس قاعدة عسكرية في قطر”، وتزعم بأن حكومة العدالة والتنمية جرّت تركيا إلى مستنقع الشرق الأوسط.
لكن هذه الأحزاب حين تعارض خروج قوات البلاد إلى خارج الحدود، لا تقدم حلولا بديلة للمشاكل التي تلف البلاد من كل حدب وصوب، حيث يكتفون بالقول “إننا سنتصالح مع الأسد وسنصافح السيسي”، ولا يوضحون للشارع التركي عن الأسباب الموجبة لعدم تواجد القوات التركية في الدول المذكورة.
كيف تتجرأ أحزاب المعارضة التركية على الإفصاح عن نواياهم بالتصالح مع الأسد والسيسي، وهي تدرك بأن الشعب التركي لا يمكن أن يصوّت لمن يصالح من قتل الملايين ومن انقلب على رئيس منتخب من قِبل شعبه.
الخلاصة، يبدو أن أحزاب المعارضة في تركيا، لم تتمكن إلى الأن من قراءة عقلية الناخب التركي وطريقة تفكيره، أو بالأحرى إنهم منعزلين عن الواقع ويعتقدون بأن الاقتصاد هو الشغل الشاغل للأتراك، ناسين بأن هذا الشعب أحفاد من تقاسموا رغيف الخبز كي يظلوا على قيد الحياة ويستمروا في حرب الاستقلال ودحر الأعداء من تراب الأناضول.
المصدر: ترك برس